قراءة في نص “ونحتفل بالأعياد !!!” للأستاذ خالد بوزيان موساوي / بقلم: ذة. أمينة نزار / المغرب



النص:
و نحتفل بالأعياد!!! / ذ. بوزيان موساوي

سألتني:
ـ أتكون فارسي الليلة؟… سنرقص حتى السنة المقبلة… أم ستبحث لك عن وسادة خالية، و عن ترياق للكآبة بين جدرانك الباردة؟
سألتها:
ـ و بم نحتفل؟.. و لم نحتفل؟.. و هل يحق لنا أن نحتفل؟… سئمت منظر الشهب الاصطناعية في سماء شحت خيراتها، فليست تجود بغيثها و ثلوجها إلا لغيرنا
أتحلمين بفارس ليراقصك؟…. راقصيني إذن… راقصيني… حتى الغثيان… علنا نتقيأ خيبتنا على موائد الأشرار… عل “بابا نويل”، أو “بابا عاشور” ينقذ القدس و حلب و بغداد و صنعاء و طرابلس من الدمار
راقصيني… راقصيني.. حتى أصاب بالدوار… حتى لا أسمع صراخ الأطفال، و بكاء الثكالى، و الأرامل… حتى لا أرى دموع الرجال… الحرب لا تخاض فقط بالقنابل و الرصاص… الجوع، و البرد، و العري و المرض… تجليات حرب ضروس لا يخوضها إلا الفقراء
سألتني:
ـ أو لا نفرح لليلة؟… قد يكون الغد يوما آخر… قد نضحك و نضحك و نضحك ههههههههههههههههههه…. هههههههههههههه….
ضحك هستيري طعمه علقم أمر من البكاء…. راقصني… راقصني… عل جسدي يثور على جسدي… علني أخرج من قوقعتي، من سجني… من… من عبوديتي… و أنطلق… نعم أنطلق… بل أطير إلى حيث لا بكاء، و لا فراق، و لا حزن، و لا صداع…. و لا حرب و لا سلام… حيث لا أرض للفقراء، و أخرى للأغنياء… راقصني… علني أحس بوجودك / بوجودي ثانية… نحب بعضنا، و غيرنا… إن كان بعد للحب في قلوبنا ميزان ذرة


القراءة :
لايمكن أن نقرأ نصا للأستاذ خالد بوزيان ونحافظ معه على الحياد، إذ لابد أن نتفاعل معه بشكل أو بآخر، وتفاعلي هنا يأتي على شكل انطباعات بسيطة،
أصوغها كالتالي:


*من حيث الشكل:
-العنوان أو مايصطلح على تسميته بالعتبة عبارة عن جملة قصيرة تتكون من مفردتين وتنتهي بثلاث علامات تعجب.. لكنها عميقة وتحمل في طياتها دلالات متعددة… فبين التساؤل والتعجب، بين الإحساس بالمرارة والتهكم والسخرية السوداء هناك المسكوت عنه… وتبقى علامات التعجب الثلاث مفتوحة على كل التأويلات الممكنة، وللقارئ حق الاجتهاد وهامش للفهم والتأويل.
-النص عبارة عن حوار بين شخصين (رجل وامرأة)، يبدأ بسؤال، ويأتي الجواب أيضا على شكل سؤال.. أسئلة توليدية تعكس في ظاهرها محاولة هروب من حالة نفسية معينة لكنها في العمق محملة برموز وخلفيات سياسية، اقتصادية واجتماعية..
-الإطار الزماني للنص -افتراضيا- هو ليلة عيد الميلاد والمناسبة هنا ليست شرطا، إذ مايجري هنا يمكن أن ينطبق على أي عيد من الأعياد، أما المكان فهوغير محدد، وكل الأمكنة قابلة لاحتفال من هذا النوع.

*من حيث المضمون:
-النص يبدأ بدعوة للرقص: “أتكون فارسي الليلة؟” ثم تستدرك “سنرقص حتى السنة المقبلة..” وهنا تظهر المفارقة، فكيف لرقصة “ليلة” أن تمتد “لسنة كاملة” إلا إذا كانت “رقصة وجع” أو “جذبة” محملة بكل الألم والمعاناة والضغوط الممكنة التي تكفي لأن يعيش على صداها “سنة” حتى وإن كانت رمزية إذ أن الانتقال سيتم بعد دقائق فقط…..
دعوة غريبة نوعا ما تضع المدعو أمام خيارين: رقصة “تمتد لسنة” أم” ستبحث لك عن وسادة خالية، و عن ترياق للكآبة بين جدرانك الباردة؟… وبذلك تتحول من دعوة للاحتفال و الاستمتاع إلى محاولة للهروب لتفريغ تلك الشحنة السلبية من المرارة والإحساس بالكآبة والوحدة القاتلة.. كما تتحول من صيغة سؤال إلى صيغة تقرير عن الحالة النفسية للمدعو.

– أتوقف هنا عند كلمة “فارس” وأتساءل من الفارس هنا؟
الفارس لغة هو راكب الخيل، وتاريخيا هو المنتمي إلى فئة الفرسان، وهي طبقة من طبقات المجتمع الأوربي خلال القرون الوسطى، والفرسان عرفوا بمهاراتهم القتالية التي وجهت لحماية الأسياد من الطبقة الأرستقراطية، ولتحقيق أهداف الكنيسة القروسطوية في التوسع والامتداد… أشهرهم “فرسان المعبد” الذين قادوا الحروب الصليبية لاحتلال مدينة القدس… والفارس أيضا قطعة في لعبة الشطرنج.
و يبقى الفارس رمزا للرجولة والشهامة، و المنقذ من الوضعيات الصعبة حتى وإن كان “فارس أحلام” فقط.. سواء تحقق الحلم أو لم يتحقق.
فأي نوع من الفرسان هو بطل نصنا، بل أعود إلى التساؤل من الفارس هنا؟ من يريد أن ينقذ من؟؟؟، أهي صاحبة الدعوة التي تريد إخراج مخاطبها من وحدته وكآبته؟ أم تريد فقط أن تستثيره ليشاركها معاناتها الوجدانية ويساعدها على تفريغ حمولتها هي أيضا من الضغط والألم، لتتحرر وتحلق في عالم أرحب وأوسع.. في إطار علاقة جدلية بين الأنا والآخر، يتفاعل فيها الجسد والروح للتعبير عما يعجز اللسان عن قوله: “راقصني… راقصني… عل جسدي يثور على جسدي… علني أخرج من قوقعتي، من سجني… من… من عبوديتي… و أنطلق … بل أطير إلى حيث لا بكاء، و لا فراق، و لا حزن، و لا صداع…. و لا حرب و لا سلام… حيث لا أرض للفقراء، و أخرى للأغنياء..
ويأتي الجواب على شكل سؤال أيضا لكنه استدراك في نفس الآن، يتمم ماجاء في العنوان “بم نحتفل ؟ لم نحتفل ؟ هل يحق لنا أن أن نحتفل؟”
-بم نحتفل ؟ وظاهر الاحتفال من زينة وأضواء يخفي باطنه، سماؤنا مظلمة وسنواتنا عجاف، وإن جادت بخيراتها فلا يستفيد منها إلا الآخرون.. واقع اقتصادي مزر، في ظل تبعية للأجنبي، ينهب خيرات بلداننا ويستنزفها بتواطؤ مع حكامها.. ومجتمعاتنا تغرق في التخلف والجهل والفقر المادي والمعنوي وسط تفاوتات طبقية صارخة.
-لم نحتفل؟ وكل بلداننا تحولت إلى ساحات حرب، وكلنا إما قتيل أو مشروع قتيل، جريح، لاجئ متعدد الجنسيات، يتيم، أرملة أو ثكلى.
هل يحق لنا أن نحتفل؟ ويأتي الجواب على لسانها: “أو لا نفرح لليلة؟… قد يكون الغد يوما آخر
راقصني… علني أحس بوجودك / بوجودي ثانية… نحب بعضنا، و غيرنا… إن كان بعد للحب في قلوبنا ميزان ذرة”
ليبقى الحب في مفهومه الإنساني الشامل هو الحل و البديل، هو الخلاص.
بنبرة التفاؤل الجميلة هذه يختم الكاتب هذا النص المكثف بإيحاءاته وتساؤلاته الوجودية، في مناسبة تتكرر كل سنة لكن قليل من يتوقف عندها ويستنطق دلالاتها
بالمزيد من العطاء والتألق مبدعنا وكل عام و أنتم والقراء الكرام بألف خير ومحبة وسلام.

ذة. أمينة نزار / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *