وليدة الفجر.. / بقلم: ذ. توفيق النهدي / تونس


أتحدّثُ مع نفسي
أمامَ صورتِكِ الّتي في صدري،
فأضعُ صدري بيني وبينكِ،
أهمسُ لي، كي لا تسمعي كلماتي.
الأفقُ يترقّبُ هُطولَ الشّمسِ إليه،
ليراقبَ دقّاتِ نَبضِها الأخيرة،
ويَدفنَها وَلِيدةً فجرًا.
ما أنا إلّا حارسُ النّجومِ،
بلا قَوسِ قُزَح،
ولا نَجمةٍ قُطبيّة،
أحرسُ الشّمالَ بفِقهِ الكواكبِ،
ونَغَمٍ عابرٍ لا يَستريح،
يَعزفُ كلَّ حبّاتِ المطرِ،
لِتنزِلَ فوقَ البحرِ،
وتُشارِكَ دَمعي الهُطولَ
على خدّي ومِخَدّتي،
وكلِّ ذكرياتِ الأصيلِ.
يا حبيبتي، يا آخرَ عُنقودِ المحبّاتِ،
هل أستَنيرُ مِن لُؤلُؤٍ فَقيدٍ؟
أم منكِ؟ أم مِن لُؤلُؤٍ مِن زُمُرّدٍ؟
قلبُكِ كان كَنزًا أهملهُ كلُّ الوجودِ.
يا حبيبتي،
يا أيّتها الأميرةُ النّاقمةُ على مَكري المُستباح،
لكِ عَطفي وحَناني،
أتُصنِعينَ لي نجمًا ساطعًا
أُراقبُ أُفولَهُ كلَّ وَجدٍ؟
أتَخيطينَ لي رِداءً مِن يَقطينٍ لا يَحيا مجدًا،
مِن خَمائلِ شَعرِكِ،
وفَتوى في العِشقِ تُحييني مَجدًا؟
لم أستَمِعْ لقلبي في حُبّكِ،
وتَخاتلتُ مع خيلائي
لأَنعَطِفَ بكِ وبي،
لي، ولكِ، وللعبَثِ.
صادرتُ حقَّكِ في تلقيني الهِجاء،
لأكونَ قرارَكِ،
فكنتُ المَغرورَ الأوّلَ وقَبلَ الأخيرِ.
بيني وبينكِ شَمسٌ وقَمَرٌ وممّا تَعدّون،
وقلبي اختَزلَ المسافاتِ،
وعاشَ بين الأمتارِ الأخيرةِ قبلَ النّهاياتِ.
أعلَمُ جيّدًا أنّي مَن ظَلمَكِ،
لَمّا ضيّقتُ عليكِ الخِناقَ
في سَماءِ غُروري،
وغَيرتي، وتَقَمّصِ ذاتي.
أنتِ يا وَلِيدةَ القَمَر،
يا خالدةَ الذِّكرِ مع السَّهر،
أنتِ يا مَولودةً مِن فَجرٍ…
أنا لا أحنّ لبقايا الزّمن،
أخافُه، أخافُ هَولَهُ ونسيانَهُ لِبِدايتي.
أتنسى يا زمنُ،
أنّني مُذ لَقيتُني،
وأنا أركُنُ لي،
وأخافُ كلَّ حبيبٍ مِن زَمنِك؟
وأترقّبُ حبيبًا مِن زمني؟
أتنسى يا زمَنًا،
أنّني لا ألتقي بي إلّا عند
ميعادٍ كاذبٍ،
وحبٍّ غائرٍ في الخِداع؟
أتنسى؟ وتنسى؟ وتنسى؟
أم تتناسى؟
يا زمنًا، أَعِدْ لي اللياليَ الخوالي،
كان أبي فيها كلَّ الليالي.
علّمني أن أستديرَ في كلِّ أمرٍ
على روحي،
فحاربتُ روحي وتوأمَ روحي.
كان أبي نبيًّا،
وكنتُ أنا بلا شريعةٍ ولا ذَريعةٍ،
كنتُ خائنًا للعَهدِ وللمجدِ.
أبي أصبحَ وسيظلُّ مُصحَفي،
أتلو آياتِه،
فقد كان صَحيفةً
يتلو لي تجارِبَهُ،
كلَّ صَفعةٍ على خدّي،
وكلَّ تأنيبٍ عن تَفاهاتِ الطّفولة.
لَمّا رأيتُ ابني يتجاوزُ طولي،
قفزتْ إليَّ كلُّ الأفكارِ:
أحبيبتي لها ابنٌ مثلي؟
هل تُتابِعُ فكرةً زرعتْها زَمنًا وتَرعاها
بِماءِ الحَنين؟
أُتابِعُ كلَّ ما مرَّ بي،
أُراقِبُه، أخافُه، لكن أهابُه،
فهو رقيبٌ بلا سِلاحٍ،
لكنه قاربٌ بلا مِجدافٍ…

ذ. توفيق النهدي / تونس



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *