إستقراء الأنساق في سياقات وأسانيد التعاضد في رواية “نسوة روميل” للروائية الجزائرية فاطمة حفيظ.. بين الإعارة والاستعارة / بقلم: ذ. أحمد ختاوي / الجزائر


ذ. فاطمة حفيظ

لعل تغيبب المصطلح أو المفهوم الاصطلاحي المثقل بالنظريات عنوة -في تصوري- في هكذا حالة نفسية وشعورية، ارتدادية، فلسفية وفرادة مائزة في رواية “نسوة روميل” حالة اسثنائية، فبقدر ما يقول قائل أنها عملية اشتغال خارج المنهج ومنهجته، أو “رسكلة المبنى والقراءة معا، فهو -في اعتقادي- شك باطل على لسان الفقهاء، حيث بالعكس يفسح -هذا التغييب- المجال مطلقا لتبرير وقوف من هكذا دلالة ومناح إستظلالية ينطلق من وعي الناقد ذاته كمنطلق سلوكي يؤهل صاحبه إلى امتلاك ناصية “القول” عكس ما يُتوقع عند المكبل بالنظريات، سواء كان ناقدا ضليعا في شؤون النظريات النقدية أو قارئا –انطباعيا- عاديا.. وذلك عند وقوف هذا الأخير حيال هذا العمل “نسوة روميل”، حتى لا أقول يفقده موازين الاتزان عند الإقدام عند هذا العمل “نسوة روميل” وهو مكبل بنظريات المنظرين في النقد.. سرعان ما يرتطم بتجريد ورائيات الاستعذاب من نخوتها الإستيطيقية..

ورائيات العذوبة في استعذاب النص مساءلة جدية في غور ممكن، بصرف النظر عن توطين المصطلح النقدي كمفهوم لدائرة الأنساق وجعله إحدى المرتكزات والنقاط المفصلية في نجاح عمل من عدمه، سواء كان نثرا، شعرا أو رواية.. وهنا تدخل عملية التخلي عن المتعة المعرفية..

الاستعذاب و عملية إدهاش وإرهاق ذائقة المتلقي عملية حساسة ومعقدة وسلسة في ذات الأوان.

وقد أورد مثالا، ولعل قائلا يقول أن هذا خاص بجانب المتعة أو هذا الاستمتاع يقتصر على شريحة جماهيرية لا تملك وعي الدلالة أو لا تتحرك مشاعرها إلا للطرب والفن أو الرياضة جاءت للترفيه وتمضية الوقت ووأده بأي حال من الأحوال..

أسوق ها هنا “الجمهرة” بين السعي إلى الإمتاع وصلة هذا الشغب أو الإنصات إليه. هذه الهوة الغائرة في تصوري في سياقات ما قد اصطلح عليه بعد إذنكم

نخوة التشيؤ..

ماذا نجني أو نستفيد –جماليا- مثلا- من مثل هذا التعرف لإبن جني على سبيل المثال المثقل بقحط الاستيطيقيا أو الجمالية

ولو كان تعريفا في مفهومه الاستهلاكي تعريفيا، قوله:

حين يعرف الكلام بأنه “كل لفظ بنفسه مستقل”، مفيد لمعانه

ولا أريد أن أخوص في مصطلحات “التنهيج” الممنهج أو المنهجية وتوابع هذا اللغط في تعريفها الغير مؤسس.. فقط من أجل “منهجة المناهج” لا غير على حساب ما ورائية النسج الجمالي الواعي، حتى اللغوي منه..

صوت الدلالة وتدليلها وتفكيكها وجعلها بناء معماريا لا تسوقه الرياح ولو كانت هوجاء، يقتضي إذكاء القدرات من مفعول إلى مفعّل وهذا ما تختزنه استنباطات “نسوة روميل” في المخيال ونتاجات العقل.. في نسق تفاعلي..

قد ندخل دهاليز كثيرة وليس هذا مقامنا.

بين النسيج العمراني للنص ومتلقيه سواء كان يٌحسب على دوائر “متلق” قارئ، جمهور، لا يهم، ما يهم أن يستقطب ذات المعمار الهندسي للنص “جاذبية المتلقي” ويتقاطع معه، وهذا ما هو متوفر سردا في ذات الرواية.

نظريات الشكلانيين الروس، أو باشلار، أو ثلاثية “رولان بارت” وغيرهم

هؤلاء عبدوا الطريق للتنظير

أما جمالية الاستعذاب “فيعبدها النص المنصوص عليه في قوانين الذائقة مهما كانت رتبتها المعرفية”، يكفي أن تتهجى الحروف

وهذا ما تستعيره الروائية الشابة عمريا، فاطمة حفيظ من مواليد 1993 في روايتها “نسوة روميل” لتدحض ما سلف ذكره..



النطق بالأنساق في الخطاب في ذات الرواية وأنا أنهي قراءتها كقارئ بسيط كانت بمثابة “مطرقة القاضي في جلسة محاكمة”،

أجل كانت ذلك، حيث جعلت مني متلصصا على شخوصها “الوليد”: الطبيب عبدي، السجين الأعرج.. بقية السجناء والمقهى والملعب البلدي وغيرها من المحطات التداولية..

وكل الشخوص الثانوية والرئيسية، فجعلت مني قارئا ينهل ويصغي قسرا بحكم الإعجاب لأنات الوليد

فرفعتْ من منسوب تحصيلي المعرفي بتضمينها سردا غير مكشوف أو مفصول عن العملية التعاضدية، الكاملة والمؤسسة لبناء معماري تسريدي متزن ووفق أسانيد جمالية غير جافة مثل ما هو الحال عند ابن جني وإن كان تعريفه مشفوعا بزمكانية الإعتقاد بأنه “حتمية معرفية” هي الأخرى ربما يراد لها وبها أن تكون مطرقة لقاض عندما يزمجر أعلى المنصة، فتخرّ الرقاب وهو يدلل ويعلل مفهومه بأن مطرقته “حتما” تنطلق وتقول للعامة “اصمتوا”

أو كما رؤوس المتفرجين الألمان وغيرهم عند المسرحي الألماني: بريخت.

عندما يشع الإعجاب في الجمهور، فلا التمائم تجديه عن سحرة الشياطين أو غيرهم

وحده الاستقطاب الجمالي يسوق هذا الجمهور إلى الانصياع إلى إعارة الخيال جدواه للمخيال وفق نظم ترتيبية.

إن كان ميشال فوكو في الفكر الغربي هو أول من أوّل أسس نظرية وصف المقال ككيان مستقل وعوالم المنطوقات

-يطول بنا الحديث وليس أيضا مقامنا، هي إشارة فقط للربط بين استطيقيا التسريد بوعي لغوي وقحط ذات الانفعالي السردي أو فتوره كما عند جرجي زيدان على سبيل المثال ولا الحصر. أو فتوره أيضا

وما تلاه في الرواية الكلاسيكية وغيرهم حتى لدى المحدثين والحداثيين، فإن الروائية فاطمة حفيظ أسست لزمرة من المفاهيم الحكائية بعد ألان روب غرينيه رائد الرواية الجديدة..

الروائية فاطمة حفيظ تتقاطع أحيانا في بعض الروافد مع فوكو في فهمه وتوظيفه للمنطوق في تفكيك بنيوية ونواة المنطوقات حتى الجامدة منها..

كأبسط أجزاء لخطاب قد يٌفعّل لاحقا في مشهد فصل لاحق من ذات الرواية “نسوة روميل” دائما….

حيث يجوز الخطاب سردا عندما يستدعي استنطاق الشخوص كما مطرقة القاضي بتعبيرات “الحدسية” أو “الحاسة التصويرية” السردية وبقية الأنساق والاشتغال عليها نمطا دراميا، تراجيديا وسلوكا استنباطيا.. كما عند المسرحي الألماني بريخت..

وفصل حرية النص عن البطل، لكن دون إغفال التعاضدية والوحدة العضوية التكاملية للمتن السردي وهذا ما نجده جليا وبوعي وبحنكة ومراس لدى الروائية فاطمة حفيظ

المنطوق عند فاطمة حفيظ قابل دوما لاستنطاق المنطوق دون سمسرة، أو تسويف المتلقي والمباني معا.. من اجل القفز بين حالة حسية شعورية وغيرها.

بطلها الرئيس الوليد ينتقل – في هذا المضمار بين ثنايا حالات متعددة تراجيدية لكن لم يفقد خصوصياته كمبنى ارتكازي في “نسوة روميل” اعتبارا من

معاناة والدته قبل وفاتها و ضمن سياقات الانطولوجيا السردية عند الوليد حين تعرضت والدته ومرت بحالات شعورية مزرية، رافقت الكاتبة فاطمة هذا الازدراء عبر مراحله التراجيدية

لاحقتها، أي أحداث إلام بمنظور بانورامي حتى بعد وفاتها في غور مشاعر الوليد الذي فقد ماهية الألوان، وتضررت شبكته التمييزية، سيطرت فيه الكاتبة فاطمة حفيظ على قبضة ناصية التدوير الارتدادي السردي بمعية الفلاش باك واستحضار الارتدادية الشعورية لدى بطلها الوليد، فكانت سلطتها مساءلة كل حالة شعورية لبطلها وفروعه إلى غاية مآلاته التي ظل عليها وإلى غاية عجز طبيبه المتابع له: الطبيب عبدي من الوصول إلى ماهية انفصامه

برؤية متاخمة لمراميه وحالاته الارتجاجية، النفسية

بمنأى عن كل تداخل ممكن أو محتمل، حيث سلكت الكاتبة نمطية التدوير كمقوّم سلوكي تسريدي.

البطل الرئيس الوليد يتحرك بكل حرية داخل هذا الانفصام الذي تقتفيه بوعي كبير الكاتبة فاطمة حفيظ عبر تطوراته وكأنها طبيبة مختصة في الجنايات أو علم النفس وهي أصلا أستاذة لغة انجليزية، مكنت هذا المنحى من رسم معالم بطلها “الوليد”: رسما معماريا هندسيا آسرا.. خال من كل شوفينية تأريخية قاحلة

وإنما من خلال اقتفاء أثره وقد أثمرت هذه المرافقة نتاجا لمعنى دلالي متماسك ومتعاضد ومتضامن

والتعريفي في ذات الأوان، مما ينم على أن الكاتبة تمتلك ناصية الاتزان عند رسم كل حالة شعورية أو نفسية عند الاقتضاء.

ما ينطبق على الوليد ينطبق على كل الشخوص في الرواية بأسلوب حداثي، تتداخل فيه كينونة الوعي ولو حتى بوعي كلاسكيات الوصف عند روائيي ما قبل ألآن روب غرينيه، أي البلزاكية والنجيبية نسبة إلى نجيب محفوظ، لكنها بوعيها الدلالي ذلك.

لا تطيل المقام في النسج، حيث بحدسها الدلالي سرعان ما تقفز وتخرج من الرواق إلى ما بعد الآن روب فتستقيم، بل هي من تقوم الرؤيا والرؤى، فتلتحق كما المكوك إلى السرد الحداثي، بفعل انتظام وأنسجة ورسكلة أدلتها الدلالية التسريدية دوما

فلا تفرط ولا تضع بطلها وشخوصها محل تيه أو تبتر معالمهما الاستنباطية وإن كانت تستقطب مكوناتها من فتح مجالات للمساءلة وقد يٌعاب عليها عند البعض هذا التخلي، لكن هي وبوعيها الدلالي تريد بذلك أن تشرك المتلقي في توطيد هذه العلاقة في “الممكن واللاممكن” في وحدات لغوية، سرعان ما تتداركها أيضا لتجعل منها مقوّما سلوكيا غائرا أو سطحيا حسب كل مبنى دلالي فمثلا تقود المتلقي إلى عملية تشاركية

عندما تغلق مجالها التخميني وتسوقه للمتلقي في مسعى منها لدعوته إلى المساهمة في هذه النهايات المفتوحة أو بالأحرى لإتمام نقاط مساءلة سلطة الاشتغال على مفاتيح تضمينية برغماتية

تتصالح خلالها مع ذواتها في ربط جسور الاستشارة مع المتلقي الذي -هاهنا نسميه جمهورا- لم يجئ للمتعة أو الترفيه كما لدى الفنان/ المغني، وإنما لدى كاتبة تشد المنظومة السردية من أذنيها كما المروض في السرك، أو كما القبض على وتبة زئبقية..

فتشعر القارئ بذلك وهذا ما يدركه هذا الأخير بفعل عدة عوامل أساسها التشويق والبحث عن حلقات مفقودة بين فصل وفصل وهنا أيضا تكمن الحبكة لدى الكاتبة فاطمة حفيظ

من يقرأ “نسوة روميل” يذهب رأسا إلى أن فاطمة حفيظ من قطاع الصحة لما يلحظه من توظيف وصفات صحية حتى في أعقد العمليات والتحاليل الطبية، المخبرية،

فاطمة حفيظ لا تنقض على أبطالها الرئيسيين كفرائس في غابة مجهولة العواقب وإنما ظلت ترافقهم وتغذيهم معنى ومسعى الدلالة

وهذا ما أهّل هذا العامل المنجمي والناجم والصادر عن بحث مبحثي، وتوثيق سردي ومعرفي من قِبل الروائية فاطمة حفيظ لا يخرج ولم يخرج البتة عن سياقات الملفوظ إبداعا ولغة قوية

ومعلومات في رواق الأسانيد

وقد ظلت تسوق على سبيل المثال عدة مصطلحات طبية ووصفات وتسميات طبية خاصة بذوي الاختصاص/ الأطباء وغيرهم..

كمفعول دلالي يغنينا عن كل ترتيب زمكاني، قصد التفعيل منها في السرد وأنساقه وسياقاته في عمل متكامل يجب أن يتوفر “معلوماتيا” عند كل روائي، و يجب ألا يخضع عمله لعملية تأريخية باهتة، فيتداخل مع المؤرخ، أو بمبان فلسفية أو يرتطم بالفلسفة في شقها السفسطي.

الكاتبة فاطمة حفيظ سواء بوعي منها -وقد يكون الأرجح- تنبهت لهذا الانزلاق، فاستثمرت المعلومة كأداة محورة تكاملية

هنا أتوقف حتى لا أرهق بدوري ذائقة المتلقي، فقط في الأخير أشير -كقارئ طبعا- أن “نسوة روميل” طفرة في المشهد الروائي العربي والإنساني، وأن ذات الكاتبة تمتلك خصائص مذهلة تؤهلها لأن تتبوأ مكانة وتموضعا مرموقين، يٌحسب لهما ألف حساب في المشهد الأدب الإنساني وهي ما تزال في “يفاعة” العطاء

الكاتبة فاطمة حفيظ لا تكتنز أو تحتكر أو تمتلك “صفارة إنذار” أو تطلق طلقاتها عشوائيا أو من منطلق العبثية كما عند ألبير كامو أ و سارتر، وإنما تتفاعل بشكل تحليلي لا وجودي ولا وصفي فاتر، باهت مع حالاتها المتداولة

وهذا ما ينطبق على كل مسعى من بداية تحريك بطلها “الوليد” إلى غاية عجز طبيبه عبدي رغم كل مساعيه الإنسانية وغيرها، إلى غاية إيداعه دار العجزة وهو ما يزال شابا بعد فشل ذريع من قبل هذا الأخير، أي الطبيب المعالج له عبدي

وهذا ما لا يدع مجالا للشك أن الكاتبة فاطمة حفيظ استطاعت بهذا الوعي الدلالي أن تحافظ على تعاضدية مسالكها في هذا العمل الجدير بالاحترام والقراءة

ولي عودة إلى ذات العمل في ورقة لاحقة

موفور السؤدد والنجاح في مسارها الروائي الإبداعي، وأنها -بحق- موجة لافتة من موجات التحديث يحسب لها ألف حساب لدى العام والخاص خاصة لدى الدارسين والنقاد هذه المرة.

ذ. أحمد ختاوي / الجزائر



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *