الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وجها لوجه مع جائحة كورونا / بقلم: ذ. محمد أديب السلاوي / المغرب


-1-
مع إعلان استقلال المغرب سنة 1957 تم الإعلان عن تشكيل “السوق الأوروبية المشتركة” لمواجهة القوى العالمية الصاعدة، وأيضا لتجاوز الصراعات المدمرة الجديدة بالقارة الأوروبية.
وقد كان المغرب الذي التحق حديتا بجامعة الدول العربية من بين الدول الحديثة عهد بالاستقلال التي رحبت بقيام هذه السوق ومدت يد التعاون معها باعتبارها بابا هاما للتكامل الاقتصادي بين المغرب وأوروبا، كما دعا في اجتماعه مع الجامعة العربية إلى الاستفادة من أوروبا والعمل على تأسيس سوق عربية مشتركة تحت ظل جامعة الدول العربية.
وبعد قيام الاتحاد الأوروبي، كان جلالة الحسن الثاني رحمه الله أول رئيس دولة عربية أشاد بهذه الخطوة التي تحمل مشروعا حضاريا وسياسيا هاما، يهدف إلى تدعيم التكامل والتعاون بين الدول الأوروبية وأصدقاء القارة الأوروبية.
ولا شك أن الخطوات التي قطعها الاتحاد الأوروبي لترسيخ استراتيجياته مند قيامه وحتى الآن كانت درسا مستمرا للمدافعين عن فكرة التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي العربي بجامعة الدول العربية، التي ظلت مشلولة لا تستطيع السير إلى الأمام، ولا تستطيع الحفاظ على هويتها أو التشبث بقيمها الأخلاقية والثقافية، وهو ما جعلها حتى الآن هيكلا بلا روح، لا حول لها ولا قوة…

-2-
السؤال الذي يطرحه اليوم زمن كورونا على الهيكلين الأوروبي والعربي هل يستطيعان الاستمرار أم سيكون مصيرهما التفكك والانحدار.. ؟
بالنظر لما يراه العالم اليوم، كما كشف فيروس الفساد السياسي العربي عن الثغرات العديدة التي شلت منكرا جامعة الدول العربية، كشفت اليوم جائحة كورونا عن الثغرات الكثيرة والخطيرة في النظامين الصحي والاقتصادي بالاتحاد الأوروبي، إذ منحت هذه الجائحة كل التبريرات للتشكيك في قدرة الاتحاد الأوروبي على قيادة نفسه، ليس فقط اقتصاديا واجتماعيا ولكن أيضا عسكريا، وهذا يعود إلى نفس الأخطاء التي أطاحت بجامعة الدول العربية، أي ضعف الإستراتيجية التي قام عليها هذا الاتحاد، والتسيير العقيم لمؤسساته.
إن ما قاسته دول جامعة الدول العربية خلال الأزمات العربية المتلاحقة هو ما قاسته تقريبا دول الاتحاد الأوروبي فبل وبعد أزمة كورونا، حيت واجه سلسلة تحديات، منها الأزمة التي عصفت بمنطقة اليورو بداية 2010 بسبب الأزمة المالية العالمية والتي أدت إلى ارتفاع الدين العام لأوروبا لمستويات قياسية، وبعدها أزمة المهاجرين السوريين سنة 2015 التي أدت إلى أزمة دبلوماسية حادة بين دول الاتحاد الأوروبي، تم الأزمة / الأزمات التي أحدتها التيار اليميني المتطرف، الذي يرفض تحرير الحدود وتخفيض القدرة السياسية على حساب السياسة الاقتصادية للدول الأوروبية.
ومع بروز هذه الأزمات لم يكن احد من أنصار التكامل الاقتصادي ينتظر أن تكون أزمة كورونا عاصفة هوجاء تضرب ما تبقى من الأمل للحفاظ على الاتحاد الأوروبي من التفكك، أو هدم قيم الديمقراطية الغربية المتشبثة بحقوق الإنسان والعدل بين الشعوب والحداثة والعولمة.

-3-
نعم. لقد أظهرت أزمة كورونا شرخا واضحا في البناء الهش، المتهاوي لجامعة الدول العربية، وابعد ومن ذلك أظهرت أن كل خطط الاتحاد الأوروبي وإجراءاته ضعيفة، كشفت بسرعة عورات نظامه الصحي ونظام تكتلاته، ولم تترك له الوقت لتدارك أخطائه أو مواجهة الأخطار التي تضربه الواحدة بعد الأخرى.

لقد أصبح واضحا أن الاتحاد الأوروبي كجامعة الدول العربية جاءتهما الأزمة اكبر من حجمهما، الأزمة لم تصب البشر فقط، بل أصابت المشاريع والمخططات والأحلام وهو ما يفرض عليهما التفكير بجدية وفعالية لبناء عالمهما المستقبلي من جديد، بناء على معطيات زمن كورونا وجائحتها القاتلة.

أفلا تنظرون….؟

ذ. محمد أديب السلاوي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *