شعرية تجاوز السائد من خلال ديوان “همسات نرجس” للشاعر المغربي مصطفى نجي وردي / بقلم: د. خالد بوزيان موساوي / المغرب


ديوان “همسات نرجس” للشاعر المغربي مصطفى نجي وردي

ورقة تعريف موجزة
“همسات نرجس” مجموعة شعرية للشاعر المغربي مصطفى نجي وردي صدرت عن مطبعة و وراقة بلال فاس/ المغرب سنة 2020. الكتاب من الحجم المتوسط (98 صفحة)؛ يتضمن 38 نصا شعريا إضافة للإهداء و التقديم و الفهرس.. كتب التقديم الأستاذ بلقاسم سداين. لوحة الغلاف للفنان عبد العزيز جريري. التصميم الفني و التقني للأستاذ محمد مهداوي.

تيمات محورية:
قد نقرأ نصوص هذه المجموعة الشعرية كمتون مستقلة مغلقة تكتفي بذاتها لذاتها؛ و قد يتم مقاربتها منهجيا ك “ماكرو ـ بنية” مكوّنة من مجموع النصوص (38) تتناغم و تتكامل فيما بينها لتنسج الصورة الوجدانية الداخلية العميقة لذات الشاعر بانزياحات الجمالية الشعرية، و رسائلها المشفرة… ثلاث تيمات محورية تهيمن على المجوعة:


الذات المُخاطبَة “هيَ”/ “أنتِ” بصيغة الأنثى/ المرأة أو النساء على طول أكثر من 15 نص منها: “لم تعودي تلك” (ص. 8)، و “لملميني” (ص. 12)، و “لك.. و لك وحدك” (ص. 21)، و “لن أعشق غيرك” (ص. 59)؛ و غيرها… هي نماذج من نصوص توحي عناوينها بانتمائها لنفس الإطار المرجعي النمطي المصنف عادة ضمن شعرالحب العذري الذي أسال لعاب الشعراء منذ بدء التكوين: منذ كانت المرأة. لكن، و خلاف المألوف و المتداول و المستهلك، يباغتنا الشاعر مصطفى نجي وردي بما يشبه الانقلاب أو الثورة ضد الحبيبة باعتبارها ملهمة شعر الغزل بنصين غاضبين افتتح بهما مجموعته هذه: نص ” لم تعودي تلك” (ص.8)، ” احتراق” (ص. 10)؛ نقرأ من هذا الأخير:


“سأحرق دفاتري في الشعر
و سأنتشي بنسوة تتجملن بالحروف..
و سأسرج خيلي لأركب دابة القصيد
و أعاود السفر من جديد…
فمتى كانت النساء.. نساء؟ !
(…)
سأقفز على الأنماط القاتمة وقت فجر…
و زرقة بحر..
بحبر من تبر و ترب.. و هيجان
سأقفل راجعا إن عاد الشعر حصرا
على نساء دون نساء..
و جمال من غير استثناء…
فإليكم مني و الشعر
فكلكم من حواء سواء…”


هي صرخة غاضبة لا تروم رسم صورة قاتمة على المرأة كإنسانة أو كحبيبة أو كذات ملهمة، بقدر ما تحيل على إيماءات الشاعر مصطفى نجي وردي بما يشبه التصريح المسكوت عنه تجاه المتوارث من الكتابة الشعرية عن المرأة. هي انتفاضة شاعر ضد كتابة نمطية تستنفر إعادة ترتيب الأوراق من جديد؛ و من هنا، هيمنة التيمة المحورية الثانية في هذه المجموعة الشعرية تحت عنوان:


سؤال الكتابة الشعرية في “همسات نورس”: و قد خصص الشاعر عدة نصوص لهذه التيمة المحورية من بينها: “علميني” (ص. 19)، و “شطحات حروف” (ص. 38)، و “شموع و دموع” (ص. 55)، و “سأكتبك و الغياب” (ص. 64)، و “إنذار أول” (ص. 68)، و غيرها… سؤال كتابة شعرية يتطلع إلى غد يضطلع فيه الشعر بوظيفة/ رسالة حاملة للفرحة و البهجة و الطمأنينة بعيدا عن الأساليب المستوحاة من رحم المآسي و ضروب الرداءة و الرتابة و الكآبة؛ في هذا السياق جاء هذا المقطع من نص “شموع و دموع” (ص. 56)؛ نقرأ:


“سأشرق يوما..
في ولادة ما..
و بقحلة ما.. و على أرض ما..
حين تكبر القصيدة…
تذكرت أن ساعي البريد
يوقظ الفرحة بعد
سبات طويل…
و يزرع البسمة على الشفاه
و الصفحات…
يبشر العشاق ببزوغ فجر..
و ستمطر هذه السماء
ذات حين…”


تفاؤل هذا النص جاء متناقضا تماما مع النظرة السوداوية القاتمة و المتشائمة التي خط الشاعر ملامحها المكتئبة في نص “جيكور” (ص. 33) حيث نقرأ:


“الشمس لا تدفئني هذي
الأيام..
و لا تغطي جسدي الرياح..
فماذا يا جيكور الصدر..
لو أرسلت الشمس لعطلة
و الريح..
أنمشي نحن في الزمن
أم الزمن فينا هو الماشي..؟ !
أين أول هذا الزمن…
يا جيكور..؟ !
و أين آخره… في الوقت..؟ !
هل هذا الزمن ممتد في الجسد
أم في الجسد و الشجن..؟ !
قبل ألف عام..
حكمت علي بالموت
و قد مات الموت قبل أن
أموت…”


و كأن الكتابة الشعرية عند الشاعر مصطفى نجي وردي حوار ساخن و طويل و مشحون بين الحياة و الموت، بين الوجود و العدم، بين الجمود و الاستمرارية… و لعل اختياره، في سياق حرقة أسئلة الكتابة الشعرية التواقة للجديد، ل “النرجس” كعنوان رئيس لهذه المجموعة الشعرية “همسات نرجس” لم يمكن اعتباطيا و لا من قبيل التلاعب بالمفردات. ففي تمثلات القارئ العادي، كما المتمرس، يحيل “النرجس” على أسطورة أساء علم النفس من خلال تأويلها لزهرة النرجس حد المبالغة باعتبارها سيميولوجيا رمز الأنانية و عشق الذات و الانطواء عليها، حتى أصبحت “النرجسية” مرضا نفسيا… و لأن الكتابة الابداعية الحقة (الشعرية منها خاصة) فعل تجاوز لواقع يتم تكريسه كتراث جامد كما مسلمات، و في سياق تمرد الشاعر مصطفى نجي وردي على المعتقدات السائدة، أعطى للنرجس دلالة أجمل و أكثر إيجابية لما نبه القراء في صفحة “الإهداء” إلى أن “النرجس” في العنوان الرئيس للديوان يحيل على اسم ابنته؛ نقرأ:


” إلى ابنتي نرجس حفظها الله، التي كانت السبب الحقيقي لكتابة هذا الديوان…”


بكذا إهداء يصبح للنرجس دلالات أجمل و أعمق؛ ان الالهام كان وليدا لتأثير جيل جديد ترمز إليه صبية/ أنثى كعنوان لمستقبل واعد كله أمل و تفاؤل. لذا يقترن النرجس في الديوان بذات شاعرة تصبو من قلب المعاناة، و من خلال التمرد على رتابة الحاضر و آلامه، إلى غد مختلف و أجمل، يصبح فيه النرجس متوهجا كما قوس قزح؛ نقرأ:


“أيتها السمراء..
بلون الشوكولاطا و الشفق..
أنت ذاك القوس المسافر في
بلون قوس قزح” (من نص “شقراوتي” (ص. 85))،
و تصبح فيه أنثى النرجس ” سيدة القرنفل و الرياحين”؛ نقرأ:
“متى تعلمين سيدتي كم أحبك
يا امرأة من طين..
يا سيدة القرنفل و الرياحين” (من نص “متى ستعلمين..؟ !” (ص. 35)).
و يذوب النرجس في المرأة/ الحبيبة/ القصيدة بألوان الياسمين؛ نقرأ:
“و حين يلوح نجمي..
بين الثنايا..
أسميتك سيدة الياسمين
و قصيدتي…
إليك أنثر كلماتي
و عبير عطري…” (من نص “لست بشاعر” (ص. 91)).


و لأن الشاعر مصطفى نجي وردي حامل لهم قضايا إنسان و وطن بحكم تكوينه الفكري و نشاطاته داخل مؤسسات المجتمع المدني اجتماعيا و ثقافيا، فلا يمكن اختزال كتاباته الشعرية (و ديوان “همسات نرجس” نموذجا) في وجدانيات عاشق مكلوم يناجي قدرا متعثرا أذاقه مرارة الفقد و الفراق كما مجانين أساطير شعر الحب العذري… في “همسات نرجس” ترتقي المرأة إلى درجات أعلى و أسمى لتصبح مركز الكون، تصبح ملاذا أحن من الوطن، و من ثَمّ التيمة المحورية الثالثة التي هيمنت بدورها على طول ربوع الوطن تحت عنوان:


المرأة/ المنفى/ الوطن: و قد خصص الشاعر لهذه التيمة عدة نصوص من بينها: ” و تعاود الذكرى” (ص. 16)، و “أحتار سيدتي” (ص. 23)، و “وطني” (ص. 25)، و “عيناك وطني” (ص. 29)، و “في انتظار الشمس” (ص. 41)، و “حضنك يا وطني” (ص. 70)، و غيرها…
و عن اقتران المرأة / الحبيبة بالوطن نقرأ:


” أحتار فيك.. يا امرأة من
طين..
و من كل النسوة أختار سيدة
للوطن…” (من نص “أحتار سيدتي” ص. 23))؛
و نقرأ:
” و امنحيني وطنا بين
ضلعيك..
فبدفئك أحتمي
و ألوذ…
و حكايتي مع وطني لا تنتهي..
فأنت الحكاية..
و أنت النهاية..” (من نص في “انتظار الشمس” (ص. 40)).


هكذا يلقي الشاعر لجام غضبه على واقع مشحون بالمتناقضات و الأزمات ليتجاوزه عبر بوح ينفض الغبار على اللغة و البلاغة بالتمرد على دلالات العلامات النمطية السائدة كما رمزية النرجس و المرأة في القصيدة، ليجعل من الزهرة عنوانا لتفاؤل ثوري مستقبلي شعاره التمرد، و ينظر إلى المرأة سيدة للياسمين/ قصيدة بألف وطن…
و لنا عودة لقراءات أخرى لنصوص الشاعر المغربي الصديق مصطفى نجي وردي

د. خالد بوزيان موساوي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *