تتحدث فتاة النابالم فترد عليها المرأة الفلسطينية.. / بقلم: ذة. شوقية عروق منصور / فلسطين


كبرت الطفلة الفيتنامية “كيم فوك” وأصبحت امرأة في الخامسة والخمسين، ولكن الصورة بقيت تهز ضمير العالم، صورة سقطت من بناية العنجهية البشرية القتالية إلى أرض القتال والحروب، فجاءت صورة الطفلة “كيم فوك” مهرولة حين كانت في التاسعة من عمرها، ووجدت نفسها ضحية لقنابل النابالم التي ألقيت على قريتها عام 1972 من طائرة فيتنامية جنوبية لاعتقادها أن سكان القرية يأوون قوات تابعة لفيتنام الشمالية.
حازت صورة الفتاة “كيم فوك” وهي تركض هاربة، عارية، باكية، تعاني من وجع الاحتراق، على بكاء وشفقة وتضامن الملايين من البشر، والصحفي “نيك أوت” الذي التقط الصورة حصل على جائزة “بوليتزر” عام 1973 وهي أعلى جائزة لأفضل صورة.
الفتاة الفيتنامية التي كبرت تحتفل هذه الأيام بهذه الصورة وقد دعيت إلى ندوات ومحافل دولية للتحدث عن هذا الحدث الصعب الذي مرت به، وعن مساعدة الصحفي الذي نشر صورتها وأيضاً ساعدها في الوصول إلى المستشفى للعلاج.
جميل أن يتضامن العالم ويبكي ويقف ضد الحروب ويحتفل بالذكريات المؤلمة حتى تكون عبرة ودروساً للبشرية، ولكن الاحتفال بهذه الصورة الفيتنامية جعلتني أغار وأحسد تلك اللحظة التي سجلتها الكاميرا، بينما عندنا مئات الشهداء، نساء وأطفال ورجال وشباب، قام الاحتلال بقتلهم وسحلهم والتخلص منهم بسياسة الاغتيالات أو القنص لكن للأسف كانوا بعيدين على الكاميرات ونذكر رئيس الوزراء السابق “شامير” حين قال “اقتلوا الفلسطينيين بعيداً عن الكاميرات”.
في عام 1967 -قبلها وبعدها- كم من القنابل أطلقتها إسرائيل على المدن المصرية، كلنا نذكر مدرسة “بحر البقر” المصرية حين استشهد طلاب المدرسة.
خلال لقائي مع الفنانة “نادية لطفي” جاءت بكيس كبير جداً وعندما أفرغته اكتشفت مئات الصور لأطفال فلسطينيين قتلوا أو أصيبت أجسادهم البريئة بتشوهات وذلك أثناء حصار بيروت عام 1982، فقد كانت الفنانة نادية لطفي شاهدة عيان من قلب الحصار، وكانت حاملة الكاميرا وتقوم بالتصوير، وقد أكدت لي أنها تريد تقديم الصور لجهة تستغلها وتنشرها ولكن لا أحد تقدم وماتت نادية لطفي ولا أعرف ماذا حصل لتلك الصور.
في احتفال الطفلة الفيتنامية “كيم فوك” تذكرت الكثير من النساء الفلسطينيات اللواتي لا أحد يتذكرهن رغم استشهادهن، تذكرت المقاتلة “حلوة زيدان” ابنة دير ياسين حين دافعت مع الرجال في 9 نيسان عام 1948 عن قريتها “دير ياسين” بعد أن اقتحمت العصابات الصهيونية القرية وأمطرت القرية بالقنابل والرصاص وفجرت البيوت وارتكبت أفظع الجرائم، فاستشهد زوجها محمد الحاج عايش، فأخذ ابنه البندقية فدافع حتى قُتل فقامت الوالدة “حلوة” وحملت البندقية وقتلت 6 أفراد من العصابات وبقيت تقاتل حتى استشهدت -لا أحد يذكر هذه المرأة-.
الأرشيف متخم بالأسماء الفلسطينية والعربية التي كانت لحظة مقتلها أو معاناتها أصعب من معاناة “المرأة الفيتنامية” ومن هنا دعوة لفتح البومات الصور.. ليعرفوا أننا نملك مئات الأسماء النسائية التي احترقت وقتلت وعانت وسجنت، وقصة الأسيرة “اسراء الجعابيص من جبل المكبر – القدس” التي تعاني يومياً وكل لحظة من الحروق في جسدها، وتحولت من امرأة جميلة إلى كتلة من الجلد الذائب المشوه، وأصبحت “موناليزا فلسطين” أكبر حكاية من حكايات الاحتلال بألف ليلة وليلة.

ذة. شوقية عروق منصور / فلسطين



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *