خلفَ أبوابكِ نحتمي دائماً (لغة المرايا والنصّ الفسيفسائي*) / بقلم: ذ. كريم عبد الله / العراق


خلفَ أبوابكِ إكتظّتْ ذكرياتنا نحتمي بها ونطردُ وساوسَ الشكوك، ينابيعكِ المعطّرةِ بأنفاسِ كرنفالاتكِ الملوّنةِ تتقافزُ فيهِ تسابيحُ حَدَقاتٍ تتناهشها الأطياف، بزينةِ مدائنكِ تتمرّى سنوات القحطِ فأستعيدُ توازنَ اللغةِ كلّما ينتابها الضمور، حصونكِ العصيّةِ مِنْ هناكَ تغمرني بأريجِ حقولها وتمشّطُ سَعَفَ ضفافي الغافيةِ، أنهكني هذا الانتظارَ والمواعيدُ تنأى تلوذُ خلفها الأمنيات. أكشطُ مِنْ شغافِ الروحِ راياتُ الغزاةِ لئلا تشوّهُ زهوركِ المفعمةِ بالنبضِ هتافاتهم المسعورةِ، أحصّنكِ (بربِّ الفلق) مِنْ ويلاتِ الحروبِ الخاسرةِ وظمأَ فوّهاتها، سأدسُّ مدائنكِ العائمةِ فوقَ ركامِ الفجيعةِ بينَ الحنايا، تماسكي جيداً فلا ترهبنّكَ أسلاكهم لو تحاصرُ دروبكِ المحلاّةِ بالحنينِ يتساقطُ عناقيداً تتشجّرُ في روحكِ، فامنحيني صحوة تعيدُ لي بعضَ أنفاسي. مَنْ يلمُّ شتاتنا وغربةَ الأحلامِ المشققة، ومَنْ يرفعُ صلواتنا تطرقُ أبوابَ السماءِ البعيدة وأنا أسمعُ هديلكِ يحكُّ اناشيدنا المكبوتةِ؟! مَنْ يعيدُ لتاريخكِ تدفّقَ البهجةِ ويمسحُ عنْ عيونكِ كلَّ هذا التشتتَ؟ مَنْ يزرعُ السلامَ محبةً ينفتحُ على هذا الأفقِ الشاحبَ؟ كمْ مِنَ الوقتِ نحتاجُ أنْ نمزّقَ شرنقة عنكبتْ في حقولكِ الشاسعةِ؟ ومتى ستزهرُ شرفاتكِ المدثّرةِ بجروحٍ نازفةٍ تفيضُ بالقرابين؟ ساجمعُ مِنْ على جسدكِ ما خلّفتهُ المحنة أصوغهُ قناديلاً تضيءُ وحشةَ الفجرِ وتمزّقُ هذا الليلَ الطويل، أيّتها الساكنةُ في سواقيِ الشهقةِ تدفّقي ياقوتاً يرصّعُ أبوابنا المغلولةِ بالصمتِ، ما أحرَّ لهيب الروحِ وقدْ إستشرسَ هذا الطغيانَ وتهدّلَ حزني فأوقفي هذا التصحّرَ بنبيذٍ طالما انتظرتهُ على مضضٍ، احتشدي مِنْ جديدٍ وانزعي مِنْ عيوني الذابلاتِ سنيناً ثيّباتٍ، فكمْ ترنّحتُ على أرصفةِ الخناجرِ مطعوناً أبكيكِ معشوقة رائعة، بينما قصائدي الملتهبةِ حقولاً مِنَ الحنينِ تبذرينها دائماً في صدري أرتّلها إذا أصابكِ الخطر، لنْ يتكاثرَ الحزنُ مجدّداً في أرضي ولا تتعثرُ الخطوات وأنتِ الآنَ تمطرينَ حجارةً مِنْ سجّيلٍ على رؤوسِ الطغاة.


*لغة المرآيا والنصّ الفسيفسائي: إن طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة يمكن من القول أننا نظرنا للشيء الواحد من زوايا متعددة، و من هذه الحيثية يمكن وصف النص بأنه متعدد الزوايا، إلا أنه لو نظرنا الى التراكيب فيما بينها فإنا سنراها تركيبة فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف هذه اللغة بلغة المرايا و وصف النص بالنص الفسيفسائي.

ذ. كريم عبد الله / العراق



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *