الموضة و الإشهار / بقلم: ذة. الزوهرة الجهاد / المغرب


المحاور الأساسية


تقديم
1- تعريف الموضة
2- تاريخ الموضة
3- الموضة و الإشهار
خاتمة


تقديم:
يشكل الإشهار دعامة أساسية للشركات و كل المؤسسات الإستثمارية في التسويق لمنتجاتها و جني الأرباح. و نظرا لأهميته القصوى هذه صارت له شركات متخصصة تبدع في إنتاج الوصلات الإشهارية كالملصق أو اللوحات الإشهارية أو الوصلات المسموعة و البصرية و المكتوبة و غيرها.
لكن الملفت للانتباه في هذه الوصلات و الإعلانات هو توظيفها للمرأة و خاصة جسدها كأداة دعائية يتم استغلالها بشكل بشع؛ غيب عنها إنسانيتها و حولها إلى موضوع للجذب الاستهلاكي و المتعة البصرية الفجة. كما أصبح مصممو الإشهار يتهافتون على التفنن في جسد المرأة و عرضه في آخر صيحات الموضة، بل أصبح عريها نفسه موضة و مادة للإثارة الرخيصة و يتم إقحامه في كل شاذة و فادة. و المؤسف في الأمر أن المرأة نفسها غير واعية بوضعها، بل إنها تفاقم هذا الوضع بالإسهام في إذلال نفسها من خلال شغفها بعالم الموضة و الأزياء و الجري وراء الجمال الوهمي و بريقه الزائف، فأصبحت كدمية تتزوق و تتجمل و تعرض كجسد مباح يتفرج عليه الجميع و يحقق لهم النشوة البصرية.


1- تعريف الموضة:

أ‌- الموضة لغة: تعود كلمة موضة في أصلها اللغوي إلى الكلمة اللاتينية فاتشو Facio والتي تعني صنع أي شيء. و جاء في قاموس بوتي روبير Petit Robert الفرنسي أن: “الموضة هي طريقة مؤقتة و جماعية في العمل و التفكير.” (1)
أما في قاموس وبستر Webster الإنجليزي فموضة المقابلة لكلمة فاشن الإنجليزية تعني:”الاستعمال الدارج المقبول لأي شيء في وقت معين.” (2)

ب‌- الموضة اصطلاحا: تتعدد التعاريف التي أسندت إلى كلمة موضة، فهناك من يقول عنها أنها أسلوب في التأقلم مع العصر، فلكل زمان موضته و ثيابه. و هناك من لا يربطها باللباس و المظهر فقط و إنما يعتبرها “أسلوبا حياتيا و طريقة في العيش و تنسحب على التصرفات و أسلوب الحديث و كذلك انتقاء الأصدقاء و أماكن التسوق و التنزه.” (3)
أما العالم الألماني سابير Sapir فيعتبر الموضة هي “صورة من صور التخلي العابر عن التقليد الاجتماعي.” (4)
هكذا يتخطى مفهوم الموضة مجرد الحاجة إلى الاكتساء ليصل إلى حد “الظاهرة” التي تحيل على التغيير في أمور كثيرة، في الملابس و التجميل و الهندسة المعمارية و السيارات واللغة والموسيقى و الأدب، بل حتى الأمور الأكثر جدية التي تغير بصعوبة من قبيل الدين و الفلسفة و الفن.

2- تاريخ الموضة:

يعود تاريخ الأزياء و الاهتمام بالمظهر والجمال إلى عصر الفراعنة الذين كانوا يولون عناية فائقة لمظهرهم و كانوا يتأنقون رجالا و نساء و يختارون أحسن الحلي الذي يتناسب مع لباسهم. و استمر هذا إلى عهد الفينيقيين الذين كانوا يهتمون كثيرا بالأقمشة و بارتداء أحلاها، و خاصة رجال البلاط الملكي و المعبد و حاشية الملك. و يذكر المؤرخون أن الملوك كانوا يستجلبون الفنانين في ميدان الحلي و الألبسة و يشجعونهم على الإبداع فيها و يغدقون عليهم الأموال الطائلة. ولهذا السبب ازدهرت في عصرهم صناعة الأقمشة.


و في ما بعد على عهد الرومان، ازداد الاهتمام بالأزياء و الحلي و بوضع الملوك التيجان على رؤوسهم. و كانوا يغيرون شكل لباسهم حسب المواسم و الفصول و المناسبات. و كانت تزركش بالأحجار الكريمة و القطع المعدنية و بعض المجوهرات. و هذا كله يؤكد على أن الأزياء و الملابس لم تكن مجرد قطع أقمشة و إنما كانت لها دلالة غنية على المكانة الاجتماعية و النفوذ و الأبهة.


لكن الظهور الحقيقي للموضة كتقليعة للمظهر الخارجي؛ ظهرت حسب المؤرخين للأزياء مع لويس الرابع عشر الذي “اهتم بجميع أنواع الفنون و منها الملابس أو المظهر الخارجي الذي كان يقول عنه: إنه مرآة للتاريخ.” (5) و قد عرف عنه أنه كان شديد الأناقة و كان يرتدي البدلة الرسمية و الشعر المستعار الأبيض و الحذاء الأحمر ذو الكعب و كأنه بذلك يريد أن يعطي قوة لمركزه و عظمته.


في أوائل القرن العشرين بدأت الموضة تنزل من برجها العاجي حيث كانت حبيسة طبقة النخبة و أسياد المجتمع لتعانق عموم الناس. و كان مصمم الأزياء الفرنسي كوكو شانيل Coco Channel هو أول من بدأ في تصميم الأزياء. و بدأت النساء من عامة الناس تقلدن تصاميمه، فكانت بذلك أول انطلاقة لظاهرة “الموضة”. و يشير المؤرخون إلى أن المصممين البريطانيين بول كارتيي Paul Quartier و فيدريك هورس Federic Horse هما أول المصممين الذين أطلقوا صيحات الموضة. إلا أنهما أطلقاها للفئات الراقية و للمجتمع البورجوازي. و منذ ذلك الوقت إلى حد الآن ترسخت الموضة في كل المجتمعات و أصبحت ضرورة لا محيد عنها. و قد لعب الإشهار دورا كبيرا في الترويج لها عن طريق النجمات السينمائيات و الفنانات اللائي أصبحن تتخذن قدوة في مجال الموضة من قبيل نساء العالم و باتت مظاهر تقليدهن ليس فقط في اللباس و إنما في التصرفات و في المأكل و تقليعات الجمال تسيطر عليهن إلى حد الهوس.

3- الموضة و الإشهار:

الموضة، الأزياء، الأناقة، يبدو أنها باتت في السنوات الأخيرة في صلب الإهتمامات الإعلانية و جزءا مؤثرا في الحياة الاجتماعية و سلوكيات المظاهر والتبهرج. و قد فاقم من حدتها الإشهار الذي أصبح يستثمرها على حد واسع في الترويج لسلعه و خدماته، و في نفس الوقت للترويج لطريقة عيش خاصة و لأسلوب حياة معينة؛ أي أن صناعة الأزياء لم تعد فقط “نيو لوك” New Look، و إنما أصبحت ثقافة سهلة التسويق خاصة في صفوف الشباب الذين غالبا ما يجنحون نحو الحداثة و المعاصرة. و يجند الإشهار لهذه المهمة المرأة التي أصبحت أنوثتها سلعة يتم الترويج لها دون استحضار البعد الإنساني الذي ينظر إليها على أنها إنسان له كرامة و قيمة وجودية. و دون معيار أخلاقي يتم استغلالها في تقديم وصلات إشهارية تكون أحيانا مخلة بالأخلاق و الثقافة العربية و الإسلامية، و جعل ثقافة العري و الإثارة بديلا لها لما تغدقه على أصحابها من الربح الوفير.


و الموضة تنتشر بشكل مفلت للنظر في القنوات المغربية و العربية و الدولية، حيث تخصص لها برامج خاصة عن مستجدات الأزياء و الجديد في الموضة، و نموذجها مهرجان القفطان الذي يقدم كل سنة الجديد في تفصيلات القفطان المغربي، هذا الزي الذي امتدت إليه أيادي كثيرة ما بين مضيفة له من الجمال و الإبداع و ما بين من انتقصت من جماله و اغتالت أصالته. كما أن هناك قنوات عربية و دولية تبث كل أسبوع الجديد و آخر إنتاجات دور الأزياء و الموضة و الأكسسوارات باعتبارها آلية مستحدثة لحياة جديدة تعبق جمالا و أنوثة بالنسبة للمرأة و تفوح منها رائحة الترف و التعصرن بالنسبة للرجل.و الطفل أيضا لم يسلم بدوره من تعطش الإشهار إلى استخدام كل شيء من أجل شيء واحد هو الربح، فاغتصب براءته و طفولته. يقول الفيلسوف و عالم الاجتماع الفرنسي جان بودريارد Jean Baudrillard عن الآليات الجديدة للمجتمع المعاصر: “إذا أردنا أن نفهم آليات المجتمع المعاصر الذي يتحكم فيه الإشهار و الإعلام و الموضة و استطلاع الآراء علينا أن نرفع عن كل تلك الفعاليات الطابع الواقعي و أن ننظر إلى وظائفها كدلائل، أي أن ننظر إلى ما توحي به عروض الأزياء و الموضة و ما تصنعه من عوالم جديدة في كنهها و رؤاها و أهدافها. عوالم تسلخ جلد الإنسان كل الإنسان و تبيع روحه إلى شيطان المال و الربح.” (6) باختصار كما يقول هيدغر يتحول الإنسان عبر الموضة إلى “كائن قابل للاستبدال” و أصبح وجوده رهينا بما يرتدي و بما يأكل و يشرب و بما يستخدم من أدوات منزلية على شاكلة نجوم الإشهار و نجوم السينما خاصة وأن النماذج التي تنضح بها الإشهارات في مختلف وسائل الإعلام و الدعاية هي الموديل و المثل الذي ينبغي الاحتداء به كي نكون وسماء مثل أبطالها حتى و إن لم يتحقق لنا ذلك على مستوى الواقع فأقله على مستوى الحلم و منية النفس.


على هذا النحو تكون الموضة أداة لتنميط الإنسان، فمن لم يلحق بركبها تصوره على أنه نموذج بال و بئيس و لا ينتمي إلى عصرها. و عليه أن يرفع عنه هذا البؤس و هذا التقادم و أن ينخرط في دواليبها، فتنتزع منه روحه و شعوره وتمارس عليه أبشع صور الاستغلال المادي. و لذلك نجد كل الشركات التي تستثمر في مجال الموضة و الأزياء و ما يرتبط بها من ماكياج و أكسسوارات كالحلي و الساعات اليدوية، لا تمانع أن تبث أخبار الموضة و مستجدات الأزياء بعد أخبار الكوارث الطبيعية و أخبار الحروب و الدم و الموت، و كأنها شيء لا محيد عنه، ليس أبدا من الكماليات و إنما هي شيء وجودي لابد للكل أن يكون تحت سطوته.

أما المرأة فهي في مفارقة غريبة مع الموضة، حيث تبدو بوجهين:

1- المرأة كائن “دعائي” للإغراء و أداة الإشهار السحرية التي يوظفها لتحريض البسطاء على معانقة الصور الجميلة و الحالمة لأبطال الإشهار. و لهذه الغاية يتم توظيف نجمات السينما و المطربات بأناقتهن و أزيائهن الفاخرة، ليصبح الافتتان بالنمط الذي يقدمه الإشهار دربا من دروب الخضوع العقيم لأشكال بشرية اصطناعية و تجعل المشاهد يتيه في عوالمها، متناسيا همومه اليومية و واقعه الحقيقي.


2- المرأة جسد مباح: تستغل المرأة في الإشهار كأداة تستنزف جسدها لتصريف منتوج ما. إذ نجد هذا المخلوق الجميل يعرض مفاتنه بمناسبة أو بدونها للإعلان عن جهاز تلفاز أو ثلاجة أو سيارة أو زيت أو شامبوان أو منظف و غالبا ما تنحني على منتوج و هي ترتدي لباس آخر صرخة في صرعات الموضة والذي غالبا ما يكشف عن صدرها أو ساقيها و تتجمل بأحلى الإكسسوارات و كأنها مدعوة إلى حفل فاخر. كل هذا فقط لعرض مثلا مسحوق غسيل أو منظف لأواني الذي يفرض سياقهما على المرأة أن تتواجد بلباس بسيط و عملي يليق بمن يريد القيام بخدمة التنظيف أو الطبخ أو غيرها. المرأة هنا تبدو سلعة مستنزفة لعرض سلعة أخرى.


خاتمة:
يسعى الإشهار بشكل عام إلى تنميط عقل المستهلك و ذلك من خلال تقديم نماذج مصطنعة كمثال يجب أن يحتدى به، فيكون هذا المستهلك مشلول القوى، تغيب عن ذهنيته آلية النقد و الانتقاء، بمعنى آخر الإشهار يفرض قيمه و يقلب كل النظم لصالحه، فيفرض جماله و ألوانه و أزياءه و موضته و نمط عيشه حسب ما تمليه عليه قريحة مبدعيه و بائعي الأوهام. إنه ينمذج الفرد حسب أهوائه و يجعل الناس يرون ما يحبون رؤيته أو ما لا يحبون رؤيته. يحقق لديهم رغبات و حاجات غير حقيقية تجعل منهم أفرادا مستهلكين مستلبين في مجتمع مستهلك منزوع القيم الإنسانية و مشبع بثقافة الاستهلاك من أجل الرغبة لا بدافع الحاجة. و في علاقته بالأزياء و التقليعات يرمي إلى تكوين ذاكرة قصيرة مبرمجة على صيحات الموضة و ثقافة الاستعمال القصير و الصلاحية المحدودة. و هذه قيم رأسمالية محضة هدفها الأسمى هو الربح الكبير و توسيع مجال أنشطة الشركات المعلنة و بناء مجتمع الاستهلاك.
الموضة فن يؤنق الإنسان و يجمله. و هي مظهر حضاري يؤسس لثقافة الشعوب في كل المجتمعات، لكن حضورها في الإشهار جعلها تحيد عن هذه الوظيفة و تبتعد عن كل ما هو إبداعي و فني، لتخلق بذلك مسافة بينها و بين الإنسان أو كما يقول المخرج الأمريكي جورج لوكاس George Lucas :”بين الفن و الإشهار مسافة حياة أو موت، يولد الإنسان في الفن، لكنه يموت في الإشهار.”

ذة. الزوهرة الجهاد / المغرب

Zohra Eljihad / Maroc


(1) Alain Rey, le Robert, Dictionaire de expressions et locutions, Ed le Robert (2006), P. 622.

(2) A. Merriam, Webster, “Fashion” Dictionary, Ed. (1949), P. 300.

(3) Rosmini Antonio, Seggio sulla mode e galateo dei lettereti, Ed. Guerim e associati (1997), P. 22.

(4) Edward Sapir, Fashin. Ed. (1931), P. 189.

(5) Emma Boxter Wright, Vintage fashion, Ed. Amazon (1990), P. 121.

(6) Jean Baudrillard, le complot de l’art, Ed. Sens et Tonka (2005), P.13.


المراجع المعتمدة بالعربية

1- د. حاتم الكعبي ، التغيير الإجتماعي و حركات الموضة، دار الحداثة للطباعة و النشر و التوزيع، بيروت (1982).
2- أحمد محمود الحسن، الأزياء الشعبية النسائية ، إصدار الإتحاد العام النسائي، سورية (2008).


المراجع المعتمدة باللغات الأجنبية

1- Colin Mc Dowell, La mode aujourd’hui, Edition Phaidon (2005).
2- Anderson Black J, Garlnd Madge, Storia Della Moda, Editore: De Agostini Scuola(2001).
3- Alain Rey, le Robert, Dictionaire de expressions et locutions, Ed le Robert (2006).
4- A. Merriam, Webster, “Fashion” Dictionary, Ed. (1949).
5- Rosmini Antonio, Seggio sulla mode e galateo dei lettereti, Ed. Guerim e associati (1997).
6- Edward Sapir, Fashin. Ed. (1931).
7- Emma Boxter Wright, Vintage fashion, Ed. Amazon (1990).
8- Jean Baudrillard, le complot de l’art, Ed. Sens et Tonka (2005).



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *