قراءة نقدية تطبيقية في ديوان “همس أزرق” للشاعرة المغربية أمينة نزار / بقلم: د. خالد بوزيان موساوي / المغرب


ديوان “همس أزرق” للشاعرة المغربية أمينة نزار

قراءة نقدية تطبيقية في قراءة نقدية تطبيقية في ديوان “همس أزرق” للشاعرة المغربية أمينة نزار / بقلم: د. خالد بوزيان موساوي / المغرب، تحت عنوان:

لما تمزج اللغة الشعرية الحديثة المناجاة الوجدانية بالطقوس الصوفية ذات المرجعية الفلسفية.


1 ـ مقاربة العتبة: و نقصد بها حمولة غلاف الكتاب من حيث قراءة الصور الخطية و الأيقونوغرافية. على واجهة الغلاف نقرأ العنوان، و اسم المؤلِّف(ة)، و الجنس الذي ينتمي إليه المكتوب/ المقروء. كتاب صنفته المبدعة الأستاذة أمينة نزار في خانة “الشعر” تحت عنوان: “همس أزرق”. صيغ هذا العنوان في قالب جملة اسمية بوظائف نحوية/ تركيبية، و بلاغية تستنفر فضول القارئ المهتم لاستحضار درايته باللغة و انزياحاتها. “همس أزرق” خبر (صفة)، و الأصل في الخبر التنكير، لمبتدأ محذوف تقديره “هو” (“هو” يهمس؛ “هو” أزرق). و جاء على شكل استعارة مكنية (الاستعارة عبارة عن تشبيه حذف أحد طرفيه وأداته ووجهه). فنتساءل: من (أو ما) هذا ال “هو” الذي يتمتع بخاصية النطق (يهمس)؟ و نتساءل: هل للغة الهمس لون؟ و كيف للهمس أن يكون أزرق؟ و لماذا غيبت هوية صاحب الهمس الأزرق في العنوان؟ الصورة الخطية هذه المتمثلة في العنوان تترك للقارئ هامش الفضول و حب الاستطلاع ليجد بعض الإجابات على المكونات الأخرى للغلاف بقراءته للصورة الأيقونية: غلاف بلون أزرق، و في عمق اللوحة بحر أزرق. هكذا يصبح للمغيب في العنوان (المبتدأ المحذوف) هوية و صفة لتحتوي الاستعارة المكنية في عمقها على تشخيص/ تجسيد بليغ يضفي على البحر صفة الإنسان الناطق (يهمس).
و تتأكد لنا هوية المُغيّب في العنوان (البحر)، و بشكل جلي في أكثر من نص على طول ربوع الديوان عبر مواصفات تجسيد بلاغي يغرف من اللغة الوجدانية و أساليب المناجاة؛ اخترنا منها على سبيل المثال هذا المقطع:

البحر أنت ..
وجهان لعشق واحد
انعكاس للظل والنور..
تتعاقبان على نبضي المتعب
مثل الليل والنهار..
على “باب البحر”
أفردت شراعي..
و دعوتك صحبتي
مرشدي و بحاري..
أسافر في خضمه كل آن
تهيم سفني دون وجهة
لا يهم إن عدت
أو انقطعت أخباري..
البحر إدماني الجميل
فيه ولادتي
جرعات حياة..
و في البحر
نهايتي و دماري..
فيه شغفي و جنوني
و منه سبحات خيالي
و ومض أشعاري..

أبعاد تم تلخيصها اختزالا لا اختصارا، للإحاطة استئناسا لا قطعيا و يقينا، في معجم الرموز، باب البحر، ص 420، حيث نجد أن مؤلّفَيْه استطاعا أن يستقصيا أهمّ رمزيات البحر في الثقافات، والصور النمطية حوله. فقد ذهبا إلى أن البحر رمز لدينامية الحياة، فالكل خرج من البحر وإليه يعود: إنه مكان للولادات والتحوُّلات والانبعاثات. ويرمز إلى الحالة الانتقالية بين الممكنات التي مازالت غير متشكِّلة والحقائق المشكَّلة. إنه وضعية متحرِّكة، وضعية اللايقين والشك، من هنا يكون البحر- في الآن نفسه- صورة للحياة وصورة للموت، فالقدماء كانوا يهبون للبحر أضحيات من الخيل والثيران، وهذه نفسها رموز للخصوبة، لكن، من قاع البحر تطلع وحوش هي رمز لصورة العقل الباطني.. (نقلا عن بحث تحت عنوان الأدب والبحر.. المُجَرّد والمحسوس للباحث عبدالحق ميفراني بمجلة الدوحة ـ ملتقى الابداع العربي و الثقافة الانسانية العدد 83 سبتمبر 2014)…

2 ـ مقاربة الخطاب: إذا استحضرنا منهجيا في سياق هذه القراءة التطبيقية نظرية التواصل من وجهة نظر ياكوبسون، و استنطقنا الأركان/الأقطاب التي لا يتم التواصل بدونها (المخاطب/ المخاطب، و القناة، و الرسالة، و الكود، و الاطار المرجعي…)، و تساءلنا: من يخاطب من في نصوص ديوان “همس أزرق”؟ بأية لغة؟ و عن ماذا؟ و كيف؟ و أين؟ و متى؟ و لماذا؟….، تستوقفنا عناصر من خطاب خارج التداول المألوف؛ منها:

أ ـ القناة: ديوان شعر، و الشعر في التواصل يوحي بالرمز و المجاز و الإيماء، و لا يصرح. ما يدفع القارئ / المتلقي لاستعراض ثقافته و مرجعياته و تمثلاته لفك شفرات العلامات الرئيسة في النصوص، كما قد يكون الشأن مع هذا النص من الديوان الذي اخترنا منه هذا المقطع:

على بتلاتك الوردية
أيها النبض
تتدحرج
لحظات عمر..
قطرات دم ودمع
من روائها
تنتشي شتلات
البوح
وتزهر أكاليل
الشعر..

ب ـ طبيعة الذوات المتواصلة (مخاطب / مخاطب) في نصوص الديوان تخرج عن قواعد التواصل العادية؛ فبينما تنتمي الذات المتكلمة الشاعرة لجنس البشر و تتميز بملكة النطق، تصنف الذات المتواصلة الثانية (البحر) ضمن خانة “كائن غير عاقل” لا يمكنه استعمال لغة “الهمس” إلا مجازا… لذا تلجأ الشاعرة أمينة نزار، وعن سابق إصرار، إلى لغة التعتيم الشعري (أو الغموض) ليبدو البحر تارة هو (المخاطَب / المخاطِب) (العاشق/ المعشوق)، و تارة أخرى مجرد ملاذ آمن يكتم الأسرار، تستحضر من خلاله الذات الشاعرة ذكرى حبيب إنْ حنينا، و إن عتابا؛ نقرأ هذا المقطع:

من هنا لهناك
عين لعين تهفو
نبض لنبض
يحن..
وثنايا من بُعد
تئن..
تهيم النظرة
في النظرة
توشوش
الهمسة للهمسة
والمسامع تلتقط
حرارة الأنفاس.

و سواء كان المخاطَب/ المخاطِب حسب النصوص هو البحر أو كائنا آخر من رحم المعاناة، تنتفي في أغلب نصوص ديوان “همس أزرق” للشاعرة أمينة نزار العناصر المقننة للحوارالمتعارف عليه كما في نظريات التواصل التي أشرنا إلى نموذج منها أعلاه. أو إن شئنا هي حوارات مع مخاطَب/ مخاطِبٍ إفتراضي من صنع خيال الشاعرة. توجه الذات الشاعرة إليه خطابا، و تتخيل أنه يتفاعل معها بخطاب مواز. و من ثَمّ نخرج من حوار ذي قطبين إلى “المونولوج” (الذات الشاعرة “أنا” توجه الخطاب ل “أنا”). و ربما نصها تحت عنوان “همس” كاف للدلالة على ذلك؛ نقرأ منه هذا المطلع:

همس …

¤¤¤¤¤¤¤

على شاطئ
بحر صاخب
أتأمل..
عينيك الجميلتين
وأنت ترنو
إلى حدود المدى
إلى مشارف الحلم
في غياهب الأفق .
تهمسان لي..
أهيم في بحورهما
ترتبك أفكاري
فأرتمي في لجج
أضيع
في متاهات القلق..

و يتجاوز الخطاب في نوعيته “المونولوج” العادي، ليتلوّن بلغة وجدانية قريبة جدا من المناجاة (و تعني كما تم تعريفها في معجم المعاني الجامع: سُطور أدبيّة تعبِّر بها الشخصيَّة في عمل أدبيّ عمّا يدور بداخلها من أفكار ومشاعر، بطريقة غير مترابطة أحيانًا ويخاطب فيها الكاتبُ شخصًا غائبًا أو شيئًا مجرّدًا أو جمادًا…)، بل يصبح المناجاة ذاتها لما نقرأ للشاعرة أمينة نزار ما يشبه التصريح في هذا السياق عبر نصها “مناجاة”؛ من بين ما جاء فيه:

” أناديك
أهفو إليك
أناجيك”

لكن لا يتوقف الأمر عبر نصوص الديوان عند المناجاة التقليدية المعروفة في الشعر الرومانسي التي تثير انفعال و تفاعل القارئ/ المتلقي عبر شحنات الحزن و الأسى و الأسف و البكاء و الحسرة و الشفقة… مناجاة البحر في ديوان “همس أزرق” للشاعرة أمينة نزار تشبه طقوس المتصوفة؛ فالبحر إضافة لكل مواصفاته المذكورة سابقا يتميز بخاصيتين أساسيتين، لولاهما لما قامت لهذه الديوان قائمة:

أ ـ تتمثل الخاصية الأولى في كونه مصدر إلهام؛ نقرأ هذا المقطع من قصيدة “شاطئ الالهام”:

وأعود إليك
ياشاطئ الإلهام
والفكر شارد
والنفس جريحة
والقلب ملتاع ..
جئتك
نورسة مبتلة
أنشد في
حضنك دفءا
من خيوط شمسك
يبعثه شعاع .
أستجدي جرعة
نور
تفجر النبض
تسيل المداد
تكسر الجمود

ب ـ و تتمثل الخاصية الثانية في كون البحر يشبه مجازا محراب صلاة (كما عند المتصوفة)؛ و عن هذه الصلاة نقرأ هذا المقطع من نص “مثل الصلاة”:

توضأت بالرذاذ
تعمدت بالندى
استعذت بحضنك
وليت وجهي قبلتك
وفي محراب عينيك
أقمت طقوسي
وعباداتي..

و حتى لا يُسجّل على هذا الديوان على أنه مجرد محاكاة لأساليب شعرية “مستهلكة” منغمسة في المناجاة، أو في الطقوس الصوفية، و في لغة الحنين و البكاء… و حتى لا يغرد خارج سرب الواقع المعيش، أبت الشاعرة أمينة نزار إلا أن تكتب في ما يشبه التصريح (و لو مجازا) قناعاتها الفكرية و الفلسفية (و حتى الأيديولوجية) تتغنى بالحرية، و تندد بزمن أغبر كثر فيه جلادو الفكر و التحرر و العيش الكريم؛ نقرأ في نفس السياق هذه المقاطع من نص واحد:

عدت تبحث عني
بين البقايا والأشلاء..
قبل السقوط..
حاولت ..
رعونتك أهذبها..
وخشونتك أشذبها..
وأنقلك من البداوة
إلى عصر النهضة..
لكن النكوص كان حليفك
وطريقي إلى الهاوية
كان مفروشا بالمقاصد..

و نقرأ:

أعشقه.. بوهيميا
مجذوبا..
مثل الدراويش
يرقص على أرض الحرية
يحلق في زمان المطلق
لا يستصدر
من أقبية الروتين
ولا ينحني لقرار..

و لنا عودة لقراءات أخرى في نفس الديوان “همس أزرق” للشاعرة المغربية المبدعة أمينة نزار، مع تحيات نافذة النقد
و الأستاذ بوزيان موساوي، وجدة المغرب

د. خالد بوزيان موساوي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *