باحثة / بقلم: ذة. سعيدة محمد صالح / تونس


رتّبت أوراقها بعد عناد ليل طويل تكابد فيه تّعب المراجعة وضعت نظّاراتها الشًمسيّة والكمًامة، وسربت من على يمين حقيبتها اليدويّة السائل المطهّر، نزلت الدّرج بسرعة، لم يعد لديها متسّع من الوقت لإعداد قهوتها، التًي كلّما فاحت ٱلاّ وخطر على بالها كيف كانت والدتها البعيدة جدا هناك في السًماء تعدّها صباحا زمن كانت طالبة بالجامعة
— أخذها الحنين إليها للحظة، قبل أن تجزم لنفسها ضرورة تخلّيها عن عادتها المحبّبة، لأجل احترام الوقت
— خاصّة اذا كان هذا الوقت استغرقته في حديثها معه، فصوته، وكلماته، ودويً ضحكاته كادت تصلها مخضبّة بعطره الباريسيّ الفاخر كان بنكهة القهوة، وهي تقف بجانب أصيص الحبق الأخضر، وتداعب بتلاته ،التّي تعاند اللّمسات وترسل العطر أمواجا، هذا الصّباح الثريّ على غير عاداتها الصّبّاحيّة، لا تريد ان تقضّ مضجعه بالاهتمام بالقهوة وطقوس إعدادها وحفظها،،،
— وصلت المرٱب، شغّلت سيّارتها، وانطلقت، في طريق سيّارة تحفّها اشجار السًرو من اليمين واليسار، ترافقها الفيروزيّات
وبعض أحلام اليقظة ، والكثير من المشاريع ،فغدها حافل برزنامة مكتظة كاستعدادات حفل زواجها ،واعداد تقارير لمداخلتها امام طلبة كليّات متفرقة في البلاد الأروبيًة فهي فرصتها المجيدة لتحقيق حلمها وازالة غشاوة رماديّة عن مكانة المرأة في البلدان العربيًة ،لا بدّ لصورة المرأة الفاعلة والباحثة أن ترى النّور في كلّ العالم ،من خلال بحوثها في مجال المكروبيولوجيا
— فمشروعها وبحثها عن الأمراض والفيروسات المستجدة رائد وفي الصّفحات الأولى في مجال البحوث العلميّة
— تعجّ جمجمتها بالأفكار، واولويات تتزاحم في بوابة عقلها، تقطعها بين حين وٱخر
رسالة الكترونيّة، تحدث الفارق في اللّحظات وفي محطّات الٱهتمام، ليسألها ان هي بخير
وعن جديدها في سير البحوث وفي يومها حتّى لا تنسى شغفه المفرط بكلّ تفاصيل حياتها
— وصلت المخبر، دلفت. بسرعة ، قامت بعمليّة تعقيم شاملة ثمّ شرعت في تفقّد الٱلات وتطوًر العيّنّات، و مدّة صلاحيّة بعض المواد الكمياويّة الخاصّة بالتّحاليل
و عقلها مسكون بضرورة نجاح تجاربها على الفئران البيضاء، التّي تراقبها لتدوّن كل التغيّرات الطّارئة
— يحدث في غالب الأوقات أن تمرّساعات اليوم كاملة دون أن تنظر في ساعتها ،وهي منغمسة في تجاربها وبين معدّاتها، وفئرانها وضفادعها ،وأنابيبها، دون أن تعبأ به لولا الحارس الذّي يأتي مناوبا مساءا يلقي التحيّة عليها ،مذكرا إيّاها ضمنيا بانتهاء الوقت
— كعادتها مساء خرجت من المخبر، اخذت طريق العودة ،وفي طريقها نزلت عند فضاء تجاريّ بالقرب من مقرّ عملها لتبّضّع، وكان على النّاصيّة المقابلة يجلس على طاولة المقهى رجل يبدو من هيئته وملامحه محترما ترافقه سيّدة حسناء انيقة، يبدو انّهما غريبين عن المنطقة فقد تقدّما نحوها عندما كانت هي بصدد وضع الأغراض التّي اشترتها في الصّندوق الخلفي للسيّرة ليسألاها عن عنوان وكان من المصادقة قرب من منطقة سكنها
واشارت لهما باهميّة اتباعها وستدلهما عليه عندما يصلان تلك المنطقة
— في الطريق السريعة كانت تسمع مزمار سيارة خلفها و تلك السيّدة تشير لعجلة سيّارتها الخلفيًة ، فتوّقفت للاطلاّع عن الأمر ،غير أنّ المرأة ورفيقها، باغتاها بالضرب، في هجوم مدبًر، نالت من فكرها الصدمة، واسوّدت بين مقلها اللّحظة، وهي بين الصياح وطلب النّجدة ومحاولة الدفاع عن نفسها باستحضار. بعض مشاهد افلام هليوديّة
وهي المدمنة على مشاهدتها عساها تحرّر نفسها من قبضتهما الخبيثة
في حين كانا هما يحاولان الاستيلاء على حقيبتها اليدويّة والمحفظة ،لولا بعض أصحاب السيّارات المارّة اللذّين احتشدوا لٱنقاذها من وحوش ٱدميّة ،تستهتر بأمن النّاس ومتاعهم
— بمساعدة أحد المارّة توّجهت لمركز الشرطة ،هناك بين دمعة قهر و ألم جسدي تعيد سرد تفاصيل الحادثة وفي ذهنها سؤال لم كلّ هذه الوحشيّة؟ لم لا ؟يخافون القانون
كيف ننخدع بظاهر البشر و في أعماقهم ذئاب !؟
— وقع الحادثة مهول على نفسيتها الهشّة والمرهقة، لم يسبق لها أن تعرضّت لحادث مؤلم كهذا ودارت في فكرها أسئلة ونمت الحيرة في جراب وقتها ولم تفارقها الصّدمة لولا وجود حبيبها الذّي يواسيها ويتابع أخبار التّحقيق من خلالها الى أن تمّت دعوتها من قبل لجنة التحقيق القضائيّة لتنثني أمامهم من هول المفاجأة السّوداء وهم يسالونها عن هذا الفارس الذّي يحدّثّها عن حبّه الدّائم وعن الحياة الزّوجيّة الفارهة
ما هو الاّ مدبّر الهجوم عليها بغرض الاستيلاء على بحوثها الرّائدة.

ذة. سعيدة محمد صالح / تونس



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *