الدادائية “Dadaism” وتأثيرها على الأدب المعاصر / بقلم: ذ. عبد الكريم حمزة عباس / العراق


الدادائية هي حركة انطلقت من (زيوريخ) كنوع من معاداة الحرب أثناء الحرب العالمية الأولى بعيدا عن السياسة من خلال الفن السائد، وبرزت ما بين عامي (1916-1921) م، وأثرت على كل ما له علاقة بالفن والأدب، حيث تأسست هناك على يد (تريستان تسارا وهانز آرب)، وأثرت الدادائية في المجتمع بصورة عامة وتمردت على كل ما يرتبط بالمجتمع وعالم الفن والأدب في عصرها، وكانت مناهضة للمنطق ومعادية للجمالية والمثالية، حيث ولدت الدادائية من رحم الفوضى.
في الأدب كان تركيز الدادائية يميل إلى الشعر، حيث سعى الدادائيون إلى أشكال جديدة في التعبير الشعري، ومثال على ذلك إبتكر أحدهم (على طريقة تسارا) طريقة جديدة في كتابة القصيدة الشعرية حيث قام بقص بعض الكلمات من مقال في إحدى الصحف ووضعها في كيس، ثم قام بإخراج الكلمات عشوائيا واحدة تلو الأخرى ورتبها في تسلسل وقال هذه قصيدة جديدة بطريقة مبتكرة!!!
يؤكد تسارا على أن الدادائية ليست مجرد أسلوب معين أو حركة فنية ولكنها طريقة للتعامل مع الإبداع (حسب رأيه) والتعبير عن الذات، وتتضمن هذه العملية الابتعاد عن المعايير اللغوية والفنية الراسخة، وتبني منهج أكثر تجريبية وبديهية، وهذا من خلال رفض التقاليد الأدبية والفنية الراسخة في استكشاف أشكال جديدة من التعبير.
لم تكن الدادائية مجرد حركة فنية بل كانت قوة مضطربة اجتاحت عالم الفن، وكان وصولها مفاجئا وغير متوقع، وترك وراءه عالما متجددا مليئا بالأشكال والأفكار والاتجاهات الجديدة، وأشخاصا اكتشفوا بجرأة حدودا جديدا للإبداع.
وبالرغم من كل ذلك فان الدادائية قد افتقرت إلى مجموعة متماسكة وموحدة السمات الفنية والأدبية، فقد كانت مدفوعة بأخلاقيات فنية جديدة أتت بوسائل غير مسبوقة للتعبير والتي تنوعت على نطاق واسع بناء على تصرفات الدادائي الفردي وخلفيته وبراعته الفنية، ولم تكن هذه الأخلاق إيجابية أو سلبية مطلقة، بل كانت تتأرجح ما بين هذين القطبين.
وفي الأدب ركزت الدادائية على الشعر وخاصة ما يسمى الشعر الصوتي الذي اخترعه هوغو بول (مؤلفا وشاعرا المانيا 1886- 1927)، حيث هاجمت القصائد الدادائية آنذاك المفاهيم التقليدية للشعر، بما في ذلك البنية والنظام، فضلا عن التفاعل ما بين الصوت ومعنى اللغة، ويعتقد الدادائيون أن النظام الحالي (في وقته) الذي يتم من خلاله التعبير عن المعلومات يسلب اللغة قوامها.
لقد كانت الصنعة هي عنصر أساسي في الحركة الدادائية، فهي تعتمد على فكرة عدم وجود معتقدات مطلقة ولا حقائق أو قواعد ثابتة، ويتمثل خطها الرئيسي في الخروج عن التيار السائد وتحريف الواقع.
وكان للدادائية تأثيرات بعيدة المدى على أدب القرن العشرين، أن انتقادات الدادائية العدمية والمعادية للعقلانية وهجومها غير المقيد على جميع التقاليد، قد أثر فيما بعد على ظهور حركات جديدة مثل السريالية والميتافيزيقية، لقد بنيت السريالية من خلال هذا الأساس غير المنطقي من خلال دمج الأحلام والأفكار العابرة والكتابة التلقائية وهي كتابة كل ما يخطر في ذهن الكاتب أثناء الكتابة سواء كان مرتبطا بفكرة سابقة أو لاحقة أو لا.
ومن ناحية أخرى بدأت السريالية كتوضيح لمبدأ (اعرف نفسك)، لقد كانت محاولة لاستكشاف أعماق العقل الواعي باستخدام أدوات جديدة مثل علم النفس والتحليل النفسي والتنويم المغناطيسي.
وعلى الرغم من أن خصائص الحركة الدادائية قد تم استحداثها منذ ذلك الحين بطرق أكثر دقة، إلا أنها استمرت في التأثير على الأدب المعاصر.

ذ. عبد الكريم حمزة عباس / العراق



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *