قراءة في لوحة للفنان العراقي “علي عبد الكريم”…. / بقلم: ذة. باسمة العوام / سوريا



هذه اللوحة تركها “علي عبد الكريم” بلا عنوان، لكنها تروي ألف عنوان. لوحة يبكي فيها الزمان، للغد يسابقها ويقاسمها الوجع والأحزان.
هنا… يقبع الوطن المجروح، يحترق قمح الحقول في صيف دمار، يصفُرُ صقيع الذكريات تحت وطأة الأقدام؛ وعلى صرير وقع الألوان، يفرّ النبض خارج اللوحة، تائها لا يعرف كيف يخرق الطرقات، وكيف يحطّ على ضفاف القلوب.
هنا.. جديلة طفلةٍ ضاقت بها الدنيا وأحرقها الخذلان. جديلةٌ تاهت عن كفٍّ ترتمي به؛ تحدّث إحساس البشر، وتسأل كيف تعبر والمدى مقتل. طفلة، على جمر النار، تقف؛ ظهرها مملوء بطعنات البشر المتعامين عنها والمتخاذلين عن نصرتها. تنتظر حارس الأحلام علّه يأتي من قلب العروبة باحثاً عن جديلتها، عن سنابل القمح المختبئة في جسدها؛ فيرفع قوس النصر لأجلها؛ والذي زينه “علي عبد الكريم” بالبالونات ليؤكد أنه حلم الطفولة وفرحها؛ ورغم حلكة السماء ودخان الحرب والدمار والموت، يبقى الطوفان هادراً بتلك البالونات وبذاك الأمل بتحقيق الحلم.
-في كل ركن من أركان هذه اللوحة حكاية وعنوان؛ يحاول رسّامها “علي عبد الكريم” أن يجعلنا نبصرها ونقرأها ونتمعن بدلالاتها، لا أن يعيد إنتاجها ونقلها من الواقع، فقط، كيف شهده وعايشه؛ على حدّ قول الفنان السويسري “بول كلي”:
“الفن لا يعيد إنتاج ما يراه، بل يجعلنا نرى “.
-إذا… هي دائرة النار التي يدور بها هذا الوطن. حكاية الدهر والنكبة والطوفان. حرائق ودمار، غرق، مشردون تائهون لا يعرفون المصير، أجساد هرمت جوعاً وقهراً والأرواح فتيّة، وجوه يقتلها الظل، وأحداث تداوي الجراح بالألم.
-وبكل مهارة وإبداع، استطاع “علي عبد الكريم” استخدام لغته البصرية التي تحمل إشارات طبيعية، تخفي خلفها رسائل ودلالات تؤسس لمعنى لوحته، وتساعدنا في تحليلها وقراءتها وكشف حبكتها التي تنطوي عليها؛ وكذلك هرمنة المشهد فيها والمزاوجة بين فكرتها وخطوطها وألوانها، ومن تداخل بعديها التشكيلي والتعبيري، أن يقدم ما يريد إيصاله لنا.

ذة. باسمة العوام / سوريا



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *