في الطريق إلى البحر / بقلم: ذ. محمد الكروي / المغرب


بعد تعبئة الكازوال، دارت عجلة الرحلة و هي تطلب نغما يؤنسها ووحشة الصمت يكسر… على تلاوة سورة يوسف ذات النفس القصصي الجميل، تاه الخيال بين أدغال الزمن و أغوار النفس البشرية التي يتنازعها خليط من الأحاسيس و المشاعر المتباينة… في تأمل هذه النفحات التفت أسبح فضاء بلادي/ المغرب، ذات السماء الزرقاء، و أسراب الطيور، و الأشجار الوارفة الظلال، و الأرض الخصبة الحمراء المزينة بخيوط كحلية عليها ذهابا و إيابا تتسابق السيارات، تتجمل جنبات الطريق السيار بحقول حنطة كمشتها المناجل حبا و تبنا، فغدت كوجه ولى ربيعه واصفر يخضوره حصيدة ترعى فيها المواشي، ريثما يتم قلبها و تشميس جوفها، استعدادا لموسم وافر العطاء… و استجابة لرغبات الروح، و تخفيفا من ثقل الانتظار، و لوكان بسيطا خفيفا، صدح عبد الحليم حافظ رائعته الخالدة: سواح، التي انتشى الكل مع كلماتها و ألحانها، و إن اختلفت الظروف و تفاوتت الأعمار و اختلفت الأذواق و انشغال الصغيرتين في لعبة الورق… و مرة أخرى انداح الخيال دروب الأمس القريب ذي الأسس العميقة/ نهر النيل و مكتبة الإسكندرية و الأهرامات، ليتوقف عند الثورة المنهجية لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، في سجالاته بشأن أمير الشعراء أحمد شوقي مع العصامي الأستاذ عباس محمود العقاد، و رفيقيه عبد القادر المازني و شكري و هم أعضاء في مدرسة الديوان، وفحوى الأخذ و الرد في هذا الموضوع، يعود أساسا إلى اختلاف الرؤى، بين المدرسة الكلاسيكية و المدرسة الفرنكفونية و المدرسة الأنجلوسكسونية… و تجدر الإشارة الى صاحب النظرات، الأديب المؤثر مصطفى لطفي المنفلوطي، ثم عند هرم الرواية العربية الأستاذ نجيب محفوظ في ثلاثيته الخالدة، و صاحب اصدارات المكتبة الشعبية المسرحية توفيق الحكيم، و السينما المصرية و المسلسلات التلفزيونية العميقة الأثر نظرا لتشابه الظروف، الى جانب جميل الأغاني في كلمها العذب و ألحانها الرقيقة… ليطفو على السطح الشاعر العربي الكبير صلاح عبد الصبور ذي الهامة القوية و الكلمة الشعرية الخفيفة العميقة و المسرحية الشعرية الوازنة… و لا أنسى تطلعي و انتظاري صدور مجلة فصول الغنية بالدراسات و المقالات و البحوث و بأعدادها الخاصة الغنية جدا حيث يمكن اختصارها في مكتبة صغيرة، نظرا لما تحبل به من مصادر و مراجع قيمة، الى جانب انتظار جريدة الأدب ذات المواضيع الشيقة و القصاصات الإخبارية الفنية.
بعد فترة قصيرة، يصدح ناظم الغزالي أغنيته العذبة المليحة المشهورة: طالعة من بيت ابوها، رايحة لبيت الجيران… إنه لصباح جميل ان تعيش لحظات ضمن هذه الاجواء الفنية الرائعة… إنه صباح مختلف جدا عن غيره من الصباحات المكرورة، صباح يشدو الراحة و المتعة التي تحفه من كل جانب… إلى بلاد الرافدين أخذتني الأغنية، فجلت سماءها و ارضها و نخيلها، هبة مياه نهري دجلة و الفرات، و حضارتها العميقة الجذور… فهذا الشاعر معروف الرصافي، الذي تجري كلماته على الألسن: ناموا ما فاز إلا النوم، ثم نهر العراق الثالث مهدي الجواهري في إبداعه و إنتاجه المتميزين اللذين أكسبا القصيدة العربية إضافات فنية هامة، و لهذا الأمر و لهذه المكانة العالية التي احتلها مهدي الجواهري في قلوب العراقيين و غيره من الشعوب العربية، و حتى لا يقضمه النسيان أحيل بيته متحفا مفتوحا أمام الزوار، و لابد لنفحات هذا البيت العطر و تموجات الخيال فيه، أن تفتق أزهارا جديدة تؤنس رحلة الزمن… ينتشلني يخضور بلادي من هذه الجهة أو تلك من هذا الزخم الأدبي لأعيش بين الاشجار المعانقة للغمام على ارضية ذات بنية تحتية حديثة من قناطر و جسور و في مقدمتها جسر محمد السادس مفخرة المغرب الجديد، و الطرق السيارة الهادئة المريحة ذات جنبات يخضورها يعانق الأفق الى جانب باحات الاستراحة المريحة…
ثم الشاعرة الناقدة نازك الملائكة و الشاعر بدر شاكر السياب و جدال من هو صاحب أول تجربة شعرية بخصوص القصيدة الحرة، المتمردة على القصيدة التقليدية، ذات الصدر و العجز… فالأساس كامن في التجربة و ما بعدها، أما السبق من هذه او هذا، مع استحضار قصر المدة الزمنية، فذلك أمر ثانوي… فالشاعر بدر شاكر السياب عاشق كبير لوطنه ،حيث كان يتغنى باسمه: العراق، العراق، و هو طريح فراش الاستشفاء في مدينة الضباب/ لندن، الشديدة البرد القارس مما جعله يستحضر دفء بلاده و تمنيه مغادرة مدينة الصخب ليل نهار، و أثناء عودته إلى بلاده، توقف في مدينة الأنوار بفرنسا، التي أوحت له باستحضار ليل بلاده الهادئ المقمر الجميل، و أثناء تواجده بالخليج كان يهفو الى قريته جيكور و نخيلها و إلى ابنه غيلان و أحضان حبيبته… يعتبر بدر شاكر السياب رائد القصيدة الحرة ذات الضفاف الواسعة: من رومانسية و واقعية و رمزية و توظيف الأسطورة خدمة لتراجيدية الوجود الانساني… ليس غريبا أن ينفجر مجرى القصيدة الحديثة في تلك الربوع، التي كنا نتتبع بعض أخبارها الفنية في مجلة الأقلام التي خصصت أحد أعدادها للمسرح المغربي .
يتبع…

ذ. محمد الكروي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *