قراءة في الديوان الشعري (أراه فأراني) لشاعر الاهتزازات الحسن الكامح / بقلم: ذ. مجد الدين سعودي / المغرب


“الشعر الذي لا يهزك ليس جديرا به أن يسمى شعرا”

استهلال
الحسن الكامح شاعر الاهتزازات بامتياز…
شاعر حقيقي ومثقف متواضع…
قليل الكلام لكن عندما يكتب الشعر، تشعر باهتزازات روحية…
يقول عنه حسن بيريش في بورتريه (أسماء ووجوه: الحسن الكامح: شاعر ضليع في لواعج العالم):
(حين تقرأ شعر هذا المبدع الآسر، تدرك الفرق بين: -كتابة تغريك بقراءتها وقراءة تحثك على كتابتها.. الحسن الكامح لا يدعوك إلى وليمة القصيدة. بل يثير شهيتك إلى وليمة الحياة.هكذا يضعك -بذكائه الإبداعي- إزاء نصوص تساهم بفعالية في صوغ ذاتك وأنت تلوذ بذاته.)
عن الأدباء والشعراء الذين تأثر بهم، يقول في استجواب مع الأديب المصري الكبير (صابر حجازي):
يصعب على أي شاعر معين تحديد من تأثر به كشاعر واحد، لأني مقتنع بأن أي شاعر كان، فهو يتغذى من تجارب كثيرة في الشعر، كما يغذيها هو كذلك، هي عملية أخذ وعطاء، ومن الأحرى التحدث عن التجارب التي تأثرنا بها، فلا يخفى على أحد أن للمعلقات دور مهم في الشعر العربي مرورا بأبي نواس والمتنبي والأصمعي وغيرهم كثير، ولا ننسى الشعر الحديث بداية بالشاعر الكبير أحمد شوقي وصلاح عبد الصبور ومحمود درويش ونزار قباني أدونيس أمل دنقل عبدالوهاب البياتي، والجواهري إيليا أبو ماضي نازك الملائكة وشعراء من المغرب العربي وغيرهم كثير بطبيعة الحال، والقائمة طويلة، فعلى الشاعر أن يلتهم من الشعر الذي يهزه ويقيم فيه ذاتا كاتبة ومتلقية في آن واحد، فلا يمكن لشاعر ما أن ينطلق من الصفر دون الاعتماد على تجارب أخرى، ولن أنسى كذلك الشعر المترجم لشعراء من فرنسا وإسبانيا واليابان.)
ويواصل حسن بيريش: (على بساط شاعريته الثرة، تكتشف كم ماهر هو في جعلك قيد مكره اللغوي. الحسن الكامح: شاعر يفك ارتباطه بالتعبير الذي يرضي أفق انتظارك. ويخلخل نظام إدراكك لما تعودته من اللغة. وكلما توغلت في رحاب نصوصه، تواجهك فخاخ العبارة التي تصطادك في أوج اصطيادك لها…! ذلك لأن جنوحه نحو اللعب بالدلالات، يغذي فيه ضلوعه في اللعب بالمجاز. هكذا تشاء مخيلته البليغة.)
وعن دواوينه الشعرية التي نعتها بالاهتزازات الشعرية يقول: ((أسميها اهتزازات، قناعة راسخة، أن الشعر الذي لا يهزك ليس جدير به أن يسمى شعرا، والقصيدة في حالة مخاضها تهز الشاعر قبل أن تهز المتلقي)…

القسم الأول

1- في السيرة الذاتية
يقول في حوار مع الشاعر المصري الكبير صابر حجازي عن نفسه:
(الشاعر الحسَن الكامَح من مواليد مدينة تاونات في بداية الستينيات، قرب مدينة فاس المغربية، هاجر صحبة أسرته إلى مدينة مكناس (عاصمة المولى إسماعيل في القرن الخامس عشر، وهي مدينة عتيقة، تمتاز بأسوارها القديمة وبواباتها المتعددة)..)
يقطن في مدينة أكادير منذ أواخر الثمانينات، شاعر ومسرحي وروائي، وإن كان يميل إلى كتابة الشعر أكثر من أي صنف آخر من الكتابة: إذ الشعر هو العشق الذاتي الذي لا أبرح سريره أبدا، ولا أقدر الابتعاد عنه، فهو نافذتي التي منها أرى الكون، ومن خلاله أقرأ العالم كما يحلو لي عن التناقضات والهموم اليومية)

إنتاجه الادبي

1) الاهتزاز الأول: “اعتناقُ ما لا يُعْتَنَقُ” 1992 عن دار قرطبة البيضاء
2) الاهتزاز الثاني: “هذا حالُ الدُّنْيا بُنَيَّ” 2013 عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش
3) الاهتزاز الثالث “قَبْلَ الانصراف” 2014 عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش
4) الاهتزاز الرابع “صَرْخَةُ أُمٍّ” 2014 عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش
5) الاهتزاز الخامس: “أراهُ فَأراني” 2014 عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش
6) الاهتزاز السادس: “بدوي الطِّينَةِ” الجزء الأول سيرة مكان 2015 عن مؤسسة آفاق مراكش.
7) الاهتزاز السابع: “أنتِ القصيدةُ” 2015 سيرة ذاتية للقصيدة عن مؤسسة آفاق للنشر مراكش
8) الاهتزاز الثامن:” للطِّينَةِ… أنْ تُزْهر مرتينِ” 2016 سيرة من كانوا هنا، وهو الجزء الثاني للاهتزاز السادس: “بدوي الطِّينَةِ” الجزء الأول سيرة مكان، عن مؤسسة آفاق مراكش.
تحت الطبع:
9) الاهتزاز التاسع: “وصايا الجسد” 2017، سيرة ذاتية للجسد، عن مؤسسة آفاق مراكش.
10) تقاطعات بين الصورة والقصيدة: “صرخة يد” عمل مشترك مع الفنان الفوتوغرافي يونس العلوي الترجمة بالفرنسية الشاعر حسن أو مولود الترجمة بالإنجليزية الشاعر الحبيب الواعي 2017.
وله نصوص مسرحية وروائية، يتمنى أن ترى النور في أقرب الأوقات، بدء ابالنص المسرحي: “تصبحون على وطن” والنص الروائي: “الغرفة 214″.

2- في الإصدار
صدر مؤخرا عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال بمراكش الاهتزاز الشعري الخامس للشاعر الحسن الكامح، وذلك في 166 صفحة، تحت عنوان فلسفي (أراه فأراني)، سنة 2014، ولوحة الغلاف هي للفنان التشكيلي محمد البندوري .
ويقول الشاعر عن ديوانه «أراه فأراني» إنه «اهتزازي الخامس، في سلسلة اهتزازات، ولكل اهتزاز زمانه، ومكانه وامتداده، اهتزاز من القلب إلى القلب، ومن لا يقرؤني بالقلب، فلا حاجة له لقراءة اهتزازاتي، لأني بكل بساطة، موجود في القلب، ومصقول في القلب، وأكتب بالقلب، وللقلب طبعا نبض»

3- في العنوان
ينطلق الحسن الكامح من منظور فلسفي وصوفي في ديوانه، لهذا كان العنوان صوفيا يخاطب فيه ذاته ويقاسمها كل شيء.
يقول الحسن الكامح: ((لماذا (أراه فأراني) عنوان الاهتزاز الخامس (أراه فأراني)، هو سيرة ذاتية لمتصوف طلق الدنيا وعانق الحرف بكل تجلياته الصوفية – “أراه فأراني” هو رؤية عمودية للسماء وأفقية للروح الطيبة المعانقة معاني الحب الساكن الذات المتشبثة بالرؤية العلوية.
(أراه فأراه) قراءة لذات سلمت فيما ملكت واتحدت بالكلمات الطيبة الآتية من عمق المعاناة، متجردة من جسد فاتن ومفتون.
(أراه فأراني) عنوان أراه يعكسني حين أتخلي عن فتنة الدنى وأغوص في غياهب الاهتزازات. ))

القسم الثاني

1- سيرة قصيدة
القصيدة بالنسبة للشاعر الحسن الكامح:
(القصيدة هذا الكائن البسيط الساكن الذات منذ أول لمسة لليراع، وانتشار الفضاء الأبيض أمامك، لا تملك إلا أن تتعرى عليه وترسم ما تشاء بالأسود حروفا وأشكالا كاليغرافية من خلال رقصك الطفولي وشطحاتك الصوفية، والشيخ الصوفي يسكنك كما تسكنك القصيدة. -القصيدة هي هذا العراء الذي يحتوينا ساعات لا نبالي بالنظرات فنرى ذواتنا كأننا نرانا- القصيدة هي هذه الرعشة التي تحملك بكل ما ملكت وحيدا تعانق الرياح وتنام في القر عاريا لا تبالي بالبرد يكوي العظام، وهي نفس الرعشة التي تنسيك جسدك المقعد على كرسي وأنت تتصبب عرقا، وتكتب وتكتب إلى آخر الرمق.)
يفتح الشاعر الحسن الكامح سيرة حياته الشعرية…

في قصيدة (أراه فيراني):
(هي القصيدة
رحلة عبر الذات في رحاب الذوات
هي القصيدة
بحث مستمر عن الآخر في فيافي الملذات
هي القصيدة
موت بطيء بطيء على نعش الكلمات
هي القصيدة
أكتبيني كما شئت
اني تعريت لك
من ضيق السنوات
وأتيتك متيما بك
أجر خيلي خلفي ممتطيا جيد الصبوات الصفحة 36)

بينما في قصيدة (رهان آخر العمر):
(أراهن في وقت متأخر
على حصان لم يتوقف بعد عن الركض
حصان لا ملك له في هذا المدى
غير سيقانه وبعض من البعض
اذا ركض
لا حواجز كيفما كانت تحده
لا عساكر من أي معسكر تصده
للريح يطلق سيقانه فوق بساط الأرض
لا يتوقف …
تاركا خلفه
الهضاب والسهول والصخور
ثم الواحات والغابات والزهور
ثم الوديان والأنهار والبحور. الصفحة 61)

ومميزات هذا الحصان:
(هو حصان بلا قلب ولا نبض
هو حصان ميت الإحساس
مندفع للأمام ليل نهار
لا يعرف الراحة
ولو ساعة من النوم بعد الفرض
هو حصان غريب الأطوار
الوقت عنده جري وجري
خلف المجهول في جنون وخلف الرفض… الصفحة 62)

وكذلك:
(هو حصان..
للريح منساق
وللزمن الآتي مندفع ناسيا ذاته وانتماءه للفيض
هو حصان…
لا اتجاه له حين يجري ويجري
لا سبيل له وقلبه لا يبالي بالنبض… الصفحة 61 و62)

بينما في قصيدة (سيرة قصيدة) يكتب ملحمة قصيدته بدءا من الطفولة:
(استوقفتني
في زمن كنت فيه خارج الإطار
كنت خارج الصورة
طفلا يأوي الحمام الزاجل
في سطح البيت
ولا يعير الوقت والجورة… الصفحة 99)

وكذلك:
(أدخل بوابة وأخرج من باب
باب يرميني بين دروب المدينة القديمة
وباب يقذفني خارج الأسوار
أصطاد الطيور
وأنتشي بالجري في الحقول
لا شيء يوقفني غير عصا أبي الحميمة… الصفحة 99 و 100)

ثم يصل مرحلة النضج:
(استوقفتني ثانية
في زمن
كنت أركب الذات لغة بين ضفاف العبارة
كنت أقرأ الآخر في بهاء الامارة
وأقود الكون جملة شعرية مختارة كعمارة
كل شيء له وزن وقافية
كل شيء له متن واستعارة… الصفحة 101)

وبكل ثقة وافتخار:
(لا مانع عندي أن أموت أنثر
أحرفي خلفي في الحقول كفنا لي دليلا… الصفحة 103)

وكذلك:
(لا مانع عندي
أن أترك بعدي
قصائدي ارثا لغيري ترثيني زمنا طويلا
لا مانع عندي
أن يذوب ما عندي
من ما ملكت يدي
سنوات وأبقى خاوي الوفاض
تكرمني الأحرف والبحور خليلا… الصفحة 103)

ويختم قصيدته بالحكمة والعبرة التالية:
(باق هنا…
أحيي كل من سيمشي
خطوا خطوا خلف نعشي
أو سيصلي في خشوع
علي بعد موتي
أو من سيقدم التعازي لأهلي
قبل دفني أو بعد دفني
باق هنا أيتها القصيدة… هنا باق. الصفحة 108)

في قصيدة (في عيد ميلادي الخمسين: قال)، يراوح ما بين الحنين للماضي والطفولة وعشق القصيدة:
(في عيد ميلادي الخمسين
قال: يركبني بحر الحنين
لطفل بالأمس كنته
مسالما لا معاندا مستأنسا لا محايدا
يسير في طريقه
يقرئه الحرف السلام والعشق الدفين
طفل حلمه كان
أن يزاوج بين القصيدة والبعد الثمين الصفحة 145)

ويواصل:
(عيد ميلاد سعيد
في حضن عام جديد
ترقصه الحروف في ظل القصيد
عدد الشموع المضيئات
عدد الأيام والساعات
عدد الدقائق والثواني الآتيات
عدد العمر المديد الصفحة 150)

2- سيرة رؤية
يتميز الشاعر الحسن الكامح بوجود رؤية عميقة في كتاباته، فهو المتأمل في الكون والحياة، والشاعر البهي الذي يلتقط صور الحياة ويحولها الى كتابات جميلة.

في قصيدة (أراه فيراني)، يقول:
(أراه في صمتي فأراني يحدثني عن صمته العميق… الصفحة 9)

وكذلك:
(عمق الرؤية التي لا تحد
في مدن الصمت
حيث لا صوت ولا نوح ولا شهيق
عمق شكل وجهه الحزين
حزن تجاعيده في الزمن البعيد
بعد الحنين الذي لا يطرق بابه
في وطن الكوت البطيئ
في ظل سخط الرفيق
الرفيق الذي كان أمسا أحلى صديق… الصفحة 10)

ويتسع مجال الرؤية:
(أراه في صمتي فأراني … الصفحة 12)

وكذلك:
(أراه فأراني
لا يملك مملكة ولا امارة
يقامر في أحلك الليالي
بذاته بعيدا عن شماتة القريب والغريب… الصفحة 12)

ويختم رؤيته:
(هو ذاك من أراه فيراني
يكتب شعرا قمرا
ينيرني وقد تجاوز العقودا
أراه فيراني…
يصقل حرفا قدرا مهما الفصل تعددا
أراه فيراني…
يعتكف في محرابه وحيدا
ولا يبالي بمن حوله تمددا
أراه فيراني…
له نغمة المنشدين.. ان أنشدا
له اعتراض الناقدين.. ان انتقدا
وله حكمة المتصوفين… ان تعبدا
وله كل ما أراه في توحدا توحدا. الصفحة 16)

بينما في قصيدة (رؤية من لم ير):
(أراه
في حلمي بحرا يشقني
عشقا ولا يكتفي
يناديني في خلوته
فأسمعه بين ضلوعي للراكبين حلمي نشيدا
حيث يفتح المحيط أبوابه لي
سندا للغائبين عني
بين بابه في جحيم الوقت… الصفحة 27)

وكذلك:
(أراه …
في حلمي حين لا أراني نفسا جديدا
يراقصني اقليما منفلجا للعاشقين
أو كتابا يكتبني مساء قمرا فريدا… الصفحة 28)

وكذلك:
(يا من أراه ولا يراني. هلا تجاوزت الحدودا
وكشفت لي عن عورات الحروف قصيدا
هلا تجاوزتني
كي تراني في حلمي كما أراك
أفقا للحالمين بالسكنى
في وطن لا حد لانتماءاته
على حدود قلبي وطنا سعيدا… الصفحة 28)

وكذلك:
(يا من أراه في حلمي
حين أراني كن لي وعدا وعيدا
أكن لك امتداد المدى قصيدا
كن لي نشيدا أكن لك في زماني شهيدا… الصفحة 29)

أما في قصيدة (قصيدة… لا ترى)، فالقصيدة هي كل شيء:
(هي القصيدة
تأتيك من تخوم المجهول غير مرتبة ثائرة
تأتيك في غسق الليل… في وضح النهار
غير مبالية بالوقت غير واضحة نافرة
تأتيك ضاربة في الزمان والمكان عابرة… الصفحة 34)

فيتم رؤية القصيدة على الشكل التالي:
(ان أنت لها هي لك
وان أنت لها عنيد هي لك جائرة
تأتيك كأنها ملك
لا حد لسلطته طيب كالمسك
سموح ودود في الليالي الحلك… الصفحة 34)

في قصيدة (هي اللوحة التي تراني):
(اعلم أن اللوحة هذه
تراك وأنت في خلوتك وحيدا
سافر عبرها واترك التفكير في الدنيا ولو قليلا… الصفحة 46)

3- سيرة حنين
يقول الشاعر الحسن الكامح:
(-الحنين إلى الماضي: هو ما نملك حين تعترينا رعشة الكتابة لنغوص في ذواتنا نبحث في غياهبها عما يكتبنا منذ أن خلق الله الروح وقال كوني فكانت قصيدة لا تنتهي.
-الحنين إلى الماضي: هو بداية هذه الرؤية التي ترى من خلالها ذاتك وأنت مجرد منها، فترى الحبيب وتقول بكل عفوية: “أراه فأراني”)

في قصيدة (سين سين) يلخص رحلة الرحيل وحنينه لمقهى المرفأ الصغير الممزوج بالموت:
(والرحلة قالوا سراط عسير
والرحلة
بحر يضربك في العمق العميق
أو الرحلة
كما قالوا ولادة وظل ظليل… 49)

في عملية تلخيص لمقهى (المرفأ الصغير):
(الرحلة كانت سراطا مبينا
والبحر اللعين
أغرق كل راكبيه بين موجة اللجي الحصين
فلا راحل عاد
ولا جسد على الأقدام محمول
الكل في خبر الراحلين
على مراكب المنون… الصفحة 50 و51)

ويختم قصيدته قائلا:
(العقل بين موج البحر يسبح
والصمت في هذا المرفأ الصغير رهيب
قرية كل شبابها ضاعوا
خلف حلم شبه مستحيل
مراكب في المرفأ الصغير
والموت كل لحظة متربص بالجميع
والبحر اللعين يستبيح التقتيل الصفحة 54)

بينما في قصيدة (خلف الجبال البعيدة)، يكون الحنين ممزوجا بالتحسر والأماني:
(هناك
خلف الجبال البعيدة
كنت أراقص النجوم وحيدا
أو لأقل أراقص صمت المدى شريدا… الصفحة 83)

وكذلك:
(كوني لي
غاية وحسنا وقصيدة جديدة
كوني لي مدى
أطل منه عليك سنوات وسنوات عديدة الصفحة 84)

في قصيدة (أبي.. كما أراه)، يحضر الحنين في صورة الأب، كما يراه:
(هو أبي
من عانق المستحيل فجرا
وراح يضرب في الأرض عرضا وطولا
بين أحضان القرية التي فيها نما
ثم الى أوطان شتى
لا اختيارا ولا تفضيلا
بل تجنيدا ثم ترحيلا… الصفحة 121)

وهو كذلك:
(هو أبي كما أراه
أشبهه ولا يشبهني… الصفحة 123)

وكذلك:
(ان صمت… يخال لك أن صمته جبال هامدة
لكن ان نطق يا ويحك …
الا وصرت أمامه نعجة أو كلبا ذليلا
هادئ في الخطب
لا يجرح أحدا ولا نملة ولا أحد
سريع الغضب… كالشهب… أو كاللهب
لسانه حاد كلامه جاد
سهل الطباع ممتنع كالسباع
لا يجيد عن مبادئه ولا يغيرها مهما حصل
يركب صمته وقته طويلا طويلا… الصفحة 123)

أما في قصيدة (في عيد ميلادي الخمسين: قال) :
(في عيد ميلادي الخمسين
قال: يركبني بحر الحنين
لطفل بالأمس كنته
مسالما لا معاندا مستأنسا لا محايدا
يسير في طريقه
يقرئه الحرف السلام والعشق الدفين
طفل حلمه كان
أن يزاوج بين القصيدة والبعد الثمين… الصفحة 145)

ثم بعد استحضاره عبر لعبة الحنين كل من (قريته ووالدته ووالده وجدته وجده ومدينته)، يكتفي بالقول :
(عيد ميلاد سعيد
في حضن عام جديد
ترقصه الحروف في ظل القصيد
عدد الشموع المضيئات
عدد الأيام والساعات
عدد الدقائق والثواني الآتيات
عدد العمر المديد الصفحة 150)

يقول الشاعر الحسن الكامح عن ديوانه (أراه فأراني): (اهتزاز فيه رؤية الشاعر لذاته، للقصيدة، وحنينه للماضي:
-الحنين إلى الماضي هو الذات الشاعرة هي الناطقة والمنطوقة حين يعترينا فعل الكتابة، فنغوص في ذواتنا ناسين الزمان الحامل الجسد من مكان إلى مكان، غير مبالين بالتجاعيد ترسم على الجسد الناسي زحف العمر، وناسين ما ملكت يدنا من متاهات الدنيا عاشقين الحياة على البياض تكتبنا أطفالا لا يهمهم الوقت بل لمتعة اللحظة…).

4- سيرة عشق
حيرة العاشق كبيرة، ففي قصيدة (أ أنت هنا…؟ أ أنت هنا… ك؟)، يكون البوح على الشكل التالي:
(أ أنت هنا… أ أنت هنا… ك
لا هاتف في القلب يرن
والبعد نار… والبعد بئر عميق… الصفحة 57)

هو البعد قاتل:
(مصابيح معلقة لا تضيء ذاتها
أشجار لا تظل الا ذاتها أزهار تعطر الا ذاتها
وأنت… أأنت هنا…؟
أأنت هنا… ك؟ والبعد نار… والبعد بئر عميق
ورغما عني أمتد في هذا الفضاء في هذا الحريق… الصفحة 58)

في قصيدة (رهان آخر العمر): يراهن على امرأة مواصفاتها هي:
(أراهن في قرارة نفسي
على امرأة
البحر لها موجة على كفها تنام
الحبر لها قصيدة على عرشها تقام أمنياتي… الصفحة 63)

وكذلك:
(يا امرأة غيرت مجرى مساري
هل لي أن أعيد تقسيم مملكتي وممتلكاتي
من الحرف الأول
الى الشطر الأخير من حياتي؟؟… الصفحة 63)

بينما في قصيدة (يقينا بك)، يكون البوح على الشكل التالي:
(يقينا بك…
أفتح في غياهب البوح
آيات الشوق عرفانا مني لك
أشق البحر طولا وأعيده عرضا
وأمتد في غواية فيه اليك… الصفحة 79)

وكذلك:
(يقينا بك
ركبت مركب الشوق اليك
وقلت… ليكن بحر هذا المساء
عاتيا… قاسيا…
طاغيا أو حتى ان شاء قاتلا
سآتيك رغما عنه ورغما عن موجه
وحيدا فردا منفرد الوفاض
سآتيك في هذا الليل الطويل
أحمل ذاتي وما جادت به قريحتي
من ولادة عاصية المخاض… الصفحة 80)

في قصيدة (وعدان على قلبي اصباحا):
(تأني قليلا
دعيني أسرق من هواك نورا
ينجيني من عذاب محتمل
تحت نار الصمت
أو سوط الموت
وأذوب فيك شمعة وهبت روحها لك روحا
روح ما تنحت عنك
وما منحت روحها لغيرك
وما نحتت حرفا بلوح صبحا مفتاحا
تأني قليلا
عساني أتمم ما بقي أو ما نسي
في هذا الصبح ألواحا
تؤرخ الأفراح تيمنا بك افصاحا… الصفحة 112)

5- سيرة ذات
الذات الشاعرة عاشقة لخلوتها ووحدتها….

في قصيدة (خلوة مع نفسي ونفسي)، تكون المناجاة مع النفس حلول واتحاد:
(أجالس نفسي
قرب نفسي
وأشتاق في خلوتي ان تجالسني نفسي
كي تحدثني عن نفسي
عساهما في يتوحدان… الصفحة 115)

ومميزات نفسه هي:
(هي نفسي
التي لا نفيس لي عليها
وان تنافسني فيها نفسي
نفس عاشقة سموحة ودودة
نفس عابدة رؤوفة حمودة… الصفحة 116)

وهي كذلك:
(هي نفس
أخاف منها على نفسي
ان جالستني مع نفسي
تهيج بحرا ساخطا على نفسي
هي نفس
ان اشتقت لها تدوخني وان نأيت عنها تعذبني… الصفحة 117)

ويقسم الشاعر الحسن الكامح هذه (النفس) الى قسمين مختلفتين:
(نفس تسكني
لا احتجاج لي عليها ان هي قابلتني
نفس منفتحة جامحة
ان هي عاتبتني نفس راضية مرضية
لا رافضة ولا جائحة
ان هي جالستني نفس معاتبة ناصحة
لا قاسية ولا كاسحة
هي نفس طيبة زكية صالحة… الصفحة 116)

ومواصفات النفس الثانية:
(ونفس
تجالسني لماما الا كي تخاصمني مع نفسي
لا حكم لي عليها ان هي قابلتني
خبيثة ماكرة خادعة
ان هي عاتبتني هي نفس
قاسية علي وضارعة
ان هي خاطبتني هي نفس
ضاربة في ومانعة… الصفحة 117)

يخيم الحزن العميق على الذات الشاعرة…
في قصيدة (حزينا كان.. ولا زال)، يرى البؤس في عيون وملابس وقسمات الفقير:
(حزينا كان
يعض على يديه ولا يبالي بأعين الآخرين
حزينا كان… ولا زال
وحيدا يركن في ركنه الركين
يعد ما تبقى له من سنين
لا يكلم الا نفسه ولا المارين… الصفحة 139)

وكذلك:
(المارون يمشون على الرصيف لا يتوقفون
والواقفون ان لم ينصرفوا الآن سينصرفون بعد حين
غير مبالين به ولا به مهتمون
يرمون له من حين لحين
بعض الدراهم واليه لا يلتفتون
وان التفتوا اليه به لا يبالون… الصفحة 140)

ويصف الفقير المتسول:
(جسد مكوم في ملابس بالية
يهمهم لوحده حينا وحينا
يقرض أظافره في صمت دفين… الصفحة 140)

وهو كذلك:
(جسد مكوم
لا اسم له ولا عنوان
يتوسد الأرض
يتغطى السماء في صمت
ولا يبالي أبدا بالآخرين… الصفحة 140)

ويواصل في اللامبالاة التي يعيشها:
(تجمد الدم في الجسد وما اهتم به أحد
يده دوما ممدودة وما اهتم به أحد
عينه دوما مسدودة وما اهتم به أحد… الصفحة 142)

ويواصل:
(هناك بقى أياما معدودات
حتى أسقطه الموت على ركبتيه
بلا اسم ولا عنوان يؤثث المكان الحزين الصفحة 142)

بينما في قصيدة (رفقا بحالي يا طريق) :
(أما شبعت مني يا طريق؟
أما شبعت من جسد
تنخرينه كل أسبوع
على حافتيك تنخرينني، والنار في قلبي حريق؟
أما شبعت من ذات تسوطينها عقودا
على بساطك ومالي رفيق؟؟ الصفحة 153)

خاتمة
يمتاز فعل الكتابة عند الشاعر الحسن الكامح، بتعدد تجليات تيماته ، فهو يقوم بتعرية المجتمع من عيوبه ويعطي قيمة كبيرة للمواقف الإنسانية ، لهذا تأتي اهتزازاته الشعرية قوية ومشحونة ومؤثرة…
عالم الحسن الكامح الشعري عالم الحنين والسفر في ذاته… لهذا يسافر في الماضي متحدثا عن طفولته وقريته ومدينته وأهله وعلاقته الحميمية بهم…

ذ. مجد الدين سعودي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *