استهلال
لماذا نكتب؟
وماذا تمثل الكتابة للمبدع الحقيقي.
يقول جبران خليل جبران: (ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب).
لأن الكتابة اختيارات ومواقف ثابتة ومبادئ حقيقية.
فالكتابة قلق وجودي يشعرنا بأهمية الحياة وعتماتها وسلبياتها وإيجابياتها ومعرفة معادن الناس.
الكتابة مسيرة ابداع واشعاع وامتاع وابحار في كنوز الثقافة، والكاتب الحقيقي لا يكتب حرفا الا بعد تفكير طويل وسهر وقلق ومخاض.
يقول المثل الدانماركي: (القلم يجرح غالبا أكثر من السيف.)
ومع المبدع المتعدد الكتابات حسن بيريش نبدأ سلسلة الكتابة والابداع .
1- الكتابة وحب الناس
يربط المبدع حسن بيريش بين الكتابة كفعل ابداعي وحب الناس، فالكتابة والحب وجهان لعملة واحدة هي أن تكون إنسانيا.
يقول حسن بيريش:
(بإذن الله وحده:سيتغلب بياض محبتي على سواد كراهيتهم!!
فقط انتظروا.)
الأديب الأمريكيّ وليام إتش غاس الكيميائيون الحقيقيون لا يحوّلون الرّصاص إلى ذهب، بل يحوّلون العالم إلى كلمات).
ولهذا يردد حسن بيريش بحب:
(أعشق مزايا الآخرين.
وأكتب عنها بحب كي أتعلم منها.)
ونظرا للغدر والجفاء ها هو مبدعنا حسن يقول عن نفسه: (حزين أنا وأتوجع).
ونبحث عن أسباب حزن وتوجع المبدع حسن بيريش، فيشرح لنا أسباب حزنه وتوجعه قائلا:
(هناك أشخاص
تكتب عنهم بمحبة نادرة، وتراهم بعين الإكبار.
فيكون الجزاء السريع:
الطعن في ظهرك،
وممارسة الغدر في الخفاء،
والإساءة إلى سمعتك الأدبية لدى الٱخرين!!
تهمتك الوحيدة:
أنك أحببتهم، وأنك كتبت عنهم!!!!)
ولعل الخبر اليقين أن تهمته الحقيقية هي أنه استطاع أن يكتب البورتريهات بطريقة الكبار ولم يستطع الصغار الكتابة مثله، فاختلط الحسد بالحقد وبالغيرة معا.
ومع هذا فحسن بيريش لا يحمل في قلبه أي حقد للآخرين، لأنه يمتلك روح أصدقائه، وكما قال نيتشه: (الكاتب الجيّد لا يمتلك روحه فحسب؛ بل يمتلك روح أصدقائه أيضًا.)
ولهذا يهتف حسن بيريش بحب دوما:
(في الكتابة والحب:
تحلم بعينيك، وتبدع بقلبك.)
2- الكتابة والبهاء الإنساني
الكتابة فعل ابداعي نبيل، تجعل قلبك نبراسا للحب والإنسانية، هي رسالة السمو ونكران الذات، هي افادة واستفادة، افادة للآخرين وأنت تقدم لهم أطباق مختلفة من الابداعات الإنسانية واستفادة لأنها تعلمك دروس المحبة.
يقول حسن بيريش:
(لا فائدة من الكتابة
إِذَا هي لم تعَلّمنا كيف نحبّ الآخر!!)
ولهذا يحرم حسن بيريش على نفسه إشاعة الكراهية والنبش في عيوب الناس وبالمقابل يكتب عن البهاء الإنساني، لنستمع اليه وهو يبوح لنا قائلا:
(شيئان حرمتهما
على نفسي وقلمي:
1 – أن أساهم في إشاعة الكراهية بين الناس.
2 – أن أرى عيوب الآخر وأتجاهل مساوئي أنا.
شيئان حافظت عليهما
منذ تعاطيت الكتابة:
1 – أن أكتب عن أجمل ما في الناس.
2 – أن أحب النجاح لنفسي ولغيري.)
يربط حسن بيريش بين الكتابة والمحبة، ولهذا يقول:
(الكتابة محبة.
من ليست في قلبه محبة، لا توجد في حبره كتابة!)
حسن بيريش منشغل بالحب والابداع، ولهذا يهتف:
(سيبقى شعاري الدائم:
لا وقت عندي للكره.
قلبي مشغول بالحب.)
وهذا هو المبدع الحقيقي ينشغل بالكتابة التي تهذبه وتجعله عارفا بالحق وطامعا في الحق، وتصبح الكتابة أسمى ما في الوجود، وهي عين الحق والصدق معا.
وفي هذا الصدد يقول ابن عربي: العارف من يرى الحق في كل شيء، بل في كل شيء، بل يراه عين كل شيء.
والكتابة حق وعين الحق معا.
لنقرأ هذه الومضة عن بهاء الكتابة لحسن بيريش:
(سألني:
-ماذا علمتك الكتابة؟
أجبت:
-علمتني أن أرى مَحَاسِن غيري كي أعي مَسَاوِئ ذاتي!!)
3- الكتابة انتصار للحياة
يقول محمد شكري: (الكتابة ليست نزهة، بل مسيرة احتجاج.)، لأن الكتابة تشبث بالحياة وتعرية الواقع ، ومن يكتب عن البهاء الإنساني في أجمل وأقسى تجلياته ينتصر لفعل الحياة.
ولهذا يبقى حسن بيريش منتصرا للحياة، ولهذا كتب بعشق الحياة وطعم البهاء:
(يوم أموت، اكتبوا على شاهدة قبري:
هنا يرقد رجل لم تهزمه الحياة!)
بين الحب والكراهية جبال وحواجز كثيرة، فالمبدع الحقيقي يجعل شعاره هو الحب، وذات اعتراف بطعم الصفاء كتب حسن بيريش:
(هكذا هو حبري
دعني أحبهم أنا.. واكرههم أنت!!)
(في الفترة ما بين سنة 2004 وسنة 2010، كنت أنشر كل أسبوع بورتريها عن شخصية في أسبوعية “الشمال” تحت عنوان:(هؤلاء أحببتهم)
وحدث أن انتقدني الصديق (……..) قائلا:
“يجب أن لا تركز فقط على محاسن
من تكتب عنهم، بل عليك أن تذكر سيئاتهم”.
وكان ردي السريع والمباشر:
اكتب أنت زاوية بعنوان (هؤلاء كرهتهم). وهاجم عباد الله وافضح أسوأ ما فيهم.
أما أنا فيهمني جانبهم الجميل، ولا علاقة لي بجانبهم القبيح.
وما زلت إلى الآن: أرى أجمل ما في الشخصيات التي أكتب عنها، كي أتغلب على أسوأ ما في أنا)!!
ولهذا نردد مع المبدعة ايدنا فيربر: (الحياة لا يمكنها أبدًا هزيمة الكاتب الذي يشعر بحالة حب مع الكتابة.)
ونؤكد ببهاء الكتاب مع حسن بيريش: (الكتابة، كما الحب، حياة ثانية.)
ولهذا نزار قبّاني يقول:
(أَكْتُبُ..
كيْ أُفَجِّرَ الأشياءَ، والكتابةُ انفجارْ
أكْتُبُ..
كي ينتصرَ الضوءُ على العُتْمَةِ،
والقصيدةُ انتصارْ..)
4- صعوبة الكتابة
يعترف حسن بيريش بعد مسيرة حافلة بالعطاء الأدبي أن أصعب ما في الكتابة، هي الكتابة نفسها، وبكل ايمان بقدسية الكلمة، يعترف حسن بيريش قائلا: (ما أصعب الكتابة:
هكذا أردد في نفسي كلما انتهيت من كتابة نص!!)
ثقل فعل الكتابة يدفع كل مبدع حقيقي الى الخوف من الكتابة، لأن الكتابة مسؤولية كبيرة، وها هو حسن بيريش المتربع على عرش البورتريهات يكتب:
(اعتراف
أشعر بالارتباك، ويتملكني الخوف، إذا أشاد أحد بكتاباتي، ولما أختلي بالحبر أعجز عن كتابة عبارة واحدة!!
ما أقساه التحلي بمسؤولية الكتابة.)
ولهذا كتب هاروكي موراكامي: (الكتابة بالنسبة لي عملية مؤلمة.)، لأن (الكتابة تجرح من دون دم.) كما قال محمود درويش.
ذات بوح كتب الأديب الألمانيّ توماس مان (الكاتب هو الشّخص الذي تكون الكتابة بالنّسبة له أكثر صعوبة ممّا تبدو عليه للآخرين.)، ولأن الكتابة كما قال فرانز كافكا: (الكتابة انفتاح جرح ما.)
هكذا هو حسن بيريش صادق في كتاباته واعترافاته، فهو حر وصادق ويصدق فيه قول ابن عربي: (الحر من ملك الأمور بأزمتها ولم تملكه، وصرفها ولم تصرفه.)
وبلغة شفافة يكتب حسن بيريش :(أن أرى أجمل ما في الآخرين: ذاك هو سر كتابة البورتريه عندي. إنه فن الاحتفاء بالشخصية.)
خاتمة
مع حسن بيريش، تصبح الكتابة بناء معماريا وحضاريا غارقا في الصفاء ومنفتحا على النقاء، ويهتف كما نهتف معا مع الفنان الفار التو: (أنا لا أكتب، أنا أبني).
وفي محراب الابداع نرتل مع حسن بيريش بعفوية كل طقوس وأناشيد البهاء.
ذات بهاء قال الأديب فرانز كافكا: (الكتابة شكلٌ من أشكال الصلاة.)