قصة قصيرة: قفص في القفص الصدري / بقلم: ذة. شوقية عروق منصور / فلسطين


وقع والدها على الورقة، ثم وقع شقيقها الكبير أيضاً على الورقة، أعاد الضابط الورقة إلى الملف، ثم نظر إليها، وقال لها بلغة عربية ركيكة، اذهبي معهما وإذا حصل أي شيء اتصلي على هذا الرقم وناولها ورقة صغيرة، وضعتها في جيبها بسرعة، كأنها وجدت نفسها في موقف يسيل من أطرافه الكذب والخداع، وحتى تغطي أرضية الوجوه التي تحول سمارها إلى اصفرار شاحب وبارد عليها أن تدفن الورقة، لأن النار الخامدة في رقم هاتف الضابط ستشتعل عندما تدق وتتحرك وتتحول إلى صراخ.
جلست في السيارة بعيداً عنهما، شعرت أن المسافة اتسعت، لم تعد تقاس بأربعة مقاعد، بقدر ما تقاس بسنوات ملطخة بالصمت، لم تعد تتحمل ثقل الصمت، ولم تعد تتحمل العذاب اليومي من زوج يصمم على إهانتها وضربها وسحقها كأنها نملة.
القفص في صدرها يتكسر بعد أن لمس العصفور السجين داخله هواء الحرية، أمها صنعت القفص وعندما كبرت وضعت إحدى الدجاجات العرجاء فيه، وأخذت تلقن الدجاجة يومياً درس الطاعة والتقاط الحبوب من كف الأب والأشقاء.
عندما ضربها زوجها بعد خلاف مادي مع والدها – اقترض والدها مالاً من زوجها – شعرت ان القفص يكبر، وعندما طلب منها زوجها أن تكف عن زيارة عائلتها أحست أن قضبانه سكاكين تمزق لهفتها، لكن عندما قال لها والدها: أطيعي زوجك – احنا بعناك وهو اشتراك – أيقنت انها وحيدة.

– أبوك نصاب… حرامي.. أكلني.. سرق مصرياتي…!!!
لم تجب، لم تدافع وبقيت تنظف البلاط…!!

– سمعتى ولا طرشة…؟؟!!
لم تجب ، أمسك بيدها.. أرادت أن تخلص يدها من قبضته لم تستطع، دفعته إلى الوراء فانزلق على الأرض، ابتلت ملابسه.. شعر أن ثيابه المبلولة دليل هزيمته وضعفه، قام عن الأرض وأخذ يضربها حتى نزفت الدماء من وجهها وجسمها.
هرع الجيران، في المستشفى أصر الطبيب على استدعاء الشرطة، وأصرت الشرطة على وضع الفتاة في بيت للمضروبات، ووضع الزوج في السجن.
خلال تواجدها في بيت المضروبات كانت تصلها تهديدات خفية من طرف والدها الذي جن جنونه لأنها اشتكت على زوجها، حاولت أن توضح لوالدها أن زوجها قد أهانه وشتمه، وأن المستشفى قام باستدعاء الشرطة، لكن والدها رفض سماعها، لأن الزوج يبقى الخيمة التي تحميها وتغطي عورتها وجرجرته لمخفر الشرطة إهانة سجلتها ابنته في سجل الهستيريا والشذوذ.
ما زالت المقاعد الأربعة تفصل بينها وبينهم، شقيقها ينظر إليها عبر المرآة، والدها يلخص الغضب بإشعال سيجارة من السيجارة التي قام برميها من نافذة السيارة.
استسلمت للطريق، تخيلت والدتها وهي تستقبلها، ستلومها وقد تشتمها، لكن سترى في ملامحها بريقاً يحضن ألمها ويربت على كتفها ويتسلل إلى خوفها الراقد في أعماق حيرتها، والذي طحن البقية الباقية من ثقتها بنفسها.
يولد من الطريق طريق، هناك تشابك بين أغصان الأشجار، السيارة تخترق الظلال التي مالت إلى العتمة، وقفت السيارة نزل والدها، فتح الباب، جرها، صرخت، صرختها همدت حين شعرت بالنافورة الحارة التي تدفقت من عنقها.
سلم شقيقها نفسه للشرطة، بعد مرور عدة أيام اجتمع والدها مع زوجها، تكلموا عن المبلغ الذي اقترضه، ومن أجل المصاهرة تنازل الزوج عن نصف المبلغ.
دعاه الأب لزيارة البيت، فهو صهرهم رغم الذي جرى، وأصر الأب أن ينزعوا صور الابنة عن الجدران .
جاء الصهر إلى البيت، شعر أنه في بيته مرة أخرى، لم تعرف حماته كيف تمت التسوية المالية بينه وبين زوجها، تعرف أن ابنتها تناديها وهي تحاول وضع أصابعها على الشلال المتفجر من عنقها، تحاول أن تخرج رقم ضابط الشرطة من جيبها، المحاولات همدت حين سبحت بالدم وسقطت نجمة من السماء فوق جسدها المرتعش من برودة انسحاب الحياة.
الأم بقيت بعيدة عن صهرها لا تستطيع النظر في عينيه، لأنها ترى ابنتها تتدلى من ياقة قميصه، من بين أصابعه، تخرج من بين شفتيه صبية معجونة الملامح.
نادى الأب ابنته الصغرى وقال لها سلمي على عريسك… ضحك الصهر وأيقن ان المبلغ الذي تنازل عنه لم يذهب سدى.
أشعل الوالد سيجارة من السيجارة التي قام برميها في المنفضة، وذرفت الأم دمعة على الابن المسجون، وغاب العنق المذبوح في زحمة الابتسامات.

ذة. شوقية عروق منصور / فلسطين



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *