…على بُعدِ زُهَاءَ بَسْمَة، صَرَّحَ بِلَمْسَتِه الوارِفَة في حديقتها. ….، مَسَحَ على رأسِ حمَامتيها الأليفَتَين، مُكْرِما هَدِيلـَهُما بنَسَغِ الشوق.. وغَرَسَ ألَمَ نَبْتَتِه في تُرابِها السَخِي.. عند حَبـّات سطوره الفصيحة.. وتَوَهَّجَ قِنْديِلُه من جديد.. وعمَّ نُورُه كل جَبينه.. وأعْلن سَطْوَتَه على الظلامِ.. وتحت أسْتار السماء انْبثقَت نجومُ عينيها.. تعيد للبَصيرة أنغام الكتب الصفراء.. يا ليل هذه فَتاتي.. فاشهد أني أودِعُها هَزِيعَ قلبي .. على أعتابِك البَهيجة.. ولامَسْتُ سنابلَ أنثى الصَيْف البَهِيَة كلها.. لمّـَا انٓحَدَرْتُ ُ قُرْبَ رَقْصَتها الغَجَرِية.. فضحكت الدنيا على أبوابِ أنين الناي قُرب فخدَي المدينة.. وصفا فَن خصرها لما أوْدَعْتُه يدي وتَغَنَّى بِعِشٍق الامتنان.. واشتعل غموض الزمان من جديد بفِتْنَة المجهول على شفتيها، حين لمعَت الآفاق على وتر اللقاء..
إنها لَسَعَات انقضاء الوقت.. ومازالت أشلاء الأيام تشهد الفقدَ القديم… اِنصِتي…! هذا صُراخُ الطريق بخفايا السؤال.. والحريقُ يكتب ساعاته باللهيب على سَفْحِ العِناق… هذه سيدتي الشمسُ تتموج أشعتها في غرفتي، وقد أشرعتُ كل مَرافِئي، في جميع جِهات الريح لعل سفينة الوَجْدِ ترسو عند شَهقات الناي الحزين.. ولا شيء في يدي إلا فمي، رسم به كلام القصب والحنين.. وأنْظمُ عَقيقا أنيقا يتوَهـَج لنداء الشفق اللذيذ.. إنها من أريد ومَدَدِي الوحيد.. وخمر يدي العَاصِرة.. أرشفها على مهلٍ.. وأرى من نافذتي ملء صدرها والخاصِرة.. يشعران برعشة زندي على طَرْقِ اللذة.. عند جسدي تكسوه أسماء البقاء وأريج أمومة منطلقة من فعلها النَكِرة.. جانِحَة تَهدي بسراب الماء وثغري زُلال الحيرة والبيان… لا أُلام وقد مرَّ من هنا قطيع الغرام، بألف رأسٍ يرعى في أخضر الحسرة سِر التكوين… كيف نَفَتْني ونَشَرَتْني ظَرفا ما بين الفوق والتحت والبين… إنها نهاية اخرى.. سَنِّنْ رُمحَكَ يا وَحشي فهِندُ سُفْيانَ عزمت محو السبيل… إنه الرّدى، حمزة بين قوسينِ منه وأدنى….. ممتَزِجا بسكرة النهد صوفيا بحَلمة العشق.. توسلت عطرها على حافة الامتلاء.. سقتني بمسحة على صدري حد الارتواء.. كستني عند العراء شفتيها رهافة وسجوفا منسدلة بنور السماء.. واستدرجتني عند المساء، وكنت أمر حداء النسيم.. وجَلَسَتْ إزَّائي وأشرَعَت بدنَ الموج ودَنَتْ للالتصاق حين ارتدت حُلّة الهباء… أين اليقين يا فاتِنتي؟.. وعلى الطريق جفَّ صدأ عطرك الأليم… مازلت أحفظ لك سهادي في مفترق القصيدة وانتظرت في كل عواصم الأرق.. ولم تأتِ مع القاطرة فحملت سفري إلى بياض الورق.. وصعدت مع وجوه لا تعرفني إلى رحلة لا يناسبني زمنها.. إلى قُبلة رسمتها بكفِي، مجهولة على هواء المداد.. وسِرت في درب العباد…..
ذ. نور الدين الزغموتي / المغرب
