المحاور الأساسية
تقديم
المبحث الأول: فن الموسيقى: المفهوم و الأسس التاريخية
أ- الموسيقى الأوربية
ب- الموسيقى العربية
ج- الموسيقى المغربية
المبحث الثاني: الموسيقى و الإشهار: أية علاقة؟
خاتمة
تقديم:
احتلت الموسيقى و لا زالت منذ القدم موقعا فعالا في حياة الإنسان الذي استثمرها بطرق شتى، فجعلها أداة لتحقيق المتعة الداخلية و الترويح عن النفس، و جعلها وسيلة للعلاج من بعض الأمراض النفسية و العصبية و كمخدر لإجراء بعض العمليات البسيطة كخلع الأسنان. و أكدت دراسة علمية أن الموسيقى تلهب حماسة المقاتلين في الحروب و تستحث هممهم و تزيد الناس ابتهاجا في المناسبات السعيدة و الأعياد، كما توصلت دراسة حديثة لفن الموسيقى أنها تساعد على تسوية الخلافات الزوجية و على إنقاص مشاكل الوزن الزائد. و حتى الحيوانات تتفاعل مع الموسيقى إذ تبث في بعض البلدان الأوربية أن الأبقار إذا ما استمعت إلى أنماط معينة من الموسيقى أثناء حلبها، فإنها تدر الحليب بنسبة أكبر من المعتاد و تصير هادئة الطباع. أما النباتات فهي الأخرى تتفاعل مع هذا الفن الذي يساعدها على النمو، و هناك البعض منها الذي إذا تعود على سماع الموسيقى كل يوم و توقف عن سماعها ليوم واحد يذبل و يموت.
و نظرا للأهمية القصوى التي تضطلع بها الموسيقى في التأثير النفسي و الروحي على المستمعين، فإن الإشهار باعتباره حرفة إعلامية و ثقافية و فنية، يسخرها من أجل إضفاء الجمالية السمعية على المرسلة الإشهارية من جهة و التأثير على مشاعر المتلقين و تكييف وجدانهم و من تم النفاذ إلى جيوبهم و حملهم على الاستهلاك من جهة أخرى.
هكذا تكتسب الموسيقى بإقحامها في عالم الإشهار مسؤولية جديدة، لا تجعلها تبقى فنا مستقلا بذاته، و إنما حلقة من حلقات العملية الإنتاجية و تجني من ورائها أرباحا طائلة. غير أنها تطرح في الوقت ذاته مجموعة من التحديات أمام المشتغلين بهذا الفن في السباق الإشهاري، وأهمها:
- مقاييس الموسيقى الإشهارية
- السمات المفروض توفرها في الموسيقى داخل الإشهار للتأثير في المتلقي
- مدى تكيف بعض الأنواع الموسيقية مع الإشهار
و سنحاول مقارنة هذه التساؤلات و تلمس بعض الأجوبة من خلال ما يرد في عناصر هذا المقارنة و خاصة المبحث الثاني منها.
I. فن الموسيقى: المفهوم و الأسس التاريخية
1. المفهوم: لاشك أن الموسيقى هي أجمل الفنون و أرقها و أقواها على خدمة البشرية، يتذوقها كل إنسان في كل بقعة من العالم .و مهما اختلف عرقه أو سنه أو دينه أو لغته، فإن الموسيقى تكون هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الكل ،فقط لأنها تخاطب الوجدان الداخلي للإنسان و تدغدغ روحه. و قد أسندت إليها تعريفات عديدة أجمعت كلها على أن هذا الفن عصي التحديد لأنه فن غير ملموس و غير محدد الأهداف، إلا أننا سندرج بعض التعريفات التي قاربت هذا الفن في شموليته ،و أهمها:
أ- التعريف الأول: الموسيقى هي فن مؤلف من الأصوات و السكوت حين تصدر بشكل منتظم تصدر نغمة تستسيغها الأذن. و يعتقد علماء تاريخ الحياة الموسيقية بأن كلمة موسيقى تعود في أصلها إلى الكلمة اليونانية موس Muse التي تعني الملهمة و يروى في كتب تاريخ الموسيقى أن “جوبيتر” Jupiter كبير آلهة الرومان كان يصحب معه في تجولاته تسع فتيات يلقبهن ب”موسيجيت” و كانت كل واحدة منهن تزاول فنا من الفنون الجميلة التي كانت معروفة آنذاك و هي الغناء، الرقص، الرسم، الدراما، الكوميديا، الخطابة ،التاريخ ، الفروسية و علم الفلك” ،ثم أضيف فيما بعد حرف “ق” إلى لفظة موسي لتصبح موسيق فتكون بهذا المعنى الموسيقى هي “الفنون” عموما “غير أنها أصبحت فيما بعد تطلق على لغة الألحان فقط .و قد عرفت لفظة الموسيقى بأنها فن الألحان و هي صناعة يبحث فيها عن تنظيم الأنغام و العلاقات فيما بينها و عن الإيقاعات و أوزانها”
ب- التعريف الثاني: الموسيقى ” هي صناعة تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة. يوقع على كل صوت منها توقيعا عند قطعة فيكون نغمة، ثم تؤلف تلك النغمة بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب”
ج- التعريف الثالث: يعرف الدكتور الفتوري عبد الناصر كعدان الموسيقى بأنها: “غذاء للروح و شفاء للنفس، ملهمة الفنان، مفككة الأحزان، محركة الشعور، مهدئة الأعصاب، مقوية العزيمة، مبعدة الهزيمة، علاج المرضى. يتذوقها الطفل الرضيع و الشاب المراهق، الرجل العاقل و الكهل المسن، كل على هواه. يطرب لسماعها كل إنسان، أيا تكن البيئة التي ينتمي إليها أو اللغة التي يتكلم بها و كأنها وجدت قبل وجوده و جبلت و عجنت بدمه فأخذت من حواسه و تفكيره”
يستكشف من هذه التعريفات جميعا أن الموسيقى فن سامي و رفيع لما له من تأثير على النفس الإنسانية و العواطف البشرية، إنها باختصار لغة الجمال و الإحساس.
2. الأسس التاريخية:
أ- البدايات الأولى للموسيقى: إن فن الموسيقى قديم قدم الإنسان، فقد عرفته جميع الشعوب منذ عصور التاريخ السحيقة و ما قبل التاريخ. و هو في بداياته حسبما تؤكده بعض الدراسات التاريخية لهذا الفن ،و لو على عدم دقتها ،يعود إلى واضعه الفيلسوف اليوناني فيثاغوراس أحد تلامذة النبي سليمان بن داوود عليه السلام بمصر الذي كان قد رأى في منامه مدة ثلاثة ليال متتالية أن مبشرا يحثه على الذهاب إلى ساحل أحد البحار ليحصل هناك علما جديدا و غريبا. و لثلاثة أيام على التوالي كان يذهب فلا يرى أحدا، فيئس و اعتبر ما رآه لا يعدو أن يكون رؤيا من رؤى أضغاث الأحلام، إلا أنه حين عودته سمع جمعا من الحدادين يضربون المطارق بشكل إلى حد ما متناسب، فا صاغ السمع لهذه الطرقات و أعجبه ذلك كثيرا، فتأمل فيها بكل حواسه . و بعد تفكير عميق ممزوج بفيض إلهامي خلص إلى أنها العلم الجديد، علم الأصوات. و بحدسه الفني صنع آلة و شد عليها أبرسيما و أخذ ينظم على نغماتها شعرا في التوحيد و التنسك و الإعراض عن أمور الدنيا. و نهج على نهجه أناس كثر و كل هذا عن طريق تلك الآلة، فكان يقول:
” إني أسمع نغمات شهية و ألحان بهية من الحركات الفلكية و تمكنت تلك النغمات في خيالي و ضميري.” بعد ذلك بدأ الحكماء الذين أتوا من بعده و الذين أعجبوا أيما إعجاب بهذه الآلة، يضيفون على ما وضعه فيثاغوراس من الزيادة إلى أن أتى الفيلسوف أرسطوطاليس الذي اخترع ” الأرغون ” و هو ” آلة لليونانيين تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس يضم بعضها إلى بعض، و يركب على رأس الزق الأوسط زق كبير آخر، ثم يركب على هذه الزقاق أنابيب لها ثقب على نسب معلومة تخرج منها أصوات طيبة مطربة. على حسب استعمال المستعمل.” و كان غرضهم من استخراج قواعد هذا الفن تأنيس الأرواح و النفوس الناطقة إلى عالم القدس، لا مجرد اللهو و الطرب.
ب- الموسيقى الأوربية: تعود جذور الموسيقى في أوربا إلى عام 500 ميلادية، حيث نشأت في حضن الكنائس كتراتيل ثم تطورت في مطلع القرنين الرابع عشر و الخامس عشر فيما يعرف بموسيقى النهضة التي عرفت بمرحلة الفن الحديث، فتطورت العلامات الموسيقية كثيرا و تعددت الألحان و بلغت الأنغام درجة كبيرة من التعقيد لم يسبق لها مثيل.
و في القرن السادس عشر ظهر موسيقي فرنسي هو غيوم دوفاي Guillaume Dufay و أسس مدرسة راقية كان لها الفضل الكبير في تطوير الموسيقى ذات الأنغام المتعددة، فكان من أبرز مؤلفي هذه المدرسة الموسيقار الكبير جوسكان دو برس Juskin De Presse و أورلاندو دي لاسو Orlando Di Lasso . و في إيطاليا أدى نزوح بعض مؤلفي المدرسة الموسيقية الفلامنكية إلى ظهور المدرسة الموسيقية بالبندقية و التي كان أدريان ويلارت Willaert Adrian مؤسسها و انضم إليها الموسيقار أندريا و جوفاني كابرييلي Gabrielli Giovanni et Andrea و كان لهذه المدرسة تأثير كبير على تطور الموسيقى .و منذ سنة 1750 إلى غاية 1800 م، عرفت البدايات الأولى للموسيقى الكلاسيكية و التي انتشرت بسرعة و اتسمت بظهور السمفونيات الموسيقية على يد كبار الفنانين الموسيقيين أمثال هنريك هايدن Hayden Henryk و وولف كنك موزارMozart Wolfgang قبل أن تظهر موجة جديدة في الموسيقى و هي الموسيقى الرومانسية و ذلك خلال القرن التاسع عشر الذي يعد لودفيج بتهوفن Ludvyk Beethoven أشهر روادها.
و قبل نهاية القرن 19م ظهرت المدرسة التأثيرية كرد فعل على المدرسة الرومانسية، حيث برزت اتجاهات في ميدان الموسيقى منافية للرومانسية عرفت بالمدرسة الموسيقية الجديدة، تلتها في القرن العشرين المدرسة الكلاسيكية الجديدة التي شغلت حيزا هاما من اهتمام الناس، فعاد الإقبال من جديد على موسيقى جوهان سيبستيان باخ Johann Sebastian Bach و الاهتمام البالغ بإحياء موسيقى العصور السابقة فكان أهم قادتها الموسيقار الشهير ايكور سترافنسكي Igor Stravinsky و بول هيندميت indemithH Paul . و حديثا ظهرت أنواع جديدة من الموسيقى كالجاز التي رافقت هجرة الأفارقة إلى أوربا و أمريكا، ثم الموسيقى الحديثة كالبوب و الروك أند رول و الكونتري و غيرها.
ج- الموسيقى العربية: يعود تطور الموسيقى العربية إلى مرحلة الشعر العربي القديم الذي ساد في مرحلة ما قبل الإسلام حيث كانت في البداية ” مجرد ترنيم يؤديه كل مغن حسب ما يمليه عليه ذوقه و انفعالاته.” أما الآلات الموسيقية التي واكبت هذه الموسيقى في هذه المرحلة فكانت تتوزع ما بين الآلات الإيقاعية كالطبل و الدق و الصنوج الذي يسمى أيضا بالقراقش و آلات النفخ كالناي و المزمار بجميع أنواعه و الآلات الوترية كالعود و المزهر الذي هو عود ذو وجه من جلد.
أما في العصر الإسلامي فقد تأثرت الموسيقى العربية بالموسيقى الفارسية التي كانت آنذاك رائدة و مثيلتها الموسيقى التركية و بعدها المصرية. يعد الفارابي ابرز مثال على التطور الذي عرفته الموسيقى العربية حيث ألف كتاب “الموسيقى الكبير” الذي تضمن الأسس و القواعد الموسيقية التي يسير عليها الموسيقيون العرب حتى يومنا هذا. و حين الحديث عن السمة المميزة للموسيقى العربية تحضر المقامات الموسيقية كأساس اللحن و النغم الموسيقي العربي و هي تتميز بالطبقات الصوتية و أدوات العزف دون أن تتضمن الإيقاع.
أما حين جاء الموسيقي الكبير زرياب الذي أضاف الوتر الخامس للعود، فقد غير الكثير في هذه الموسيقى و بصم الموسيقى و الغناء بلون موسيقي جديد هو “الموشحات” التي نشأت في البيئة الأندلسية و سار على نهجه موسيقيون آخرون و أبدعوا فيها بشذى الألحان و أعذب الأنغام و حلو الكلام مما أحدث طفرة نوعية للموسيقى العربية.
و منذ منتصف القرن العشرين بدأت الموسيقى العربية تنفتح على أشكال موسيقية جديدة أفرزها تأثر الموسيقيين الجدد أمثال محمد عبد الوهاب و رياض السنباطي و أبو خليل القباني و غيرهم بالموسيقى الغربية، فأدى إلى مزيج موسيقي بين ما هو شرقي و ما هو غربي.
د- الموسيقى المغربية: عرفت الموسيقى المغربية كمثيلتها الشرقية فترات ركود و لحظات تطور بحسب تغير الأوضاع التاريخية آنذاك. و التوغل في تاريخها مسلك وعر و ذلك بسبب ندرة المراجع و المصادر و شح المعطيات خاصة المتعلقة ببدايتها، إلى أن ما تجمع عليه الدراسات هو أنها تعد من أكثر الأنواع الموسيقية غنى و تنوعا بتنوع المعطيات الثقافية للمغرب و أهمية الحضارات التي تعاقبت عليه و اختلاف اللهجات السائدة به. و رغم ما قيل عن تنوعها، فقد تم تقسيمها إلى قسمين كبيرين:
1- القسم الأول: هو قسم الموسيقى التقليدية أو الفلكور المغربي:
تعريف الفلكلور:
* لغة: الفلكلور هو كلمة مركبة من كلمتين:” فلك” بمعنى ناس و “لور” ؛ أي الحكمة والمعرفة. وبهذا المعنى يكون الفلكلور هو معارف الناس أو حكمة الشعب.
* اصطلاحا: أسندت تعاريف عديدة إلى كلمة فلكلور جعلته يعرف تغييرات و تبديلات عديدة عبر تطور الأزمان وتغير المجتمعات و الشعوب ؛ لتصبح لهذه الكلمة دلالات أوسع و معاني أشمل فلم تعد تقتصر على الحكمة وحدها ؛ و إنما أصبحت تعني كل المعارف بما فيها المعتقدات الخرافية والعقائد والممارسات و العادات و الروايات و الأقوال المأثورة. و من أ هم هذه التعريفات:
• التعريف 1: يعرف المؤرخ البريطاني إدوارد بالمر طومسون الفلكلور قائلا: ” هو التراث؛ إنه شيء انتقل من شخص إلى آخر وحفظ إما عن طريق الذاكرة أو بالممارسة أكثر مما حفظ عن طريق السجل المدون ويشمل الموسيقى و الرقص و الأغاني والحكايات و قصص الخوارق والمأثورات والعقائد والخزعبلات . كما أنه يشمل كذلك دراسة العادات والممارسات الزراعية المأثورة والممارسات المنزلية و الأبنية وأدوات البيت والظواهر التقليدية للنظام الإجتماعي”
ولكن هذا التعريف لم يلق تقبلاً عاماً عند باقي المؤرخين للفلكلور أو الأنثروبولوجيين سواء داخل بريطانيا أو خارجها. فحددت للفلكلور تعريفات أخرى، أهمها:
• التعريف 2: الفلكلور” هو البقايا القديمة وثقافة ما قبل التمدن أو الموروثات الثقافية في بيئة المدينة الحديثة” .
• التعريف 3: الفولكلور هو ما انتقل معظمه شفاهيا.
• التعريف 4: ” الفولكلور هو الاصطلاح الجامع لطائفة من الظواهر الثقافية أو الإجتماعية المأثورة يؤلف بينها التراث “
• التعريف 5: ” الفولكلور هو الجانب المأثور من الثقافة الشعبية بما فيها الشعر والرقص و الموسيقى والغناء و العادات و التقاليد…”
يستكشف من هذه التعريفات جميعا على اختلافها أن الفلكلور بمفهومه العام هو زخم تراثي لا يكون نتاج زمن قصير أو عدد قليل من الناس ؛ وإنما يأتي نتيجة تراكم معرفي ونقل من جيل إلى جيل .
أنواع الفلكلور الموسيقي المغربي:
• الموسيقى الأندلسية: انتشر هذا النوع في حواضر المغرب التي استقر بها المهاجرون الأندلسيون و خاصة بمدينة الرباط و فاس و وجدة و تطوان. و كانت آنذاك موسيقى النخبة و الطبقة الميسورة، و هي تتنوع إلى مدارس:
- مدرسة الآلة الأندلسية أو الطرب الأندلسي.
- مدرسة الطرب الغرناطي.
- مدرسة المألوف: و هذه المدرسة لم يعرفها المغرب و اقتصر وجودها على تونس و شرق الجزائر.
و الموسيقى الأندلسية حظيت باهتمام كبير في المغرب، و لا زال تواجدها قائما إلى حد الآن كثراث فني أصيل يعتني به المغاربة كثيرا و ذلك لامتزاج الطابع الديني بالطابع الفني فيه و لهذا تعاطى لهذا اللون الموسيقي العلماء و رجال التصوف، و كان رواده يجمعون بين الحس الفني و الوقار الذي يستمدونه من وضعيتهم الدينية. و مما يميز فناني هذا اللون هو ارتباطهم الشديد بالتراث المغربي بالحفاظ على الزي التقليدي الذي يميز الرجل المغربي: الجلباب الأبيض و الطربوش الأحمر و البلغة الصفراء. أما من حيث موضوع الأغاني التي يرددونها فهي باقة من الموعظة و المزاح و الغزل الرقيق و المدح.
• الموسيقى الشعبية: تتميز بكونها ذات ألوان موسيقية متعددة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- فن الملحون: و هو طرب ينضح بالأصالة في كل شيء فزي موسيقييه تقليدي، حيث يظهرون في كل المناسبات بالجلباب الأبيض و الطربوش الأحمر و البلغة الصفراء و تراهم و آلاتهم الموسيقية التي تتشكل من ” الطعريجة” و آلة الكمان و العود و الوتار، يتوسطون المجمع في الاحتفالات البهيجة أو الأعراس فينشدون مواويلهم الأصيلة و الزجلية في إيقاع طربي يشنف أسماع الحاضرين و يتماهون معه بحركات من رؤوسهم. إن فن الملحون رافد انسيابي من روافد الذاكرة الفنية المغربية بحكم ارتباطه بتاريخ الحضارة المغربية و ارتباط مواضيع أشعاره و زجله بطقوس الحياة اليومية.
2- اعبيدات الرما: هو فن شعبي فرجوي ظهر على وجه التحديد بالمغرب في منطقة ورديغة و الشاوية و تادلة و الحوز منذ زمن بعيد. تعني كلمة “رما” الرماية بالبندقية و “اعبيدات” هم الفرسان أو الرماة. تنطلق المجموعة المؤدية لهذا اللون الموسيقي تحت إشراف مسير غالبا ما يكون أحد شعرائها و نظامها في إيقاع سريع نابع من آلات الطعريجة أو البندير مصحوب برقصات تناوبية لأفراد المجموعة.
3- الدقة المراكشية: الدقة تعني التصفيق و هو فن تقول عنه بعض الدراسات لتاريخ هذا الفن بالمغرب بأنه نشأ في أصله مع الدباغين. ذلك أن الحركات المستعملة و الإيقاع يذكران ببعض مراحل دباغة الجلود، حيث كان يجتمع هؤلاء و لنسيان تعب العمل يجتمعون كل يوم جمعة لتنظيم حفلة الدقة المراكشية التي يبدأ إيقاعها بطيئا بالتصفيق باليدين ثم يتصاعد بصورة أقوى ،كل ذلك في جو مرح و فرجوي يثير الحاضرين.
4- أحواش: ظهر هذا الفن في جنوب المغرب بمنطقة الأطلس الصغير و الكبير حيث تتوطن القبائل الأمازيغية. و هو عبارة عن رقصة جماعية متكونة من الذكور و الإناث العازبات سمتها التماثل في الحركات بين كل الراقصين و الراقصات و التصفيق تبعا لإيقاع البندير.
5- الطقطوقة الجبلية: هو فن التعبير عند سكان منطقة الشمال الغربي من المغرب. و هو قسم من أقسام العيطة المغربية إلى جانب المرساوي و الحصباوي و الروايس و الحوزي، و هو تراث شفاهي حافظت الذاكرة الشعبية على قسط منه، بينما ضاعت منه أجزاء أخري بفعل الإهمال و غياب التوثيق و موت رواده.
6- الكدرة: إنها رقصة في حقيقتها عبارة عن مسرحية مرتجلة يؤديها الشباب الصحراوي مصحوبة بإيقاع فريد يتم بالضرب بقضيبين خشبيين على القدر و يصاحبه تصفيق الشباب. إلى أن يشتد الإيقاع حينذاك تدخل وسط الحلقة فتاة في كامل زينتها متلثمة ثم تبدأ الرقص بعد ذلك يدخل الشاب البطل الذي يزيل اللثام عن وجهها و يتعرف إليها و يعلنها زوجة للمستقبل.
2. القسم الثاني: و هو قسم الموسيقى المغربية العصرية التي ظهرت في بداية الثلاثينات من القرن الماضي حين بدأت تتبلور في المغرب حركة موسيقية جديدة على شاكلة الأغنية المصرية، فأسندت لنفسها ملامح جديدة طابعها الحداثة و التميز عن الموسيقى التقليدية؛ لكن دون إقصاء هذه الأخيرة ،فتناغمت مع الأنغام الشرقية التي انطلقت على أمواج الإذاعة و أثرت فيها تأثيرا واضحا دون أن تقفز على الموروث الموسيقي الأصيل، فكانت من نتائج هذا التمازج روائع موسيقية أغنت الرصيد الموسيقى المغربي. وعرفت الموسيقى المغربية العصرية قمة ازدهارها في الفترة الممتدة من منتصف الخمسينيات إلى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، حيث بدأت في الانحدار و التراجع. و منذ التسعينيات إلى اليوم لا زالت الموسيقى المغربية العصرية تراوح مكانها و قد يطل علينا من حين إلى آخر بعض المبدعين إلا أن حضورهم يظل باهتا في سطوة الأغنية الشرقية المصرية و اللبنانية و مؤخرا الخليجية.
II. الموسيقى و الإشهار: أية علاقة؟
1- الموسيقى و الإشهار، علاقة تاريخية:
لقد كانت العلاقة بين الموسيقى و الإشهار منذ القديم علاقة جيدة و إن لم تكن بالشكل الذي هي عليه الآن، إذ كان المنادون و البائعون المتجولون الذين يضطلعون بدور الإشهار أو الإعلان سواء عن أخبار تهم الناس أو عن منتوجات فعلية ” يستعينون في ذلك بالنغمات الموسيقية كالنقر على الطبلة أوالقرع على أجراس صغيرة. و هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أهمية الموسيقى في شد انتباه الناس إلى المنادي أو البائع الذي كان يبيع سلعته” و قد استثمرت الموسيقى على نطاق واسع بعد التطور التكنولوجي الهائل الذي عرفته وسائل الإعلام و ظهور البث الإذاعي، حيث شكل هذا الحدث ميلادا حقيقيا للعلاقة بين الموسيقى و الإشهار و فيما بعد ستتوطد هذه العلاقة بظهور التلفاز و السينما ليصبح بذلك التلازم بينهما ضروريا.
2- أنواع الموسيقى الموجودة في الوصلات الإشهارية:
إن العلاقة بين الموسيقى و الإشهار كما سبق و أن أشرنا هي علاقة تلازمية، حيث يعمد هذا الأخير إلى استعمال مجموعة من الأنواع الموسيقية أهمها:
أ- الجينغل Jingle Le : و هو توقيع لماركة المنتج أو الشركة المعلنة، وهو يكون في الغالب إما:
• موسيقى مأخوذة من شريط أصلي لفيلم ما.
• موسيقى مؤداة من طرف فنانين مطربين حقيقيين فرادى أو جماعات. و هذه الموسيقى يكون لها تأثير مضاعف، فحضور رموز فنية يعطي للموسيقى و الكلمات على حد سواء بعدا و تأثيرا دلاليا مزدوجا.
و من الشروط الواجب توفرها في الجينغل :
– أن تكون مدته الزمنية قصيرة لكي يمارس تأثيره بسرعة.
– أن يكون نفاذا إلى أحاسيس المستمعين أو المشاهدين.
– أن يكون لحنه بسيطا (من أربع إلى ست نوتات) و أن يكون قابلا لأن يغنى.
– أن يكون له طابع و إيقاع خاص.
ب- موسيقى الأفلام: و هي تتميز بكونها:
• تشكل لوحدها عالما سمعيا.
• معقدة من حيث بنيتها و ذلك لأنها تتشكل في استقلال عن الإشهار.
• أقل مرونة و ذلك لأنه يجب الحفاظ على نفس التوزيع الموسيقي.
• تصبح معروفة بعد ثواني فقط من بثها و لا يحتاج إلى تقديم كل المقطوعة الموسيقية.
• يمكن أن تؤخذ من ريبيرتوار موسيقي معروف لدى الجمهور، ولذلك يجب الاستفادة من الحكم الإيجابي لهذا الجمهور عليها.
ج- موسيقى أغنية مؤداة من طرف فنانين حقيقيين: و يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية:
• اختيار الكلمات الكفيلة بتسهيل تذكر الرسالة الإشهارية.
• النص المغنى له تأثير مزدوج، فالنص يساعد على تذكر الموسيقى و الموسيقى بدورها تفرض النص أو الخطاب الإشهاري صوتيا و تجنب الخلط الذي قد يحصل بين ماركات متعددة من المنتوجات.
• الموسيقى تغني عن اسم العلامة أحيانا.
• أن يكون خطاب الوصلة مقفى.
و لهذا السبب نجد إقبال المعلنين على الترويج لسلعهم و خدماتهم باللجوء إلى الفنانين المغنيين الذين يستفيدون هم بدورهم من عقود هذه الصفقات خاصة مع تزايد مشكل القرصنة الذي يؤثر على مبيعاتهم.
د- الموزاك Musac aL: هي نوع موسيقي ذو نغمات و لحن مهدىء للأعصاب، غالبا ما نجده يذاع داخل الأسواق و المركبات التجارية الكبرى لإشعار الزبناء بالارتياح و التناغم مع الموسيقى و تحقيق المتعة السمعية لديهم و بالتالي الإقبال على الشراء أكثر. و قد أثبتت بعض الدراسات العلمية عن تأثير الموسيقى على التسويق، فأكدت أن الموسيقى تحفز المستهلكين على الشراء بنسبة 38%.
و من أهم شروط موسيقى الموزاك أن تكون:
• ذات وتيرة سريعة.
• أن يكون إيقاعها مغريا بالاستماع.
• ألا تكون صاخبة جدا و لا هادئة جدا.
3- دور الموسيقى في الوصلات الإشهارية:
أكدت الدراسات العميقة لدور الموسيقى في الإشهار و التي أجراها مجموعة من علماء النفس و الاجتماع على أن دورها يتحدد أساسا في العناصر التالية:
1- الموسيقى لها تأثير كبير على نفسية المستهلك و أيضا على سلوكه، فإعجابه بالموسيقى المصاحبة للإشهار غالبا ما يقوده نحو شراء المنتوج المعلن عنه.
2- الموسيقى محدد لهوية المنتوج و لهوية المؤسسة المعلنة التي ترسخ في ذهنية المستهلك و تحفزه على الشراء.
3- الموسيقى تخلق عوالم متخيلة و تدعو المستهلك إلى التماهي فيها و لو في استقلال عن الوصلة الإشهارية.
4- الموسيقى لغة صوتية ذات سيرورة تواصلية منفتحة على الكل و لا تقيم اعتبارا لعامل الثقافة أو التمدرس، و كل واحد حر في إحساسه بهذه الموسيقى.
5- للموسيقى دور تذكيري، أي أن المتلقي/المستهلك حين يشاهد أو يستمع إلى وصلة إشهارية، فإنه في الغالب ينسى الخطاب الإشهاري للوصلة، لكنه يتذكر بعضا أو كل النغمات الموسيقية التي صاحبته. و الطفل هدف حساس لموسيقى الإشهار و له قدرة خارقة على تذكر اللازمة الإشهارية المغناة و أيضا الموسيقى المصاحبة للإشهار بشكل نتفاجأ له كثيرا حين يردد رسالة إشهارية ما.
6- الموسيقى في الوصلات الإشهارية هي تجارية بالدرجة الأولى و هدفها هو تقديم المنتوج في صبغة جديدة، فالمتلقي يرى في اليوم الواحد أكثر من مائة رسالة إشهارية، لكن ما يثيره بالتأكيد قد لا يتجاوز العشرة رسائل.
7- الموسيقى تضيف معلومات ما بعد نصية و ما بعد بصرية، تماما مثلما تضيف صورة غلاف الأقراص المدمجة معلومة عن الألبوم ككل.
تحليل موسيقي وصلات إشهارية لمنتوج زيت عافية
تندرج الوصلات الإشهارية الثلاث لزيت عافية في إطار الإشهار الإستهلاكي وهو موجه للمجتمع المغربي بجميع شرائحه و على اختلاف ثقافاته و تنوع لهجاته، و لذلك نجد المستشهر وهو شركة سافولا ايدبل اويلز Savola Edible Oils السعودية قد استغل تنوع هذا الإرث الثقافي ليستهدف به جميع المناطق المغربية، فوظف على الخصوص الأنواع الموسيقية التي تتميز بها هذه المناطق ليطبع منتوج عافية بطابع الشيوع و العمومية.
وصلات زيت عافية الثلاث هي رسائل إشهارية مغناة ، قدمت في أجواء احتفالية هي مزيج من الأهازيج و الرقصات التي تنتمي إلى مناطق مختلفة، أهمها:
1- منطقة الشاوية: حيث استدعي المشهر لتقديم زيت عافية الأغنية الشعبية بأنغامها التقليدية البسيطة ذات الإيقاع السريع الذي يحفز على التمايل و الرقص الفردي أو الجماعي و المؤدى عن طريق آلات نقر خاصة: البندير و الطعريجة و الكمان أو بالتصفيق مما ينتج عنها تعدد في الإيقاع. كما أنه استغل كل العناصر المكلفة للمشهد الاحتفالي المغربي و ذلك حتى يحقق هدفه في تأصيل المنتوج داخل الثقافة الشعبية المغربية فاختار “قاعة الحفلات” باعتبارها فضاء للاحتفالية والأهازيج و المناسبات السعيدة و اختار للدمى المتحركة التي تقدم الوصلة والتي هي الدجاج و الخضراوات المتنوعة من خيار و طماطم و بطاطس و جزر صورة شبه حقيقية عن الإنسان الشاوي و ألبسها ملابس تقليدية عبارة عن قفطان و جلباب و هي الزي التقليدي النموذجي للمغرب.
2- منطقة مراكش الحوز: اختار المشهر في وصلته أن تتواجد الاحتفالية على إيقاعات الدقة المراكشية التي كما سبق و أن أشرنا تتميز بتعدد نغمات القرع على الطعاريج و القراقش و الأهازيج الجماعية بفضاء “الوثاق” الذي هو عبارة عن خيمة كبيرة تنصب في مكان واسع وسط القبيلة حيث يتم استقبال الضيوف فيها كما أن ما يميز الدمى المتحركة هو لكنتها المراكشية و نوعية اللباس الخاص بهذه المنطقة: الكندورة القصيرة و الطاقية المائلة و البلغة و “الشكارة” وكذلك أسلوب رقصتها.
3- منطقة سوس ماسة درعة: وسط الطبيعة الخلابة و بين الجبال و الشلالات اختار المستشهر تقديم وصلته على إيقاع بربري مقرون باللغة الأمازيغية و هذا يعد تحديا كبيرا من طرف المستشهر،لأن معظم المغاربة لا يفهمون هذه اللغة. و تتميز هذه الموسيقى بالإيقاع المعتدل الناجم عن آلة البندير و على نغماتها اصطفت الدمى المتحركة بزيها الأمازيغي في صفوف متقابلة فوق زربية بربرية لتؤدي رقصة أحواش أو أحيدوس التي تعود في أصلها إلى منطقة الأطلس المتوسط.
و الشيء الجديد الذي قدمه المستشهر في هذه الوصلات الفنية الثلاث هو أن قيادة الفرق الغنائية أوكلت إلى الذرة فهي مطربة الأغاني الثلاث و هي التي تختتم الرسائل الإشهارية و ما حضورها بهذه الصيغة إلا لأنها المنبع النباتي و الطبيعي لزيت عافية و كأن المستشهر بهذا يريد أن يقول لنا أن كل الأطباق المغربية من دجاج و لحم و خضروات لا يمكن أن تحقق نجاحها في المذاق الأصيل و اللذة المتكاملة إلا مع زيت عافية ،فهي الأساس و هي المسير لكل عناصر الطبخ و هي التي تأخذ بزمام الأمور إلى نهاية الوصلة التي تختتم غالبا بلهجة المنطقة و هي الرسالة اللسانية المرافقة للمنتوج و التي تكتب باللونين الأحمر الذي يحيل على الحب الجارف و الساخن والأخضر الذي يحيل على الطبيعية و الأصالة و كلاهما مكونان أساسيان في العلم الوطني و يحيلان على كون المنتوج مغربي الهوية يوحد حبه بين جميع مناطق المغرب حتى و لو كانت هناك اختلافات في بعض جزئياتها الثقافية و التراثية.
خاتمة
يسخر الإشهار الذي هو صناعة إعلامية و ثقافية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى و سواء كان أيقونيا أو مكتوبا، كل الوسائل بهدف النفاذ إلى المتلقي للتأثير في وعيه و لا وعيه و من تم اكتساح جيبه و جعله عميلا وفيا.
ذة. الزوهرة الجهاد / المغرب
Zohra Eljihad / Maroc
المراجع المعتمدة بالعربية
1- د.فتحي الصنفاوي، المأثورات الشعبية الغنائية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط.1(2000 ).
2- د. عبد الناصر كعدان في إحدى محاضراته التي ألقاها بجامعة حلب،سوريا. عن موقع www.google.com
3- القنوجي، صديق بن حسن،أمجد العلوم، وزارة الثقافة، دمشق ج 2، (1988).
4- روبير صفدي، تاريخ الموسيقى العربية، دار الفكر العربي للطباعة و النشر(2004 )
5- عبدالرحمن بن خلدون ، مقدمة ابن خلدون، دار إحياء التراث العربي (دون تاريخ)
6- موقع www.wikipedia.com
المراجع المعتمدة باللغات الأجنبية
1- Karine Gallopel, Musique et publicité ,Edition E-Thèque (2002)
2-Julien, Jean Rémy, Musique Et Publicité – Du Cri De Paris Aux Messages Publicitaires Radiophoniques Et Télévisés, Ed. Flammarion (1989)
3- Edward Palmer Thompson, Customs in Common : Studies in Traditional Popular Culture, Londres, Merlin Press, 1991
4-Luis Bassat et Giancarlo Livraghi, Il nuovo libro della pubblicità : I segreti del mestiere,Ed. ll Sole 24 Ore (2005)