الصورة الفنية وأهميتها في بنية النص الأدبي.. / بقلم: ذ. مختار سعيدي / الجزائر


ان تركيبة الصورة وأهمية اللون والمكان والزمان والخطوط عند الناقد في استنباط واستخراج التفاصيل الجوهرية الظاهرة والباطنة من النص هي التي تشكل هوية مقاصد الكتابة وغايتها، وهذا يعني أن النقد الأدبي عموما يبدأ من تفعيل البصر والبصيرة مع الواقع في العمل الفني كإبداع حي نفخ فيه المبدع من روحه ليكون نبع وحي وإيحاء ومفاتيح مضمون يفرض وجوده في الحيز الموجه اليه، يستقي قوة تأثيره من تفاعل الإنسان مع المحيط الذي يصنع حرية التدفق بدون قيد ولا شرط، سواء في الأخذ منه أو في العطاء بدون أن يصادر حق القارئ الانطباعي بل يدافع عن كل فرضيات الفكرة بحجج تنامي الحدث في الواصل بين تفاصيل المشهد ومشاعر المتلقي، وهذا يجعلنا نعتقد أن الفن عموما هو عبارة عن كلمات وأشكال وألوان وحركات وسكنات وخطوط تحركها تفاعلات النفس التي أنشأتها لتحدث ذلك الانفجار الإبداعي في المتلقي ليكون حاضرا بشكل من الأشكال..
الفكرة الحرة هي التي تساعد المتلقي على تشكيلها في صفة غير ما كانت عليه، بدون تشويهها ولا تحريفها ولا تمييعها، لأن أصل كل طبيعة في الخلق والإبداع في كل الكون ناتج عن انفجارات معينة، ولهذا يجب على الإنسان أن يتفجر ليواصل وجوده في أشكال و تركيبات وألوان أخرى تجدد قدراته، انفجارات تصنعها لحظة التفكير الحاسمة عندما تضيق عليها مجالات التوهج، التي تحدث اصطدامات الروح مع المادة، يعني هو لحظة تأثر داخلي وتأثير معين خارجي يستحوذ على الذات البشرية ويحرر النفس من كل القيود إلى درجة الاصطدام بين حرية المبدع وحرية المتلقي، فينتج ذلك الضوء الذي ينير فضاء الصراع في فن الاختلاف بين ماضي تصور الإبداع وحاضره ومستقبله، والجميل أن هذا التفاعل ليس آليا ومبرمجا، لأن الإحساس بالجمال هو لحظة تحرر المشاعر التي تأتي بطريقة تلقائية وأحيانا تكون ماردة، تنعكس على الذات المتلقية، وليست مجرد نقل ساذج للخطوط والألوان أو الحركات كما هي، ولهذا تختلف النظرة إلى الجمال من شخص لآخر ومن مظهر إلى مظهر آخر، ويظهر هذا في اختلاف الأذواق، ما تراه أنت جميلا ليس بالضرورة أن أراه أنا كذلك، وصدق من قال أن الأذواق والألوان لا تناقش إلا اذا انفجرت وتفككت لتصنع مجالا لوعي جديد، أعتقد أن هذه حقيقة لا ينكرها عاقل، الفن مشاعر وانعكاس للحظة الوجدانية والروحانية التي بدونها لا تتحقق الغاية منه، وهي التي تصنع تناسق الأشياء في عمقنا وتنفخ الروح في الأشكال والألوان والحركات والسكنات التي يعرضها الفنان بصفة عامة لتكون، فهي حقيقة خطاب الروح للروح وخطاب الروح للمادة، ولا العكس صحيح، وهذا هو الناتج، بعيدا كل البعد عن النظريات التي تقدم الفن ومفهوم الجمال الفني مثلا وعلم الجمال عند الذين أبعدوا الروح عن جسد الفن وأحالوها إلى العقل، فأصبح الجمال في الفن مادة جامدة وليس مشاعر تحت تأثير نظريات آلية جافة، وحتى أصحاب علم الجمال المثالي في الفن، جردوا التفاعل النسبي من الموضوعية والاعتدال في الذات البشرية عند الوقوف امام الفن عموما..
ولهذا أرى دائما ان النظرة إلى الجمال الفني على ما اعتقد هي مركز التوازن بين الثقافة وطبع الانسان، و يظهر أن الجمال الفني غاية غير مستقلة ولا وجود لها بدون المشاعر وبدون روح إنسانية، لأنه منبثق من تفاعلات الحالة النفسية بين العوامل الخارجية والداخلية للمادة والروح، كل مخلوق يحتاج إلى روح ليصنع وجودا مختلفا باختلاف قوة ودرجة الانفجار الطبيعي الذي يطال النفس وتحتويه الذات البشرية، في لحظة الانفعال، لتحقق فكرة أو انطباعا معينا، وبدون هذا الانفجار لن يتحقق مفهوم الفن، و لهذا جمع الفن جمال الأشياء في اللون والمكان والزمان وحضور الروح فيه سواء كانت طيبة وهو كذلك في أغلب الأحيان و شريرة أحيانا لما نقدم صورة البؤس و الدمار بطريقة جميلة، و أحيانا نعطي للفن صورة مخالفة تماما لواقعها لما نضيف إليه مزيجا اخر، والدليل على ذلك عندما تضيف إلى أي مشهد أو منظر او قصيدة إيقاع او قطعة موسيقية، فيتغير التأثير والانطباع وتختلف المشاعر..
مصير العمل الفني تحدده اللحظة الحاسمة التي تجمع المادة بالروح في النفس.. وبهذه النظرة ألا يمكن أن يتميز الفن والأدب العربي عن غيره بصفة عامة عن غيره من الآداب بكل ما تعرضه الإيديولوجيات الأخرى.. وفي كل الفنون يجب أن تتكون الروح هي التي تحرك الذات و تفجرها لتكون مثلها مثل جسد الانسان تنبض بالحياة، سواء في النص أو في الصورة، في الحركة أو في السكون، الإنسان جسد وروح ولا يتفاعل إلا مع ما هو جسد و روح، ولهذا قلنا إن الفنان اية وجوده أن ينفخ من ذاته وروحه ووجدانه في إبداعه روحا تتواصل مع روح المتلقي ويؤثر فيه سلبا أو إيجابا، الفن ليس له مقاييس بل هو حالة وجدانية متغيرة، الفن انفجارات لطاقات وصراع مستمر مع الوجود، الفن لا يقبل الجمود ولا القيود ولا الضوابط ولا حتى التنظير، ولا يقبل أن يعرض نفسه كبضاعة جامدة يستهلكها الغرض التافه، وهذا هو الأدب الذي يجب أن يقود الإنسانية إلى انصهار الجمال وتقديسه في الوجود، بل أراه تيارا قويا يواكب السيرورة الاجتماعية بدون أي قيد، لأنه مرهون بالتحولات النفسية التي تصنعها الأحداث الجديدة في النفس البشرية، وبهذا تختفي الضبابية التي تحول الفن إلى عملية رياضية معقدة لا تتحكم في تحليلها إلا فئة معينة، تجعل من حركات وسكنات تافهة سرا للفن ولمفهوم الجمال، ويصبح الجمال الفني عملة غالية متداولة في أيدي دولة بين الاغنياء، يجب أن يكون الفن مثل الهواء فضاء يتنفس منه الجميع..
الفن مهما كان لا يجب أن يكون جسدا جامدا محتكرا، الفن صراع وحركة لا تتوقف عند فئة على حسب فئة، أو لون على حساب لون، أو حركة على حساب حركة، الفن تكافؤ فرص مختلفة في مخاض مستمر وغير هذا فهو احتيال واغتصاب واغتيال لغاية وجود الإنسان المبدع وتطوره..

ذ. مختار سعيدي / الجزائر



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *