القصة القصيرة نوع من أنواع السرد والحكاية. أو فن من الفنون الأدبية النثرية يتناول حكاية واقعية أو خيالية تنطوي على فكرة وقيمة محددة تشدّ انتباه القارئ وتثير فضوله لمتابعتها وتأثيرها فيه وصلتها بواقعه ومشاعره وأحاسيسه عندما تعبّر عن جانب من جوانب الحياة: الدرامية، الكوميدية، البوليسية، التاريخية، الاجتماعية، السياسية، الفلسفية والفكرية الثقافية، وكذلك ما يتعلق بالخيال العلمي والأسطورة والمغامرات والتجارب الفردية والعامة بكل تفاصيلها.
-بدأت القصة القصيرة بسيطة تقليدية متناقلة على ألسنة العامة، أو شعرية يرويها الشعراء في قصائدهم التي تتحدث عن البطولات والحروب والحب والفراق والظلم والتقاليد وغيرها؛ كما عند عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد وغيرهم. أما في الغرب، كان للقصة القصيرة مكانتها بين النصوص الأدبية وأخذت مكانتها كفن أدبي نثري يعتمد عناصر أساسية كالشخصيات، الزمان، المكان، العقدة والحل؛ وتطورت فيما بعد لتتضمن الحوارات الداخلية (المنولوج)، التذكر، تيارات الوعي والفلسفة وغيرها؛ ومن روادها نستذكر: الأمريكي (إدغار آلن بو) كاتب أول قصة بوليسية “جريمتا شارع مورغ”.. الفرنسي (جي دي موباسان) في قصته “الحلية”؛ والتي تعد نموذجا متكاملا للقصة القصيرة ذات النهاية المدهشة، والتي تتوفر فيها كل عناصر القصة القصيرة من شخوص، زمان ومكان، التشويق، التدرج بالأحداث حتى النهاية، التصوير الدرامي، الحبكة والحل ومسوغات الأحداث وغيرها. كذلك الكاتب الروسي “أنطوان تشيخوف”.. والإسباني “خوان خوسيه مياس” الذي يلقب ب “كافكا الإسباني” صاحب المجموعة القصصية الرائعة (الأشياء تنادينا).
-وقد تأثر العرب في مطلع القرن العشرين بهذا النوع من الأدب، وكانت لهم بصمتهم الرائدة، ومن أشهر كتاب القصة القصيرة:
☆☆ الكاتب السوري “زكريا تامر” الذي كتب مثلا (النمور في اليوم العاشر).
☆☆ الفلسطيني “محمود سيف الدين الإيراني” -رائد القصة القصيرة في الأردن-
☆☆ غسان كنفاني… ميخائيل نعيمة.. جبران خليل جبران ومجموعته (عرائس المروج).. وغيرهم.
-عناصر القصة القصيرة:
☆ الحدث أو سبب حدوث القصة: له بداية، وسط (تبلغ فيه الأحداث ذروتها)، ثم نهاية (يتضاعف فيها تشابك الأحداث وتجمع عوامل حل الصراع وما ينتج عنه.)
☆ الشخصيات:
الشخصيات في القصة القصيرة تكون قليلة وغالبا ما تقتصر على شخصية البطل وشخصية مضادة تتسبب بالأحداث وتقود البطل لصراعات مختلفة تؤثر فيه وفي تركيبة شخصيته الداخلية وانفعالاته وردود أفعاله.
ونميز هنا بين أنواع الشخصية في القصة؛ فالشخصية الجامدة لا تتأثر ولا تتغير إذ نجدها في القصص البوليسية مثلا، فالمجرم يبقى شريرا والخيّر خيّرا. والشخصية النامية تلك التي تتفاعل مع الأحداث وتتطور بتطورها.
☆ الزمان:
عنصر هام إذ يعطي الأحداث واقعية أكثر؛ فكل حدث لابد أن يقع في زمن محدد. الكاتب القدير هو الذي يستطيع الإيحاء للقارئ بواقعية سواء بالتخيّل، أو العودة للماضي عن طريق التذكر، أو التداعي، وهو يتحدث عن مجريات قصته بالزمن الحاضر.
☆ المكان:
تماما كما للزمان أهمية في نسج أحداث القصة، للمكان ذات الأهمية إذ يضفي جوا طبيعيا يحياه القارئ ويعكس الصراع الذي تحياه الشخصيات؛ خاصة عندما يلتزم الكاتب البيئة والمحيط والمؤثرات التي تحكم الواقع.
☆ الحبكة:
عنصر أساسي يثير التشويق والمتعة وعمق تأثر القارئ بالأحداث. والحبكة هي ذروة تأزم الأحداث؛ كلما تعقدت، كان وقعها أكبر. وللحبكة كذلك أنواع.. فنرى مثلا.. (حبكة متوازنة): حيث يعرض الكاتب الأحداث بطريقة اعتيادية حتى تبلغ ذروتها فتتأزم ثم تبدأ بالتفكك تدريجيا حتى النهاية.
(الحبكة المتصاعدة): حيث تبقى الأحداث في تصاعد مستمر وشخصية البطل في نجاح يستمر حتى النهاية.
(الحبكة المقلوبة): أو التي تأتي فيها النهاية مخالفة لسير الأحداث؛ فنجد شخصية البطل دوما المسيطرة وفي النهاية تنتهي بالإخفاق والتلاشي.
(الحبكة التي تنتهي بالنجاح والنصر): حيث البطل يعاني كل الإخفاقات والفشل لينتصر بالنهاية.
☆ الحل أو النهاية:
المرحلة التي يعلن فيها الكاتب عن تفكك الحبكة والكشف النهائي عن أدوار الشخصيات. وقد يحدث أن يحذف الكاتب هذا العنصر ليترك الفضاء مفتوحاً للقارئ ليتوقع ويخمن النهاية ويسمح له بالمشاركة في إيجاد الحل والكشف عمّا يخفيه بين السطور.
☆ الفكرة:
أهم عنصر في نسيج القصة؛ والكاتب المبدع هو الذي يتقن نسجها وربط كل العناصر بها بطريقة تجعل القارئ يصل إليها من خلال تتبعه للأحداث وتفاعله معها، ولا تكون مفصلة ومباشرة أو ملخّصة بعبارة أو حكمة أو بأية طريقة أخرى.
-والقصة أنواع غير القصة القصيرة التي لا تتجاوز العشرة آلاف كلمة وتتناول، كما ذكرنا، شخصيات قليلة وتهدف لتقديم حدث في فترة زمنية قصيرة وفي مكان محدود للتعبير عن جانب من جوانب الحياة؛ والأقصوصة التي تكون بحبكة درامية صغيرة مشوقة وقد تتضمن بعض الرسومات كقصص الأطفال.
هناك الرواية: وهي حكاية أو قصة أطول بشخصيات أكثر، وتعمق بتفاصيل الأحداث أكثر، وأحيانا يستخدم الكاتب فيها الحيوانات والمخلوقات الأسطورية والقوى الطبيعية وغيرها من الرموز والإيحاءات التي تحقق الغاية والهدف من إظهار الفكرة والمغزى المنشود منها.
كذلك: القصة القصيرة جدا، وقصص الخيال التي تفتقر للبنية التقليدية وبناء الحبكة وتطور الشخصية، وغالبا ما تكون النهاية فيها موشومة بعنصر المفاجأة والقدر.
هناك نوع من القصص القصيرة لا يحتوي حبكة كاملة ولا سردا متكاملا، لكنها تكشف عن فكرة هامة وتفاصيل عن شخصية معينة؛ فتكون أقرب لمقالة قصيرة، أو مشهدا وصفيا لحدث ما.
وقد تطور الشكل السردي في القصة والأسلوب والتسلسل الزمني في الحداثة وما بعدها، فاستُخدِم المونولوج الداخلي وتيارات الوعي لالتقاط تجارب الفرد. ثم ما بعد الحداثة نجد استخداما للتجزئة في السرد، والتناقض، والراوي غير الموثوق، وذلك للكشف عن العلاقة بين الكاتب والقارئ والنص. وكثيرا ما نلحظ الجمع بين السرد الواقعي وعناصر من السريالية والأحلام والخيال.
واليوم، في عصر التكنولوجيا، عصر السرعة، أصبحت القصة القصيرة مفضلة لدى القارئ أكثر من الأنواع الأدبية الأخرى، كالرواية مثلا، وذلك لقصر الزمن الذي تستغرقه قراءتها وملاءمتها للعصر وبيئة القارئ؛ على عكس الرواية التي تزدحم فيها الشخصيات والأحداث والمواقف والاستطراد في الوصف والخيال والإطالة في الزمان والمكان وتشعب الأحداث.
كما تتميز القصة القصيرة بوحدة الحدث والزمن والفكرة ووحدة الانطباع؛ وإن كثرت فيها الشخصيات لابد أن يجمعها حدث واحد تكون له بداية أو ما يسميه النقاد (الموقف)، يتطور هذا الموقف إلى مواقف أخرى إلى أن يكتمل الحدث حيث تتجمع العوامل والمؤثرات والمواقف في النهاية التي تنبثق منها لحظة الكشف أو “التنوير” في مفهوم النقد.
وقد اختلف أسلوب كتّاب القصة القصيرة ومواقفهم من كتابتها: فمنهم من اعتمد عنصر الشخصية، أو الحدث أو الحدث والشخصية معا. ومنهم من اعتمد أسلوب التحليل والدوافع التي تحرك الشخصية (كالمونولوج)، أو الوصف الخارجي والحوار الذي يترك للقارئ مجالا للكشف عن نفسية الشخصية ودوافعها.
وبالنهاية الكاتب الناجح هو القادر على محاكاة الواقع الإنساني وإثارة واستفزاز مشاعر القارئ للتفاعل معه، وأن تكون لديه القدرة على الكتابة باللغة الفصحى ليتمكن الجميع من قراءته والوصول معه لفهم الأحداث والشخصيات والأفكار التي تختبئ في فضاء النهاية.