قصّة قصيرة: استحضار / بقلم: ذة. سعيدة محمد صالح / تونس


ككلّ ليلة، يقفل أبوابه، ويتفقّد نوافذه، نافذة، نافذة ويعدّل ستائرها، غير مكترث بجسده المغادر لنهار طويل، قضاه، يجوب المحلاّت يبحث لها عن هديّة تليق، بعشرة ثلاثين عام، مرّت وهما يجمعان أجزاء أحلامهما لتركيب واقع أجمل لهما،،،
ملأ بحثه التردّد، في اختيار ما سيشتريه لها، فهي عاشقة لأنواع العطور الشرقيّة الرّوح، ومهووسة بالحقائب الجلديّة والأحذية ذات الكعب متوّسط العلو، ومولعة بالدّفاتر المميزة الأغلفة وأقلام الحبر،،،
إدراكه بكلّ ما تحبّ، أربكه ، أضاع دليله، وهو لا يلبث يستقرّ على رأي حتّى يغيّره لفائدة سواه، أنهكه البحث، فقرّر تأجيل الأمر هذا لغده،،،
دلف المطبخ، أشعل الموقد، ليعدّ فنجان قهوة، شعر بخطاها تقترب منه، ضحك، التفت إليها معتذرا عن إزعاجه غير المقصود،،، وعن الضجيج الذّي أيقظها من نومها،، ثمّ استحسن استفاقتها مسك فنجانه بيد وبالأخرى حضن مرفقها، وتوّجها لغرفة الجلوس، فتح التّلفاز بعد أن أعدّ لها الأريكة، ونفض عنها الغبار والغبش ليساعدها على الجلوس والاسترخاء قبالته،،،
وهو يحدّثها عن يومه، ولم يشأ إخبارها عن كيفيّة قضائه، بل كان يحاول جسّ رغبتها، لمعرفة ما تفضّل عساها تشير وتفصح عن رغبتها في شيء معيّن ييّسر أمر إختياره، غير أنّه رٱها تغمض عينيها، ولا تكترث لما يقول، فنهض متعثّرا، ليجسّ نبضها، أطلق صرخة مدويّة الحشرجة، انتفض في سريره، يترجّاها أن لا ترحل وتلقيه في درب المجهول، أسرعت نحوه الممرضّة المشرفة على رعايته في بيته بتكليف من أبنائه المغتربين، لتحقنه بجرعة مهدئ ليلزم النّوم والصّمت، غير أنّه لازال يراها، ويحدّثها و يجوب الشّوارع والمحلاّت باحثا عن هديّة مولدها هو يعيش تحت تأثير قوّة تمسّكه بها ورفضه لموتها من عشرين عام،،،
ذات صحوة كتب على علبة الدواء “كان حبّا كابتسامة حظّ؛ صفعه الموت، وعانقته العبرة!”
و إثر موته وجدوا بين أغراضه رسالة كتبت بماء الذّهب
“هذا الرّجل لازال جبلا تتعلق بصخوره عروق الأشجار أبدا لم يكن مجنونا… كان يستحضرها من السّماء بطقوس خاصّة…. وكانت تأتي لزيارته.”

ذة. سعيدة محمد صالح / تونس