ماذا بقي للمرأة الفلسطينية في 8 آذار؟ / بقلم: ذة. شوقية عروق منصور / فلسطين


لا نملك أمام أشهر السنة إلا التفتيش في ثناياها، في أيامها، حيث تصبح الأيام جزءاً من ذاكرة وتاريخ ومشاعر ووفاء ونكران وتعاسة والم وفرح وانتصار وانكسار.. الخ لكن في شهر آذار تتكوم الأقفال الكثيرة امامنا تنتظر المفاتيح، الأقفال السياسية والاجتماعية، أول المفاتيح المعلقة على مسمار الذاكرة، معركة الكرامة -قرية الكرامة في غور الأردن- وقد وقعت المعركة في 21/3/ 68 بين الجيش الإسرائيلي والمقاتلين الفلسطينيين ومشاركة الجيش الأردني، واسفرت المعركة عن صد الهجوم الإسرائيلي وايقاع خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي.
في 8 آذار يوم المرأة العالمي، تتحرك الصور النسائية، تحصي ابتلاع سكاكين المجتمع وسيوف الرجال، وتغرق الصفحات والشاشات بدموع المظلومات، ويبتل تراب التمرد، حيث تكون الانتفاضة ضد القهر والظلم والعنف.
بعض وسائل الاعلام تقوم سراً بزيارة الجروح والتشوهات الانثوية، ثم تبدأ بتصديرها الى الفضاء، حيث تُكشف الاسرار، وتنهار اساطير الجمال والدلال امام الوجع الناري وازدحام القوائم التي تحمل النسب المئوية للعنف والقتل النسوي.
في 8 آذار تتسلل من بين ابجدية الوجوه النسوية، وجه المرأة العربية الذي أصيب بالتشويه الجنوني لدرجة عجزت المرايا عن حمل انعكاساته.
ماذا بقي للمرأة العربية في وطنها غير الهموم والهرب واللجوء والتحرش والاغتصاب والنفي خارج المجتمع والحياة تحت إيقاع الفتاوى والهجوم الشرس على حياتها وانجازاتها وعملها، انهم يضربونها يومياً مستغلين عجزها وضعفها وانهيار الأوطان، مستغلين حالات الجوع والقهر والدمار، فعليها تقع المسؤوليات كأم وزوجة مسؤولة في الزمن الوحشي، عليها أن تحضن الأبناء وتوفر الأمن الذي يكاد أن يكون مفقوداً، عدا عن الركض وراء الرغيف.
الذي يحاول تزوير صورة المرأة العربية في الثامن من آذار، كمن يطلب من النملة أن تطير وتنافس العصفور. ورغم الصورة القاتمة للمرأة العربية تبقى المرأة الفلسطينية لها الصورة الخاصة جداً في الثامن من آذار وفي 21 آذار عيد الأم، حيث تنفرد الفلسطينية بوجعها الخاص، المميز عن باقي نساء الأرض، ليس فقط لأنها تعيش في ظروف صعبة وقاسية نتيجة البطالة والفقر والاحتلال وقسوة الانقسام والحصار والحواجز وأنياب الاستيطان ومصادرة الأرض ووقاحة المستوطنين، ولكن كأم وزوجة وأخت وابنة وقريبة شهيد ينتظرن دفنه، ينتظرن بلهفة كي يفرجوا عن جثمانه، فالمرأة الفلسطينية تنفرد بوجع انتظار الانتظار، حين تقلق وتسهر الليالي وتقضم أظافرها في عتمة الدموع، وهي تعرف أن ابنها أو زوجها أو شقيقها في الثلاجة، ينتظر الأفراج حسب مزاج المسؤول الإسرائيلي وعقد الصفقات السياسية كي يضمه تراب أرضه وتنتهي رحلته -عدا عن مقابر الأرقام التي تحتفظ برفات مئات من الفلسطينيين واللبنانيين.-
المرأة الفلسطينية تنفرد وحدها بزيارة السجون التي تحوي الأسرى، حتى أصبحت الزيارات طقساً من طقوس وجودها الحي -هذا اذا لم تُحرم لأسباب واهية- السجون لا تعرف كيف تعد سنواتها، حيث تكون حياة الكثير من الأسرى سلسلة سنوات متواصلة الى أجل غير مسمى، يعدون يومياً القضبان ويحفظون عن ظهر قلب ملامح التجاهل واستعراضات الشعارات والكلمات الرنانة.
المرأة الفلسطينية لا تعرف الثامن من آذار و اذا اجبروها على الاحتفال لتبدو الصورة جميلة في زمن القبح، تحاول الفرح، لكن فرحها يوقظ الانتحاب في داخلها.
المرأة الفلسطينية كرست نفسها لملحمة طويلة، لبطولات صامتة، لا تحلم بالبريق الإعلامي، ولا تريد خدش صور القادة والمسؤولين الذين يتجاهلونها، فهم يتنفسون اوكسجين الرجولة في قراراتهم واجتماعاتهم كأن الوطن يملك الشوارب والعضلات، المرأة الفلسطينية تتستر على حزنها ووجعها برسم الابتسامات رغم انها تعيش على صفيح ساخن. كل عام وانتن بخير.

ذة. شوقية عروق منصور / فلسطين



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *