الحلقة (قصة قصيرة) / بقلم: ذ. محمد الكروي / المغرب


في حمام القرية، جلست شابة وأمها العجوز، أرض قاعة دافئة يلفها ضباب يحد من الرؤية أول وهلة، دلكا وفركا تستعجلان انبجاس العرق، قبل أن تخر المسنة لاهثة…
على الجسد الخلاسي البشرة، توارثت الطراوة، والجمال بقايا حروف متٱكلة، كأطلال تتحدى رياح الزمان، تم هرق سطل من الماء في بخار سينث بلورة باردة…
عبقا يسيح الصابون ثنيات الجسد المنحني رعشة تستلذ سخونة الماء الجارف بياض خيط زبدي، الكرة يعاود، غسل بقية شعر خفيف مزيج دخان واصفرار مخضب بالحناء…
على دعوات لالة مريم الخمسينية، والتي راقها تعامل الفتاة، المليء رقة وحنانا، غادرت العجوز على سند من بنتها.
مرهقة تأتي الفتاة كل جسمها الغض، تحت عطف وإكبار نظرات لالة مريم الفائضة العذوبة… في سباق واللحظة، ضاعت من الشابة حلقة ذهبية، فتجردت الاثنتان للبحث عنها، على شعاع مصباح خافت، وبمؤازرة من كوتين ذابلتين، ولما عجزت عيونهما عن التقاط البريق، انصرفتا في خرقة إلى الاغتسال، قبل أن تدركهما تبعات الحرارة…
في الطريق نحو البيت، صادفت لالة مريم قريبة تروم الحمام، ترجتها بعد أن أطلعتها على الواقعة…في نفس المكان، غمزة مرحة غمزت الحلقة، وإلى نجوى رمشها الساحر، استجابت اليد البضة الشمعية، ومعها كل ثنايا الوبر، رقصة فاتنة، نشوانة تتباهى بهذه المساعدة الطيبة…
عن شمس خطفت حدقتي لالة مريم، فتحت الكف..
بقدر ما ارتاحت لالة مريم، بقدر ما احتارت في كيفية الوصول إلى الحريصة على خدمة وراحة أمها… لأيام عديدة عمر السؤال وطال الانتظار، إلى أن حلت بائعة المناديل، مستعرضة السرة، في تشعب الكلام واسترساله، بادرت المعروضة عليها إلى حدث الحمام…
هونت عليها، وقلبها طمأنت، وهي تردد في فرح:
-المفتاح بيد المسؤولة خلال حصص النساء… تفاجأت ذات المناديل بالوصف الدقيق لصاحبة الحلقة، الشديدة الشبه بوالدتها: بشرة، وليلا ناعما، وقامة متوسطة مع إرادة قوية…
في ابتسامة فوز ومكافأة، التقت العيون السود، ثناء وشكرا على التضحية الشذية، شذا كفاف وعفاف القرية…

ذ. محمد الكروي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *