قراءة في كتاب “تجليات الأسطورة ورواسبها في الثقافة المعاصرة” للكاتب العراقي الأستاذ أحمد مانع الركابي.. / بقلم: ذة. باسمة العوام / سوريا



من إصدارات منشورات أحمد المالكي / بغداد / عام 2021.
وهو عبارة عن دراسات أتت في 262 صفحة .


“الأسطورة” أو كما عرفت عند الإغريق ب “الميثولوجيا” وتتكون من مقطعين: “الميثو” وتعني الخرافة أو الحديث أو الأسطورة، و “لوجيا” أي التصريح أو القول. والمعنى العام هو القصص الخيالية. وقد نشأت الأسطورة نتيجة الحاجة إلى تفسير الأمور الغامضة التي عجز الإغريق عن تفسيرها في ذاك الوقت، وقسمت الأساطير إلى مجموعتين: “أساطير الخلق” والتي تدخل في موضوعات الكون وتفسر خلق البشر وظهور الآلهة.. و”أساطير التعليل” و التي تفسر الظواهر الطبيعية التي تتعلق موضوعاتها بقضايا الموت والحياة، الشمس والبحر والطبيعة وتداخل مظاهر الخير والشر فيها.
وتم التعبير عن الأسطورة بالكتابات والرسومات والشعر خصوصا ليسهل تداولها شفاهة بين الأجيال.
فما الذي أراد قوله الكاتب الأستاذ “أحمد مانع الركابي” في هذا الكتاب؟ هل أراد وصف الأساطير وتفسيراتها قديما وحديثا وتأثيرها في ثقافاتنا فقط ورواسبها كما يقول العنوان؟ أم أراد أن يعيد تاريخها ونشأتها ليحفظها بعيدا عن النسيان؟ أو.. هل أراد منها الجوهر والدروس والتعلم وإدراك المغزى منها ؟ فأهداها أولا لأولاده؟
-الإهداء..
“إلى أولادي الذين يسكنون في رياض القلب
رؤى و ندى و وهج و محمد وعلي”
-ثم مقدمة يقول فيها:
“إن هذا الكتاب يعتبر الثاني بعد كتابي البكر (الأول) الميثولوجيا ورحلة العقل نحو اللاهوت، فبعد بحثي المطول في تاريخ الحضارات القديمة والمقارنة بينها، وتتبع أفكارها وعقائدها واساطيرها، وحركة الإنسان في منعرجاتها؛ حاولت أن اسلط الضوء على جوانب مهمة في تلك العصور وفق قراءة حداثوية تجعل القارئ يرى في مرايا الماضي صورة الحاضر ماثلة أمامه بملامح قد تتفاوت نسبيا، حيث أن هذا التفاوت يمثل السلم الحضاري الذي ارتقى من خلاله الإنسان إلى المنجزات الحضارية في عصرنا الحالي عبر تراكم الخبرات”.
-وعندما تقرأ تجد نفسك في رحلة بعيدة مع التاريخ، مع القديم، مع الأسس والمفاهيم القديمة الحديثة. رحلة أيام طويلة يأخذنا من خلالها كاتبنا إلى البدايات، وفي كل محطة غفوة نستيقظ منها لنرى ماحولنا ونعرف أن ماكان ليس وهما ولا خيالا، بل ماكان مجرد إغماضة عين منها ينبثق شعاع اليوم و الغد.
خمسة فصول تضمنت عناوين كثيرة، ومعلومات قيّمة من أكثر من أربعة وثلاثين مرجعاً، لتشكل موسوعة تاريخية، فكرية، فلسفية، اجتماعية رائعة. فكانت على التوالي:


الفصل الأول: مقدمة عن الأسطورة ودلالاتها. وفيه نقرأ «الإنسان ومفهوم العبادة – السحر والدين – سيكولوجية الدين – نشأة الأسطورة – بنية الأسطورة – السببية والأسطورة – أسطورة الخسوف -آراء حول الأسطورة – امتدادات الأسطورة – الأسطورة والشعر – الأسطورة وحركة الفكر – الأسطورة والدين – الأسطورة والرمز – أسطورة التكوين السومرية – ملحمة التكوين البابلية (الأنيو ما ايليش) – الأسطورة والمسرح – الأسطورة والقصة – الأسطورة وعلم النفس – الأسطورة والتاريخ – محددات الأسطورة – معنى الأسطورة – الأسطورة والفن – الأسطورة والطقس – الأسطورة والفلسفة – رسالة الأسطورة – المدرسة وأول حالات التملق في التاريخ».
الفصل الثاني: الأساطير السومرية ورواسبها في الثقافة المعاصرة. وهنا نقرأ «تمهيد/ رمز الأنوثة ورواسبه في الثقافة المعاصرة – رمز شعارات الطب عند السومريين ورواسبه في الثقافة المعاصرة – أم سبع عيون السومرية وتسللها لثقافة العصر الحالي – أسطورة أم الصبيان( التابعة) السومرية ورواسبها في التراث الحالي – أسطورة ليليث عند السومريين – الأسطورة السومرية لليليث – أسطورة ليليث في التراث اليهودي – ليليث في التراث العربي – ليليث في الديانة المندائية – ليليث والزغرودة العربية – أسطورة عشتار وعطلة يوم السبت – الشماغ السومري ورواسبه في الثقافة المعاصرة – أسطورة حورية البحر – أسطورة التنين السومري وامتداداتها الحضارية – أسطورة آنزو وألواح القدر – العرافة السومرية ورواسبها في الثقافة المعاصرة – عرافة الزيت والماء – العرافة بالأزلام (ضرب القداح) – العرافة بواسطة رمي النرد – العرافة الوجدانية – عرافة تفسير الاحلام – عرافة الأفلاك (التنجيم) – النظام الستيني السومري – ثقافة السحر السومرية ورواسبها في الثقافة المعاصرة – السومريون والعالم السفلي – السومريون والألعاب الرياضية – الحلبة ولباس المصارع السومري – الموسيقى السومرية – الموسيقى والأساطير – السومريون والجغرافيا – أسطورة بناء معبد الخمسين أو معبد الآيننو – السومريون ومغامرات البحار – السندباد السومري».
الفصل الثالث: أساطير وخرافات ومعتقدات لها رواسب في الثقافة الطبية المعاصرة. ومنها «المعتقدات القديمة المتعلقة بالطب ورواسبها – الإنسان والطبيعة – علاج أبو صفار ضمن مبدأ السحر التعاطفي – العلاج بالكي ضمن مبدأ السحر التعاطفي – بعض تطبيقات السحر التعاطفي في الزمن المعاصر – المعتقدات الصينية والطب الصيني (الوخز بالإبر) – السومريون ورشّ الماء وراء المسافر – أسطورة العشبة المقدسة والتدخين – التبغ وطقوس القداسة – أسطورة أوديب ورواسبها في الفكر المعاصر – أسطورة ألكترا – أسطورة النرجس».
الفصل الرابع: الأساطير التي لها رواسب في الثقافة الإسلامية المعاصرة «صناعة (التماثيل الأوثان) – أساطير التكوين الإسلامية – أسطورة الزهرة في التراث الإسلامي وعلاقتها بهاروت وماروت – أسطورة بئر زمزم – أسطورة الثور في الإسلام – أسطورة الحية في التراث الإسلامي».
الفصل الخامس: أساطير وخرافات ومعتقدات لها رواسب في الثقافة المعاصرة. «الأسطورة وسيكولوجية الشعوب – أسطورة قدموس واخته أوربا – أسطورة بعل وصراعه مع الموت – الأسطورة وأسماء الأشهر الرومانية – الأساطير وعيد ميلاد راس السنه المسيحية – الأساطير وشجرة عيد الميلاد – الأساطير ومظاهر الدروشة – حكاية رادوبيس الجميلة وقصة سندريلا – الأساطير وخرافة الطنطل – حكاية غطمش – الأساطير وتقديس البقر عند الهندوس – أسطورة عيد العشاق ورواسبها في العصر الحديث».
-عناوين كأمواج البحر، مع كل موجة حكاية، وفي كل مدّ وبعد كلّ جزر، جوهرة ثمينة تلقيها الأمواج على الشاطئ، فيحملها الكاتب بين صفحات هذا الكتاب، ويحفظها كنزاً وثروة للقادمين والعابرين على وقع خطوات الذاكرة والتاريخ فتشرق في أبواب العلم والحضارة وفجر الغد. ومع كل أسطورة نستحضر تاريخا تحت عباءة الميثولوجيا والخرافة والسحر، الفلكلور، الفكر، الفن، معتقدات الشعوب وأعرافها وتقاليدها وروحانياتها التي مازالت تفعل فعلها في تاريخنا المعاصر.
وكما يقول وليام فيذر: “حكمة الحكماء وخبرة العصور محفوظة إلى الأبد بأمثال الأمة وخرافاتهم وأقوالهم الشعبية.”
ويقول كارل بوبر: “من الناحية التاريخية، تنشأ جميع النظريات العلمية -أو معظمها تقريبا- من الأساطير”.
-ولأن الواقع والتاريخ والميثولوجيا أهم مكونات الفكر الأسطوري يكون اللجوء إلى الأسطورة هروبا من سطوة ورعب واقع نحياه تارة، (وذلك لان الرمز الأسطوري قد يكون كثيف الدلالة بعيد الإيحاء)، وتارة لأنه يكون ملهماً للبحث عن عالم فسيح جميل لاتقتله الشعارات، يمنع زحف الظلام بين أمم تعيد تشكيلها وتتناقلها عبر مثاقفة حضارية قادرة على النفاذ إلى اعماق الرؤية المعاصرة لايحددها زمان ولامكان، تمتد من الماضي إلى الحاضر وتؤسس لشيء ما في عالمنا نحو الغد.
هكذا استطاع الأستاذ أحمد مانع الركابي استحضار تلك الأساطير وتصوير تأثيرها فيما نشهده حولنا وفي حياتنا المعاصرة وتجلياتها في النواحي الاجتماعية والفكرية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية وغيرها، ليقدم موسوعته هذه مرفقة بالأدلة والشواهد التاريخية والحاضرة، مستخدما كذلك الصور والرموز، السرد والشعر والقصة والعناوين الحقيقية الآتية كذلك من عالم امتزج فيه الدين بالتاريخ، والعلم بالخيال، والحلم بالواقع. فنقرأ مثلا قوله في ص17.. “حسب تصوري فإن الأسطورة نشأت من بذرة التساؤل وترعرعت في تربة المعتقد، فتفرعت وتنوعت وتكاثرت حسب معطيات كل بيئة ومؤثراتها.”
ص57-58… “الأسطورة يجب أن تعتمد عناصر ثلاث: (ارتباطها بعنصر مقدس – أن تحمل رسالة بين طياتها للمتلقي – الأحداث مستحيلة الوقوع تتضمنها الأسطورة)، لو فقدت احداها لما أصبحت أسطورة ولتغير جنسها إلى جنس أدبي آخر كالخرافة، القصة، التراتيل والدعاء، … الخ” .
وفي النهاية يبقى عالم الأساطير قابلا لأن يمتد حاضرا ومستقبلا على المستويات الفكرية الواقعية والتخييلية والتأملية.
وكما يقول روبرت جرين انجرسول: “يعتمد التقدم الفكري للإنسان على عدد المرات التي يمكنه فيها استبدال خرافة قديمة بحقيقة جديدة”.
فكلما أردت الإبحار في عالم الأساطير والبحث عن حقائق جديدة، ماعليك إلا الإمساك بدفّتي هذا الكتاب “تجليات الأسطورة ورواسبها في الثقافة المعاصرة”، وهو ليس مجرد كتاب بل مكتبة أو موسوعة مختزلة في كتاب.

ذة. باسمة العوام / سوريا



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *