القسم الأول
برولوغ
حسن السوسي…
اعلامي حقيقي زمن البهتان…
شاعر رأسماله هذه المكاشفات الشعرية والجمال الانساني… واعلامي يناصر قضايا الوطن…
عاشق لفلسطين…
صوت من لا صوت له…
الشيء الذي دفع الأديبة مليكة الجباري في التظهير الى القول: ((حسن السوسي شاعر كتب منذ نعومة أظفاره شعرا، ومقالات سياسية… بقي على العهد ولم يحد عن قيمه ولغته، رغم المدة التي قضاها في الغربة بلندن وباريس.
عرف كصحفي اعلامي محنك، ومحلل سياسي فطحل. دافع عن قضايا وطنه باستماتة نادرة، في العديد من المقالات السياسية التي نشرت له في صحف ومجلات عربية، وطنية وأجنبية…)).
وشاعرنا حسن السوسي يفتح كوة في جدار الأمل، فيعبر بلغة الشعر عن الياسمين والبياض، ويعبر عن الشعر بلغة بياض الياسمين..
سألنا الأديب والإعلامي حسن السوسي هل يجد نفسه في الشعر أو القصة أو الاعلام؟
فكان جوابه: ((الشعر بالنسبة لحظات متميزة تتخلل مسار الحياة ولا تعرف موعداً بعينه ولا تتقيد بإرادة، إنما هي تأتي هكذا فتنحو نحو تسجيلها بالطريقة المتاحة وفي لحظتها بالذات. أعتبر نفسي خارج المهنة وأضعها ضمن الهواية الضاغطة أحيانا. القصة بالنسبة لي هي ترجمة لمختلف مراحل الحياة الإنسانية. أحببت في صغري القصص القرآني وظل لهذا الحب قوته في دواخلي، لذلك أميل أحيانا إلى تسجيل الوقائع ضمن منظومة من التخيل الذي لا يتقيد بالوقائع بل يضفي عليها مسحة من الإبداع الضروري لمنحها حياتها الخاصة، الإعلام بالنسبة لي كان حلما لازمني منذ الصغر لست أدري لماذا لكن هذا واقع يعود إلى نهاية ستينيات القرن الماضي. ظروف الحياة الفعلية شدتني إلى الإعلام رغم تكويني الجامعي الفلسفي. باختصار حسن السوسي إعلامي مهنةً، يحب الشعر والآداب بصفة عامة ويقتحم ميادينها من حين لآخر على سبيل المحاولة والمتعة)).
وعن الشعراء والأدباء الذين أثروا في مسيرته الأدبية ، يقول: ((أنتمي إلى جيل قرأ الكثير من النصوص الأدبية والنقدية العربية وغير العربية. قرأت نجيب محفوظ كما قرأت إميل زولا، أحببت شعر المتنبي و البحتري و أبو تمام و ابن الرومي، كما أحببت فيكتور هوجو و بودلير و ابولينير و رامبو، لدي ميل كبير إلى محمود درويش و سميح القاسم و معين ابسيسو و نزار قباني، كما أحببت عمرو بن كلثوم و أبو نواس و أبو العتاهية… أنا مزيج من كل هذه القراءات التي لم أتوقف قط عن تذوقها، أقرأ أكثر مما أكتب ليس لأنني أتهيب الكتابة وإنما لأنني أعتقد أن الكتابة لا ينبغي أن تتجاوز لحظة إنصات لمن يكتبون أو كتبوا عن موهبة ومران…)).
1- ياسمين السيرة الذاتية
حسن السوسي…
من منطقة المغرب الشرقي…
حاصل على إجازة في الفلسفة …
مارس مهنة المتاعب (الصحافة) منذ مطلع الثمانينات…
مسؤول سابق بالقسم العربي لجريدة أنوال الأسبوعية لمدة ست سنوات …
كتب في عديد من الجرائد والمجلات المغربية والعربية (الاتحاد الاشتراكي ، السفير اللبنانية ، الحياة اللبنانية، الأهرام القاهرية…) .
مدير تحرير سابق لمجلة (الشعب العربي) في باريس.
قدم عدة برامج سياسية في شبكة الأخبار العربية لندن.
محلل سياسي في عدة قنوات فضائية (سكاي نيوز ، الغد ، الحوار ، المغاربية ، الحرة).
قناته في اليوتوب تعرف التفاعل والانتشار …
له ديوان شعري بعنوان ( روح الياسمين) .
من مشاريعه القادمة:
(كتاب حول القضية الوطنية .
كتاب حول الثقافة السياسية.
كتاب حول الممارسة السياسية).
2- ياسمين الاهداء
هو اهداء بطعم المحبة والاعتراف (الزوجة والابناء) بسبب تحملهم غربته عن الوطن والعيش بعيدا :
((الى زوجتي رقية،
الى أبنائي سميح ، سلمى ، شادي ونزار الذين تحملوا الغربة عن الوطن وغربتي الخاصة، في الزمان والمكان …
لكم حبي ، واليكم اعتذاري عن كل ما تسببت فيه من معاناة إضافية لكم ، حقيقة ، ولو دون قصد . (الصفحة 3).))
وطعم الغربة مرير ، وهذه الشاعرة الفلسطينية (انتصار الدنان) المغتربة في لبنان تشتكي من الغربة وتقول في قصيدة (غرباء نرحل):
(غرباء نرحل دون عنوان
خاوية قبورنا باردة….
ملّت أجسادهم الانتظار…
سفينة العمر ترحل
والجسد يشتهي طعم التراب
تراب الوطن.)
والأديب حسن السوسي يحس بوجع الغربة والبعد، فكان اهداؤه لعائلته الصغيرة التي تحملت بعده وحنينها وشوقها له.
3- ياسمين العنوان
لقد اختار الأستاذ حسن السوسي (روح الياسمين) عنوانا لديوانه للأسباب التالية: (اخترت هذا العنوان لأمرين: أولهما كون هذا النص مركزيا ضمن المجموعة، لذلك كان ضروريا إبرازه عنوانا دالاً، الثاني: لأن الياسمين بالنسبة لي أمل دائم لأن عبقه لا يعرف الحدود ويخترق كل تخوم المكان والزمان. ولأن داخل المجموعة نصوصا تنضح بالألم أحيانا فلست أريدها أن تكون دليلي إلى الحياة كما لا أريدها أن تكون كذلك لغيري من الذين يقرأون تلك النصوص…).
وللأستاذ حسن السوسي حكاية مع الياسمين كالتالي: (حكاية إنسان مع الطبيعة ومفاتنها أولا، وحكاية إنسان تلقى كثيرً باقات ياسمين ضمن بيئة تحتفي بالياسمين باعتباره رمز الحب في لونه وفي عبيره على السواء…).
وفي هذا السياق هناك أسطورة يونانية قديمة تدور حول البياض والياسمين، ملخصها أن عاشقين افترقا، فهامت العاشقة بين الكواكب تشكي لها لواعجها، وكان العاشق يتبعها من كوكب لآخر بحثا عنها، وعندما وصلت العاشقة الغاضبة كوكب الأرض، بكت، فكانت تنبت زهرة بيضاء مكان كل دمعة، حتى امتلأت الأرض بالزهور البيضاء، ثم غادرت الأرض، فوصل حبيبها الى الأرض، ليستنتج بأن حبيبته مرت من الأرض، فكان يعانق الزهور، وكلما قبض على زهرة الا وانحنت له، فيضع عليها علامة ومن تم يتغير لونها، وهكذا، ووصل زهرة الياسمين فأبت الانحناء له وحافظت على لونها الأبيض الى الآن… والعبرة أن من ينحني يسهل تغييرة وتشكيله، ومن يرفض الانحناء يبقى أبيضا شامخا وعزيزا…
وتقول الأديبة المغربية مليكة الجباري في ظهر ديوان (روح الياسمين): ((للياسمين روح تحرر فيه الشاعر (تقصد حسن السوسي) من قيود السياسة ليضيء عوالمنا بلغة مجازية. أحيا فيها الزمن، وأشعل في دواخلها الحياة، ليهدينا باقة شعر واكليل عطر، تطرد الضجيج القابع خلفنا…)).
وجاء في موسوعة (ويكيبيديا) في مقال بعنوان (ياسمين) ما يلي:
((وقد تغنّى الشعراء بالياسمين وغنوا له، وتدلّى على شرفات المنازل وغطّى أدراج البيوت ومداخلها وعتباتها، وفي مدينة دمشق عطّرت رائحة الياسمين المساءات والأزقة والأفق الواسع حتى عُرفت بمدينة الياسمين، وبدت كما يصفها الشاعر الأندلسي (ابن البار):
(فتلـك عروش الياسمـين وزهـره كزهر النجوم وسط أفلاكها تبدو)
ولعل أكثر من تغنى بـياسمين دمشق وبياضه الناصع الشاعر (نزار قباني) الذي أهدته دمشق (أبجدية الياسمين) حسب تعبيره، وحكاية نزار قباني مع الياسمينة الدمشقية بدأت منذ فتح عينيه على هذه الحياة لأول مرة، ترعرع في ظلها لتصبح جزءاً من حياته وتفكيره وشعره ونثره، فالياسمينة الدمشقية موجودة في الكثير من قصائد نزار قباني. وأظهر تعلقه الشديد بها حتى أواخر حياته حينما كان يوصي ويصر على أن يُدفن في التراب نفسه الذي نبتت فيه حبيبته ياسمينة دمشق، حيث قال: (إنني أرغب في أن ينقل جثماني بعد وفاتي إلى دمشق ويدفن فيها في مقبرة الأهل لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين)..
أما الشاعر محمود درويش فيقول في قصيدته “في الشام” بمجموعته (لا تعتذر عما فعلت): (في الشام، أعرف من أنا وسط الزحام، يدلّني قمر تلألأ في يد امرأة عليّ، يدلّني حجر توضأ في دموع الياسمينة ثم نام).
وفي ما مضى “أبو البقاء عبد الله البدري“، عالم من القرن التاسع الهجري، ذكر في كتابه (نزهة الأنام في محاسن الشام): أن من محاسن الشام (الحواكير) وهي كالحدائق في سفح جبل قاسيون، زُرعت بالرياحين والياسمين والأزهار المتنوعة ليحمل منها النسيم العابر طيب الريح، ويسري به إلى أماكن أخرى من المدينة… . ويكيبيديا )) .
وعن أهمية الزهور وضمنها الياسمين، في مقال له بعنوان (أساطير الزهور .. لغة رمزية ومفردات برائحة الأزل)، يقول عبدالقادر طافش:
(( يقول المثل الصيني: “إذا كان لديك رغيفان فبع أحدهما واشتر بثمنه زهرة، فإذا كان الخبز غذاء للجسد فالزهر غذاء للروح …))
ويواصل : ((علاقة الزهور بالأساطير علاقة قديمة قدم الإنسان نفسه، ففي الثقافات القديمة ارتبطت الأزهار بالرموز ارتباطاً وثيقاً فكان زهر الغار رمزاً للنصر، والزيتون رمزاً للسلام، وزهرة الشوك رمزاً للآلام في أقسى صورها، وزهرة الياسمين غدت رمزاً للطهارة لارتباطها بأم السيد المسيح مريم العذراء عليها السلام.))
والجدير بالذكر أن لفظ الياسمين جاءت في عدة عناوين لمجموعات شعرية وقصصية وغيرها، نذكر منها على سبيل الحصر:
(موسم الهجرة الى الياسمين) لمعتز هاني (وهي مجموعة قصصية)
(أبجدية الياسمين لنزار قباني) (وهو ديوان شعري)
(سفر الياسمين) لعلي الشوابكة (وهو ديوان شعري)
(بانتظار الياسمين) لسمير حسين (وهو مسلسل تلفزيوني)
(دموع الياسمين) لمحمد القاطوف (وهو ديوان شعري)
(سيدة الياسمين) لمحمد محضار (وهو ديوان شعري)
(وعد الياسمين) لرابح فيلالي ( وهي رواية)
(فراشات بعطر الياسمين) للقاص محمد أبوناصر (وهي مجموعة قصصية)
(شجرة الياسمين) لغسان سعود (وهي رواية)
(أحلام الياسمين) لأمجاد الأسدي (وهي رواية)
(غصن الياسمين) لمهند التكريتي (وهي مجموعة قصص قصيرة)
القسم الثاني
1- عبق الياسمين
يحضر الياسمين رمزا للوجود والطهارة وتحدي الغربة لدى محمود درويش الذي يقول
في قصيدة (ليل يفيض من الجسد):
(ياسمين على ليل تموز، أغنية
لغريبين يلتقيان على شارع
لا يؤدى الى هدف …
من أنا بعد عينين لوزيتين؟ يقول الغريب
من أنا بعد منفاك في؟ تقول الغريبة.
اذن حسنا، فلنكن حذرين لئلا
نحرك ملح البحار القديمة في جسد يتذكر…)
ويواصل محمود درويش في نفس القصيدة مخاطبة الياسمين :
(يا سيدي؟ هل لدينا من العدل ما سوف
يكفينا ليجعلنا عادلين غدا؟
كيف أشفى من الياسمين غدا؟… )
ويتابع بوح العاشقين للياسمين :
(هكذا يترك العاشقين وداعهما
فوضويا، كرائحة الياسمين على ليل تموز …
في كل تموز يحملني الياسمين الى
شارع لا يؤدى الى هدف،
بيد أني أتابع أغنيتي :
ياسمين على أغنية تموز)
والملاحظ أن الشاعر حسن السوسي وظف الياسمين في عدة قصائد)، ففي قصيدة (للياسمين روح)، تبتدئ كل المقاطع بالياسمين:
(للياسمين روح
يذكي روح اللواعج
الحرى… الصفحة 9)
و :
(بلسم هو
ياسمين الصباح
لسهاد تملك
ليال
كأبد الدهور… الصفحة 10)
و :
(بلسم
هو الياسمين
لكلام باهت
عن لحظات الاندمال… الصفحة 11)
و :
(نور
هو ياسمين الفجر
يخترق عتمة
غيوم الأيام… الصفحة 12)
و :
(للياسمين روح
الصباحات… الصفحة 13)
و :
(للياسمين طعم
التواطؤ الجميل
بين حقيقة الوجد
وسورة التمنع… الصفحة 14)
و :
(للياسمين
لحن انقياد الروح… الصفحة 15)
و :
(للياسمين
لون تباريح
نهاية تشابك
الألوان… الصفحة 16)
و :
(للياسمين
همسة البوح
الضالع في سويداء
قلب
أثخنته سهام
نافذة الحد… الصفحة 17)
و :
(للياسمين لغة
روحها
ختل
الروح آسرة
الأسرار
للياسمين
فتنة مخضبة… الصفحة 18 و 19)
وسار الشاعر حسن السوسي على هذا المنوال في المقاطع السبع المتبقية من القصيدة …
يناجي ياسمينه في قصيدة (سدول الوهم) ، فيقول :
(أحيى ياسمين الليل
لواعج ياسمين
الفجر… الصفحة 37 )
بينما يتحول الياسمين الى زنبقة يفوح عبيرها في قصيدة (مقلة السريرة) :
(تتهادى زنبقة
الفجر
في حقل
الورود
يخفرها رحيق
البراعم الندية… الصفحة 59)
وها هو الياسمين يكتسي عطر المروج ، فيصدح شاعرنا في قصيدة (عطر المروج) :
(عطر ، عطر ، عطر
فاح
ملء السماء.
عطر المروج
فاح ، فجرا
في كبرياء… الصفحة 126)
2- عبق الحنين
يقول إبراهيم ناجي في قصيدة (الحنين) :
((أمسى يعذبني ويضنيني
شوقٌ طغى طغيانَ مجنون
أين الشفاء ولمَ يعد بيدي
إلاَّ أضاليلٌ تداويني
أبغي الهدوء ولا هدوء وفي
صدري عبابٌ غير مأمون
يهتاج إن لَجَّ الحنين به
ويئن فيه أنينَ مطعون
ويظل يضرب في أضالعه
وكأنها قضبان مسجون))
ويواصل إبراهيم ناجي في نفس القصيدة :
((ويحَ الحنين وما يجرعني
من مُرِّه ويبيت يسقيني
ربيتُه طفلاً بذلتُ له
ما شاء من خفضٍ ومن لينِ
فاليوم لمّا اشتدّ ساعدُه
وربا كنوارِ البساتينِ
لَم يرضَ غير شبيبتي ودمي
زاداً يعيشُ به ويفنيني
كم ليلةٍ ليلاءَ لازمني
لا يرتضي خلاً له دوني
ألفي له همساً يخاطبني
وأرى له ظلاً يماشيني
متنفساً لهباً يهبُّ على
وجهي كأنفاسِ البراكينِ
ويضمُنا الليلُ العظيمُ وما
كالليلِ مأوى للمساكينِ))
وحنين شاعرنا حسن السوسي ذو شجون ، فهو يفتح كتاب الذكريات في قصيدة (ملحمة الذكرى)، ويقول بحزن:
(من غياهب الذكرى
تخفق اللواعج بالحب الأبدي
من شرايين الذكرى
تحتدم الهواجس
في بؤرة الوجد
جارفة كدر السنين
عن أديم التجلي
وآلام التوغل
في جروح المدى… الصفحة 44)
وبلغة التمني والحسرة :
(ود لو تمادى الحنين
في عصيانه العنيد
خدعة السراب
في فيافي العمر
ود لو عادت الذكرى
الى غيبتها الحميمية
تجلو عنها سجف العتمة… الصفحة 47)
ويواصل :
(ود لو تخفره السنون
في مسيرة التوجس
عبر مفازات
يعوي في فراغها
أزيز القيظ ولهاث الذئاب
لم يطرقها رحيل الأرق
في ليلة العمر
لم تطمثها
قبل أنفاسه الحرى المتوسلة
سدوم الترحال . الصفحة 48)
يقول في قصيدة (تألق الصدى) :
(هو الحنين
الى المرابع
الأولى
هو النهل
من المنابع
الأولى؟… الصفحة 54 و 55)
وكذلك :
(هو الحنين
الى
منبع المرابع
الأولى؟
هو رواية
صبابة
رحلة الصدى
وترانيم التجلي
حفريات الألم
دهاليز اللذات
لهب
شرارة البدء
حرارة الذكرى
وتألق الصدى
في دروب
الحنين… الصفحة 58)
يعود لنوستالجيا الوطن في قصيدة (حبلى هذه الديار) :
(أشجار الصنوبر
فيك للنسور
مرافئ
وقلبي
أيتها النسور المحلقة
الريف
الأطلسان
شلال دمنا
المسفوح
بعطر السفوح… 140 و 141)
ويختم قصيدته قائلا :
(تعالى النشيد :
مرحى بالريف
مرحى بالأطلسيين
مرحى بالهدير. الصفحة 144)
3- عبق الجنون والحلم
عبق الجنون
يقول نزار قباني في قصيدة (القصيدة تولد من أصابعها) :
((
3
ولدتُ في برج الحمل .
برج المجانين الذين قرروا
أن يسرقوا من السماء النار …
4
خرجتُ من محارتي
مضرجاً كالسمكة ..
وفي يدي طبشورة تبحث عن جدار..))
ويواصل نزار قباني لعبة الجنون والتمرد في نفس القصيدة :
((
5
هواية التكسير ..
كانت مهنتي .
وشهوة الخروج من
عباءة الأخوال و الأعمام …
6
يوم اشتروا لي قلماً .. ودفتراً
قررت أن أكون من عائلة البروق ..
لا عائلة الأحجار..))
ويمشي الشاعر حسن السوسي على نفس خط الجنون في قصيدته (عقل الجنون):
(قيس عاقل،
لا مجنون سواي.
ليلى تقفو أثر العشق
توقد جذوته
في الأعماق . الصفحة 27)
وكذلك :
(لا مجنون سواي.
أسامر ليلي طلاسم
بوح ليس مثل البوح
أفك شفرة الصمت،
أقرأ اللاحروف المنقوشة
على شغاف قلب الذكرى
أعيد الكرة
تلو أختها
صبحي وأصيلي… الصفحة 28)
ويواصل :
(لا مجنون سواي
لا عقل
يدلني على جنوني… الصفحة 29)
ويتساءل :
(فكيف أدرك جنوني كنه الجنون
وكيف أزعم يتم جنوني
وأن لا مجنون سواي. الصفحة 29)
ويختم جنونه قائلا :
(ليلى عقل اللواعج
وقيس سادر في لجة عقل الجنون… الصفحة 29)
في قصيدة (مناجاة مختلسة)، يكون الجنون بطعم الرغبات:
(رونق خاص
همس دافئ
عتاب مضمر
عن الغياب الحاضر
تسمو في أفق الضياء
تعامق سورة النجوم
الرافلة في حلل
موشاة بنور
الرغبات المؤجلة
رغبات الجنون
اليقظ
رغبات جنون
الجنون … الصفحة 71)
عبق الحلم
يقول أدونيس في قصيدة (حلم):
(غبْتَ ، اختفَيْتَ؟ عرفتُ أنكَ سائحٌ
شرَراً ولؤلؤةٌ وموجَ غواية
تمضي تعودُ مع الفصولْ
ورأيتُ نارك في الحقولْ
عيناك أجنحةٌ ووجهك طالعٌ
كالأفقِ، يكتنزُ الشموس، ويغسلُ الأرضَ الكئيبه
غبتَ، اختفيتَ؟ رأيتُ وجهكَ في الحقولْ
ماءٌ يسافر في الجذور إلى مدائنه الغريبَهْ
في العشب، في نَهَرِ الفصولْ.)
في قصيدة (رعشة قوس قزح) ، يأتي الحلم على الشكل التالي:
(داعب نسيم الفجر وجنة البراءة باستحياء
ارتاد الحلم باحة الأفق البلورية
داهمت البسمة
برفق
ثغر الأمل
فانفرجت
بلطف
أسارير الزمن
الآتي مع خيوط النور المتناسلة
تيارا هادرا… الصفحة 30)
4- عبق الحياة
الذات الشاعرة متشبثة بالحياة ، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس ، وهذا ما نجده في قصيدة (سر الولع بالحياة):
أذاع سر الولع
بالحياة
منذ أنفاسه
الأولى
صرخ في وجه
الديجور
قبل انكشاف
معالم الوهن
في رحلة عمر… الصفحة 62)
يقول الشاعر عبد اللطيف اللعبي في استجواب مع جريدة (القدس العربي):
((تعتبر القارة الإنسانية منطقة استكشاف دائم للقصيدة، والأخيرة «سفر غاية مركز الإنسان»، كما كتبت في مكان ما. إذن، نسافر وشعراء آخرين، نحو الأكثر صميمية لهذا «المخلوق الغريب» الذي تحدث عنه أخي الأكبر التركي ناظم حكمت. إننا مدركون، للمخاطر التي تحيط بسفرنا هذا. لذلك تخلى بعضنا عن منطقه بل وجلده. يرتكز عملنا على سهر دائم، وتعبئة مستمرة لما يمتلكه الإنسان قياسا إلى الكائنات والأشياء التي يتقاسم معها هذا العالم: الوعي، ومن ثمة، الذهول، الاستفهام، الإحساس الجمالي، الرغبة، الحب، شيطان المعرفة، الشعور بالتناهي، وأحيانا السخط، والشفقة، باختصار، كل هذه المقومات التي ينبغي التذكير بأنها تقريبا محرك الحياة الصحيحة. إذا اقتضى الأمر صيغة أخرى من أجل اختزال ما تمثله القصيدة بالنسبة إلي، فأقول بأنها تحريض على الحياة!))
والحياة عشق، والذات العاشقة في قصيدة (وتنصهر اللحظات في اللحظات)، تبوح:
(وميض عينيك
يسرق لبي
يسرح في فضاءات
العشق
وأظل أرشف الرضاب
ولا أرتوي
من المعين الزلال… الصفحة 90)
فيكون التشبث بالحلم والحياة رغم أهوال الاعتقال السياسي:
(وكل صباح
نستقبل الأمل المتوجس
نلامس الأفق
نستقبل الحزن المفعم
وتنصهر اللحظات
في اللحظات… الصفحة 100)
والحياة أغنية وعشق، لهذا يقول في قصيدة (زهو أنيق) :
(أقبلت
تشدو لحن النسائم الصباحية .
تمعن
في ذكر صبابات
أفلت في غنائية
مرحة… الصفحة 132)
ويواصل
(لا وقت للحزن،
لا أمل لليأس… الصفحة 133)
5- عبق القيم والمبادئ
ويمكن تلخيص قصيدته (صرخة موؤودة) في العنوان التالي: ( فراشات المقاومة والانتصار والابداع تحلق في سماء فلسطين)، ولنواصل تحليل هذه القصيدة:
صباح مغاير: فراشات الثورة
يقول محمود درويش :
(أَثرُ الفراشة لا يُرَى
أُثرُ الفراشة لا يزولُ!)
وأثر الصباح عند حسن السوسي لا يزول ، لأنه صباح مختلف… صباح استثنائي :
(هو صباح ثائر…
هو صباح مغاير…)
هو صباح يبتدئ بالثورة ومواجهة الصهاينة بعزيمة حب الأرض :
(صباح ليس ككل
صباح
صباح صرخة
موؤودة في صخب
النواح)
هو صباح الصرخات من آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات، حبا في فلسطين وتشبتا بالأرض…
فلسطين: فراشات الوجود
هي فلسطين الأرض، أرض الأنبياء والصمود والمحبة، ويصدح حسن السوسي قائلا:
(من عمق أرض النبوءات
فلسطين
فلسطين الشهيدة
تنشد العودة
على جسر فلذات
الأكباد)
رغم الأسلاك الشائكة والحصار والقتل والتهجير، ففلسطين في قلب الشاعر:
(وأسلاك العار
مغتالة
الخصب في
فلسطين
تروم اجتثاث السنديانة
من جذورها
غدرا)
مقاومة الحصار: حتما ستطير الفراشات
يقول محمود درويش في (حضرة الغياب):
(الفراشات هي الذكريات
لمن يتقنون الغناء قرب
نبع الماء)
فتصبح الفراشات الباحثة عن التوهج والضوء هي أمل العودة والخروج من الشتات والتشبث بالحياة:
(صرخة فتى مفجوع
يرقب عودة
أب بلا عودة
قضى
بلا رحمة
على حاجز هنا
في نفق هناك
على طريق هنا
في حقل هناك
صرخة الأرض المسلوبة
تنشد الانعتاق من أسر
الحيف وسطوة الحقد
وجدران الضغينة)
فراشات النصر
هي فراشات عاشت محن فلسطين، ولم تمت فلسطين رغم الشهداء والجراح:
(يتساقط الشهداء تلو الشهداء رافعين
شارات الانتصار
وألوية النصر الآتي
تحت أزيز الرصاص)
ورغم كل الآلام والجراح، فالأمل يبقى حيا عبر صمود الأمهات المقاومات:
(تزغرد الأمهات رغم الجراح
كناية على الأمل المفتوح
على بوابات المستقبل
زغرودة الألم المكظوم
يقض مضاجع الاحتلال
يوقظ في أعماقه رهاب المستقبل
وظلام الغايات والمصير)
في قصيدة (شغاف القلب) الممتلئة بالحياة، يلتجئ الشاعر حسن السوسي لتقنية الحوار المسرحي، فيكون الحوار بين ذاتين تتبادلان وتتقاسمان المعاناة والتمرد وروح الحياة:
(قال: ما أنت
غير قلعة للذوذ
عن قيم
الثريا والسمو
ترفعين الى العلا
أمجاد قوم
في زمن
عزت فيه
الأمجاد
وتنازل عن
العلا
من كانوا
يرتعون في القمم
الشاهقة
ذات زمان
ما عادوا يأبهون
بالأفق
ما عادوا يقرئون
الكرامات السلام… الصفحة 150)
وكذلك :
(قال : فماذا يضير السمو
في شموخه
ان استمرأ الأوضاع
أوحال مستنقعات
الأوضاع؟
في زمن الانكسار
ومقاومة وهدة
الانحدار .
ماذا يضير القمم
في شموخها العنيد
الأبدي؟… الصفحة 151)
فيكون الجواب :
(قالت : أنا شغاف
القلب
لا أعرف الزيف
لا أعشق البدائل
المزيفة
صباح مساء
في قوافل اليأس تنشد
الخلاص… الصفحة 154)
وختام الجواب الشافي هو :
(قال: شغاف القلب
أنت منذ الأزل
بريق منك
يرسم صوى
على طريق كل
مسافر
في الزمان والمكان
ما زاغ عن السبيل
سار يقفو أثر صوى
موشومة على أديم
محجة عمدتها
خطواتك
وعطرتها
أنفاسك الموغلة
في الحضور
وفي الحبور. الصفحة 156)
خاتمة بطعم انتصار الياسمين
يقول محمود في قصيدة (أثر الفراشات):
(أثر الفراشة لا يُرى
أثر الفراشة لا يزول
هو جاذبيّة غامض
يستدرج المعنى
ويرحل حين يتّضح السبيل
هو خفّة الأبديّ في اليوميّ
أشواق إلى أعلى
وإشراق جميل
هو شامة في الضوء تومئ
حين يرشدنا إلى الكلمات
باطننا الدليل
هو مثل أغنية تحاول أن تقول
وتكتفي بالاقتباس من الظلال
ولا تقول !)
ومع ديوان الشاعر حسن السوسي (روح الياسمين) ، نقتبس كلام محمود درويش ونقول للإعلامي والأديب حسن السوسي:
أثر قصائدك لا يزول …
قصائدك جاذبية نحو فلسطين الثورة …
قصائدك أشواق واشراق جميل…
قصائدك شامة نابعة من القلب …
وقصائدك مفعمة بالياسمين …