قراءة سيميائيّة في المجموعة القصصية بابونج لجميلة الشريف / بقلم: ذة. سعيدة خدوجة العربي / تونس



الأسماء تحت مدلولات المعنى والمعنى المضّاد
قراءة سيميائية وفق هر*سندارس بيرس*
في أسماء شخصيات رواية “بابونج” للكاتبة جميلة الشريف.

في رواية “بابونج”، تتسلل الكاتبة إلى ذاكرتنا عبر أسماء تومئ أكثر مما تُصرّح، وتفتح أبوابًا رمزية تتجاوز الظاهر إلى أعماق النفس بمركباتها الواعية واللاّواعيّة واثر المجتمع في بنائها. وعبر هرم بيرس السيميائي (المُمثِّل –الموضوع –المؤوّل)، تتجلى الأسماء كعلامات مشحونة بالمعنى والدهشة. وعلى سبيل المثال

إلياس بابونج
اسمٌ مركّب من روحيٍّ ونباتيّ: “إلياس”، النبي المنكسر في صراعه مع القدر، و”بابونج”، زهرة التهدئة، والشفاء الهادئ. لكن في الرواية، هو الجسد المشلول، الصامت، الذي يتحول إلى سؤال مفتوح عن الموت البطيء والحياة المُعلّقة.
هو علامة على هشاشة الوجود، على التقاء النبوءة بالذبول، والسكينة بالعجز.

برينغلام
اسم يخرج عن مألوف اللغة والذوق، دخيلٌ ومفكك النغمة، كما لو أن الكاتبة أرادت به أن يُعطّل النظام من الداخل.
هو المنحرف، الفوضوي، الغامض. وجوده اختلال لغوي ووجودي معًا، وكأن اسمه نفسه لا ينتمي.
إنه صورة للآخر المُهدِّد، وللمجهول الذي لا نملك مفاتيحه.

المنتصر
اسم يرفع الرأس… لكنه في السياق ربما خيبة.
ربما هو “المنتصر” فقط لأن اسمه كذلك، لا لأنه انتصر.
هو المفارقة ذاتها: أن يحمل الإنسان اسم قوّته وهو في قمة هشاشته. أن يكون الظفر مجازًا للمأساة.

بية
اسم تونسي دافئ، أنثوي، شبيه بأغنية تُسمع في مطبخ أمّ.
تمثّل الطمأنينة، الأصل، والأنوثة المتجذّرة في الأرض لا في الصخب.
هي “بابونج” من نوع آخر، لا يُسكّن الألم الجسدي، بل يرمّم القلب.

خاتمة
في “بابونج”، لا تختار الكاتبة أسماءها عبثًا.
كل اسم علامة، وكل علامة شيفرة في نسيج حكاية أعمق من ظاهرها.
جميلة الشريف لا تروي فقط… بل تزرع رموزًا تنبت في وعي القارئ، وتجعله يتساءل:
هل نحن كما تُسمّينا أسماؤنا؟ أم كما نُفسَّر في عيون الآخرين؟ فبايّ أسلوب اخرجت جميلة الشريف سرديتها الاقصوصاتويّة؟!
وكيف شكلت عبثيّة مسار الأشخاص المعقّد والمركّب في فضاء القصّ؟؟

ذة. سعيدة خدوجة العربي / تونس



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *