استمرت في سيرها بطريق متعرج ينتهي إلى حزن دفين في بئر سحيق، صحبتها ذكريات طفولتها المؤلمة ووأدت طفولتها البريئة وأنوثتها الطاغية، كما فتكت بأحلام صباها وشبابها، القرية المتعتقة في الأيام الشريرة تضع عفتها بين فخذيها النحيلين وعورتها على شعرها الذي ضفرته الأم التي كانت تشتاق للإنجاب، هل سيأتي يوم وتكبر هذه الصغيرة وأراها عروسا بجانب رجل فتن بخلقها وحسن تربيتها وثقافتها وعلمها الغزير؟ كانت تسأل الأم في نفسها وهي تضفر جدائلها البنية بعد أن قامت بتصفيفها بعناية والاهتمام بالبحث عن حشرات الرأس، ومعلمة تتشح بالغم وتمسك بعصا تشيح بها في وجه كل التلاميذ وهي تصرخ كمن لدغها عقرب الزمن… كلمات حفظت حروفها و معناها: (العمل شرف) ثم تطلب منهم كتابة الدرس مرتين بينما تنغمس في قرطفة الملوخية، وبقال الجوار في دكانه الصغير الذي يتوسط حائطه الاية الكريمة من سورة النساء: ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” بينما هو الرجل عينه الذي يغش اللبن وميزان البقالة ويخفي بعض السلع ليبيعها في السوق السوداء، شريط سينمائي يدور بخيالها وهي تسير في صمت أليم، تتأرجح دمعتان ساخنتان بمقلتيها بينما تتذكر قسوة أبيها ورأيه في نسل البنات، ونظرة الأم بتدمر واشمئزاز من البنت الخامسة، ورغم أنها أنثى لكنها ناقمة على (خلفة البنات) التي لا تحمل معها إلا الهم إلى الممات، حتى عبادتها وطقوس صلواتها التي لا تعرف سببا لها، لمن تصلي؟ ذلك الإله الخفي الذي لا تراه ولا تعرف عنه إلا ما يقوله رجال الدين الذين ترى فيهم آلهة استووا على عروش الأفئدة في القرية الفقيرة، كيف أضعت سنوات من عمري هكذا في قبر مظلم يسمونه القرية وأشواك دامية تغمد أسنانها في قلوب العذارى يسمونها عادات وتقاليد؟ كيف قتلت أحلامي بيدي بعد أن قبلت الاكتفاء بالتعليم الأساسي وارتديت قناع العفة الشرفي؟ الكل هناك كانوا يرونني مثالا للعفة ومثلا أعلى للشرف والتباهي به فما هو هذا الشرف؟ وما هي تلك العفة وما هو السبيل للحفاظ عليهما؟ قد اتخذت قرار بوأدهما تحت قدمي كما حاولوا جميعهم وأدي وأنا كنت لا أزال في المهد…
تأبطته وتبعته إلى سيارته الفارهة.
ذ. مدحت ثروت / مصر

