تجليات اللغة في القصيدة السرديّة التعبيريّة / بقلم: ذ. كريم عبد الله / العراق


اللغة التجريديّة في القصيدة السرديّة التعبيريّة.


ثالثاً: تحت ظل التفاح يعتصر الخمر عاشق… بقلم: علاء الدليمي – العراق.


يقول سركون بولص: ونحن حين نقول قصيدة النثر فهذا تعبير خاطىء، لأنّ قصيدة النثر في الشعر الأوربي هي شيء آخر، وفي الشعر العربي عندما نقول نتحدث عن قصيدة مقطّعة وهي مجرّد تسمية خاطئة، وأنا أسمّي هذا الشعر الذي أكتبه بالشعر الحرّ، كما كان يكتبه إليوت و أودن وكما كان يكتبه شعراء كثيرون في العالم. وإذا كانت تسميتها قصيدة النثر، فأنت تبدي جهلك، لأنّ قصيدة النثر هي التي كان يكتبها بودلير و رامبو و مالارميه، أي قصيدة غير مقطّعة. من هنا بدأنا نحن وأستلهمنا فكرة القصيدة / السرديّة التعبيريّة / بالاتكاء على مفهوم هندسة قصيدة النثر ومن ثمّ التمرّد والشروع في كتابة قصيدة مغايرة لما يُكتب من ضجيج كثير بدعوى قصيدة نثر وهي بريئة كل البراءة من هذا الاّ القليل ممن أوفى لها حسبما يعتقد / وهي غير قصيدة نثر / وأبدع فيها ايما ابداع وتميّز، ونقصد انّ ما يُكتب اليوم انما هو نصّ حرّ بعيد كل البُعد عن قصيدة النثر. انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة تتكون من مفردتي / السرد – التعبير / ويخطيء كثيرا مَن يتصور أنّ السرد الذي نقصده هو السرد الحكائي – القصصي، وأنّ التعبير نقصد به الإنشاء والتعبير عن الأشياء. انّ السرد الذي نقصده انما هو السرد الممانع للسرد أي انّه السرد بقصد الإيحاء والرمز والخيال الطاغي واللغة العذبة والانزياحات اللغويّة العظيمة وتعمّد الأبهار ولا نقصد منها الحكاية أو الوصف، أما مفهوم التعبيريّة فأنّه مأخوذ من المدرسة التعبيريّة والتي تتحدث عن العواطف والمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة، اي التي تتحدث عن الآلآم العظيمة والمشاعر العميقة وما تثيره الأحداث والأشياء في الذات الإنسانيّة. انّ ما تشترك به القصيدة السرديّة التعبيريّة وقصيدة النثر هو جعلهما النثر الغاية والوسيلة للوصول الى شعرية عالية وجديدة. انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي قصيدة لا تعتمد على العروض والأوزان والقافية الموحّدة ولا التشطير ووضع الفواصل والنقاط الكثيرة او وضع الفراغات بين الفقرات النصيّة وانّما تسترسل في فقراتها النصيّة المتلاحقة والمتراصة مع بعضها وكأنّها قطعة نثريّة. أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي غيمة حبلى مثقلة بالمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة ترمي حملها على الأرض الجرّداء فتخضّر الروح دون عناء أو مشقّة.
وسعياً منّا الى ترسيخ مفهوم القصيدة السرديّة التعبيريّة قمنا بأنشاء موقع الكترونيّ على (الفيس بوك) العام 2015، أعلنا فيه عن ولادة هذه القصيدة والتي سرعان ما أنتشرت على مساحة واسعة من أرضنا العربية ثم ما لبثت أنّ انشرت عالمياً في القارات الأخرى وأنبرى لها كتّاب كانوا أوفياء لها وأثبتوا جدارتهم في كتابة هذه القصيدة وأكّدوا على أحقيتها في الانتشار وانطلاقها الى آفاق بعيدة وعالية. فصدرت مجاميع شعرية تحمل سمات هذه القصيدة الجديدة في أكثر من بلد عربي وكذلك مجاميع شعرية في أميركا والهند وافريقيا واميركا اللاتينية وأوربا وصار لها روّاد وعشّاق يدافعون عنها ويتمسّكون بجماليتها ويحافظون على تطويرها.
سنتحدث تباعاً عن تجلّيات هذه اللغة حسبما يُنشر في مجموعة السرد التعبيري – مؤسسة تجديد الأدبيّة – الفرع العربي، ولتكن هذه المقالات ضياء يهتدي به كل مَنْ يريد التحليق بعيدا في سماوات السردية التعبيرية.

اللغة التجريديّة

نحن نستخدم اللغة من اجل إيصال معنى معين وواضح ومفهوم الى المتلقي، فهي تعتبر (اللغة) أداة توصيلية، ولكننا في القصيدة التجريديّة نقوم بتجريدها من هذه الخاصية، لنقوم بشحنها بزخم شعوري عنيف وإحساس عميق وبطاقات تعبيريّة وعمق فكري والنفوذ في الوعي، ففيها لا نرى الشخوص والأشكال، فنحن لا نرى سوى المشاعر والأحاسيس المنقولة لنا عبر هذه اللغة، أنّها تبتعد كثيرا عن خاصيتها التوصيلية ومنطقيتها، أنّ اللغة هنا تكون أشبه ما يكون بالألوان التي تزيّن وتلوّن اللوحة، المقاطع النصّية هنا عبارة عن كتل شعورية حسّية، فكلما يزداد تجريد اللغة كلّما قلّت التوصيلية فيها، مما يؤدي الى حدوث التجريد التامّ، فتكون المفردة عبارة عن وحدة جمالية شعوريّة حسّية تتخلّى عن خاصية التوصيل المعرفي. التجريديّة هي الشعور العميق والنفوذ الى جوهر الأشياء.

ثالثاً: تحت ظل التفاح يعتصر الخمر عاشق.. بقلم: علاء الدليمي – العراق.

أنّ اللغة تعتمد على نقل الأحساس والشعور، فتتجلّى هذه المشاعر والأحاسيس دون خاصيتها التوصيلية والمحاكاة والمعنى. أنّ المفردات في اللغة التجريدية لا تحكي عن معان، وأنّما تحكي عن ثقل شعوري وعاطفي واحساسي، أنّها مفردات ملوّنة بالشعور وليس بالتوصيل، يجب على الشاعر التجريدي أن يدرك الإدراك القوي بالبعد الإحساسي والشعوري للكلمات والمعاني، وان يقتنص اللحظة الشعورية العميقة والقويّة. لا يمكننا ان نتصور المفردات دون قصد او تعبير عن شيء ما، لذا اعتقد الكثير بأنّ الكتابة باللغة التجريدية هي كتابة هذيانية ورمزية مغلقة ودون معنى واضح، ربما هذا المعتقد صحيح الا أنّها ليست كذلك، كونها لغة تنطلق من العوالم العميقة والشعور العميق وحيتها وهذا مهم جداً أن يظهر أثر ذلك في اللغة وتؤثّر في نفس المتلقي. وبالعودة الى قصيدة الشاعر: علاء الدليمي – تحت ظل التفاح يعتصر الخمر عاشق / نجد هذه اللغة التجريدية واضحة ومشعّة من خلال العنوان الطويل، لقد استطاع الشاعر هنا أن يؤنّسن الطبيعة ويبثّ فيها الروح، فهو يقول / سيقان الأشجار العارية تصطاد الطيور البرية / نرى كيف أنطلق من خلال لحظة شعورية عميقة داخلية تعتمر في في أعماقه ولينفتح على المحيط الخارجي وليتجلّى الثقل الحساسي للكلمات / أرواح البشر تثمل بأول كأس من شفاه مكتنزة بروج أحمر / هنا نجد خفوت في تجريد اللغة لكن سرعان ما تتجلّى في المقاطع الأخرى / أسنان الغرام لا تقضم التفاح، كلما تدلى نضجت عناقيده حتى تذوب في فم العشاق /، أنّ عملية الفهم الجمالي هنا هي عبارة عن الفهم الجمالي للغة والتي هي عبارة عن البُعد الشعوري الاحساسي، ثم نقرأ مقطعاً نصّياً آخر / تحت ظله يعتصر خمر اللذة، لتجري أنهار اللهفة فوق عروق ظامئة / كأنّنا هنا نرى بأنّ العبارات عبارة عن لوحات، فكل شيء يسعى الى التجريد واللامعنى الفهمي سوى المعتى الإحساسي الشعوري، ثن نقرأ للشاعر / تتسلق متقدة مشاعرنا العطشى نحو بحيرة البجع، لتعلن موسم التزاوج / لقد أمتلكت لغة الشاعر بُعداً تأثيرياً من خلال مفرداتها، وامتلكت بُعدين في هذا التأثير، البُعد الخطابي والبُعد التجريدي، لهذا فليس من الضرورة ان تعتمد اللغة التجريدية على الرمزية والتعالي في انزياحاتها، بل يمكن ان تكون هذه االلغة رقيقة عذبة تنطلق من أعماق الذات معتمدة في رساليتها على البُعد التأثيري والجمالي الشعوري. لقد امتلكت لغة الشاعر هنا على التجريدية الحسّية والشعورية مبتعدة عن التوصيلية المباشرة، فهي هنا تعبّر عن رؤية شخصية لهذا الواقع وتأثيراته على الذات.


النصّ: تحت ظل التفاح يعتصر الخمر عاشق.. بقلم: علاء الدليمي.
سيقان الأشجار العارية تصطاد الطيور البرية، أرواح البشر تثمل بأول كأس من شفاه مكتنزة بروج أحمر، أسنان الغرام لا تقضم التفاح، كلما تدلى نضجت عناقيده حتى تذوب في فم العشاق! تحت ظله يعتصر خمر اللذة، لتجري أنهار اللهفة فوق عروق ظامئة، تتسلق متقدة مشاعرنا العطشى نحو بحيرة البجع، لتعلن موسم التزاوج.

ذ. كريم عبد الله / العراق



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *