الكلمات المائية / بقلم: ذ. خلف إبراهيم / سوريا


“رسمت على كف الريح نصف قمرٍ وجناحٍ واحد. يا رقصة الابتهالات في ساحات الوجد، غنت وأكثرت الغناء، فلن تكتمل الدنيا عليك. فكل الذين حاولوا بروحٍ كاملة، لم ينالوا سوى نصف ما ابتهلوا.”
“قالت ليَ نفسُي:
“اخفِض صوتَك.
تذكَّر أنَّك سَتَعُودُ لتتمتمَ
لي،
حين نكونُ أنا وأنت بالندمِ.”
“ما أروع الجمال الذي ألهب وجداني برعشةٍ مترنحة،
تحت تأثير حزنٍ عمَّ أفق عينيكِ الساحرتين.
أينعت حاجتي لجدولة مُنسَّقة من الأسئلة والاستفسارات المتقنة،
تخبئها خفايا الأفق.”
الحب يستيقظ مبكرًا لينثر روح الطمأنينة في أرجاء القلوب. وكأنه يزرع وجوده كوردة على عتبة كل بيت.
يا له من عمق ينساب في جفنيها،
حيث تعلو العيون كقوارب على أمواج الروعة والهيام.
لستُ هنا، ولم أعد هناك، ولا بجوار ظلي، أو حتى في نفسي. أنا بعيد عن هويتي، وقريب من رعشة الندم. أنا بين الوجود والعدم، مشتتٌ ومشوشٌ. لقد زُرِعتُ كأثرٍ مهجورٍ على أدراج الفناء.
كان صوت أمي يبث الطمأنينة، لدرجة أن شمس الصباح تتوقف رغبةً في أن تأخذ غفوة حين توقظنا.
“بهشاشة جناح فراشة، تتلمس لمسة الوجد تحت جفنيها، حيث يطبع السكون والرماد أصابع الريح.”
“رقعة الاحتجاجات ونسيج الثورة
تتسع بوجدٍ يتوغل في جسدي المنهك
من ظلم عينيكِ الهاميات.”
“يا لجة الروح من نصلٍ بالظهرِ، حمّالٌ لوجهِ الصديق يا أسفا!”
كما يحمل ظهرُ الرصيفِ أثقالَ المارة، يتحملُ أيضًا أثرُهم الباهِت، ويعبّرُ عن محنتِهم وتعبِهم. وكما يطفو على ظهري أعباءٌ تُحاكي الألم، تلك الابتساماتُ الزائفةُ تُشبهُ الخناجرَ في أيدي الأصدقاءِ.
“ضوءٌ يتدلى من السقف، وظنوني تقشر رطوبة جدار الحنين،
ويتجلى سقف الكبرياء بابتسامةٍ تشق طريقها للعدم.”
“دنوت من حافة الموت، متكئًا،
ثم همس الموت بقلبي،
فهل يمكن للميت أن يقدم شيئًا للحياة أو لي؟”
وضعتُ كل شيء في مكانه، عدا النفس التي تتوهج على أدراج الظنون المثقلة.
“تستمد الكلمات الجميلة قوتها وجمالها من القلوب المثمرة المفعمة بالقناعة.”
“من جرّة الجياد، تعرف الخيل فارسها”
الشعر الذي أكتبه يكاد يلتهمني بروعته، إذ يحمل في طياته سحرًا لا يُضاهى. كان يكفي ليسعدني ويجعلها تسامحني، ولكن عجزت عن ذلك تمامًا.
الشعر الجميل لا يكتفي بمجرد قلب المرأة، بل يتوق لملامسة أنوثة الدنيا برمتها.
نذرتُ للحب فناء عمري في المسامحة وكتابة الشعر وترويض الكلام والتعبير، حتى يزهر في تعبي.
كان حبنا مشابهًا لحبة العنب، وقلبي كالنواة التي تحتوي على جوهر الحب. في ظل آثار الوجد، أنتِ تتدفقين بجمالك وروعتك، بينما قلبي ينطحن تحت وطأة الحنين.
لا تتركني،
أتأمل نفسي وحيدًا،
أتحسس ألوان ورق الشجرة التي افترشنا ظلها في ظهيرة النهار.
لا تترك قلبي كسفرجلة تتعفن برطوبة الحنين،
ويأكلني الكبرياء بمزاجه المتقلب.
“أروض روحي على صبابة اللوم ومرارة التعب، وأجعل النفس في صفوف الجراح، هندسةً في الطبع والأسلوب.”
فاضَ الهوى صباها، فقالت للأحلام مرحبًا، وطلبت من القمر صورة تتجاوز حدود الألوان الزاهية والمذهلة.
لم تَجرِ الدموع كنهر يروي الحياة، ولا تأتي ببردٍ في أيام العمر الطويلة.
فقد نفذ الملح من الحياة، وجفت ينابيع الماء، وانطفأت شموع الأمل في العوالم العابرة.
يلتحف الغموض
من برد الحقيقة القاسي
إذ بان الذي بدد الثقة صديقُ.
وَاختَبَأَت وَعُودُ الصَّدِيقِ حِينَ دَعَتْهَا الموَاقِفُ، كَإِبْرَةٍ في القَشِّ تَهْدِرُ الوَقْتَ، وَلَوْ أَحْرَقْتَ القَشَّ لَمْ تَجِدْ.
فرشتُ جسدَ الكلمات والعبارات الراجِية، لحبٍ يستحمُ بعبيرِ وجدي، لسلامٍ يطبطِبُ على كتفِ الطمأنينة. ثم فتحتُ عيني وقلبي، فإذا بحربٍ عديمة الأخلاق تحرقُ غيمةً، واصفرت روحي تحت الانتظار، كعشبٍ يحتضرُ تحت الخنازير، مستغيثًا.
“عيناها تشعان بشلالات الأسئلة، ويتصاعد كبرياؤها بنفسها مثل زبى الوجد الشاهقة.”
غسلت بنظرتها أدراج اللهفة، وأنا أتقلب بشذى الوجد.
وضعت زهرة اللوتس بهشاشة، حيث تلعثم الرخام، وبكى الضريح بصمت الحسرة والندم.
الماء يرسم وجهها على وجهه، وتتساقط دموعها لتفسد مزاجية الجدول.
وردية الخدود، أضاعت جورية المنزل، تعابيرها المكنونة بالشغف.
رفعت رأسها من السور، وقد قلدت زهرة الحديقة جمال الجارة في إصغائها للخارج.
“بينما تتساقط أوراق الخريف، تتناثر ابتهالات العشق على مقلتي.”

ذ. خلف إبراهيم / سوريا



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *