أتيت من البلاغة بالبيان.. / بقلم: ذ. محمد الدبلي الفاطمي / المغرب


يُعرّفُ الكلامُ بانّه عيارُ كُلّ صناعةٍ وزمامُ كلّ عبارةٍ وَقِسْطاسٌ يُعْرفُ بهِ الفَضْلُ والرّجحان. وميزانٌ يُعْلَمُ بِهِ الزّيادةُ والنُّقصان. والكلامُ كَيْرٌ يُمَيَّزُ بِهِ الخاصُّ والعام والخالصُ والمَشوب وَيُنْظَرُ بِهِ الصّفْوُ والكدرُ وَسُلَّمٌ يُرْتَقى بِهِ إلى مَعْرِفَةِ الصّغير والكبير وَيوصَلُ بِهِ إلى الحقير والخَطير. والكلامُ آلةٌ لإِظْهارِ الغامِضِ المُشْتَبِه وأداةٌ لِكَشْفِ الخَفيِ المُلْتَبِسِ. وبالكلامِ تُعْرَفُ ربوبيةُ الرّبّ وحجّةُ الأنْبياءِ والرّسُلِ وَيُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شُبُهاتِ المقالاتِ وفساد التّأويلاتِ. وَبِهِ تُدْفَعُ مُضِلاّتُ الأهْواءِ والنِّحَلِ وتُبْطَلُ تَأْويلاتُ الأدْيانِ والمِلَلِ. كما أنّ الكلامَ يُنَزّهُ عَنْ غَباوَةِ التّقليدِ وغُمّةِ التّرديد. وهذا ما نَسَجْتُهُ منَ البلاغة بِخيوط البَيان..

أَتيْتُ منَ البَلاغَةِ بالبَيانِ
دعيني في عيونك أستريحُ *** فأنــــــــت النّور والأمل المريحُ
رأيت بك الوجود على ضفاف *** من الأشعار أبدعها الفصـــيحُ
ومنك النّور أشرق في كياني *** وتحت الرّغوة اللّبن الصّــريحُ
كأنّ تعلّمي اخترق انحطاطي *** فزال الجــــهل وانهزم القبـــيحُ
وإنّ الجدّ بالأذهان ينــــــمو *** وعجز المرء يعـــقبه الطّــــليحُ


إذا شئنا الصّعود إلى الجبالِ *** علــــــينا بالكفاح وبالنّـــــضالِ
علينا أن نعلّم ما استطـــــعنا *** لأنّ العلم مفـــــــــخرةُ الرّجال
فكم من أمّة بالعـــــلم قامت *** فأحــــــيتْ بالثّقافة كـــــلّ بالي
وكم من أمّة كانت فأمستْ *** رمــادا تحت خاصـــــرةِ اللّيالي
ومن رضي المهانة عاش قرداً *** يقلّدُ ما يراهُ من الخــــصال


أتيتُ من البلاغة بالبــــــيان *** لأرسم ما يفـــــــوح به لساني
وكنت ألاحق الأيّام جرْياً *** أفتّشُ في الزّمان عن المــــــــكان
ولم أعثر على التّرياق إلاّ *** بعــــــــيد الفــــجر في برّ الأمان
وكان اللّيل للشّعراء مثلي *** حصانا في ملاحقــــــــة البــــيان
رأى مرّ السّنين أخذن منّي *** شبابا في الرّبيــــــع من الزّمان


أرى لغتي تُبادلني الوئاما *** كأنّ بيانها أضـــــــــــــحى إماما
تغازلني بأحرفها انشراحاً *** وتمنــــــــــــحُني المودّة والوئاما
وجدت بها التّعلّم ليس صعباً *** إذا الإعراب بيّنها انســــجاما
وكنت أحاولُ استظهار نظم *** تراه قريحتي شعــــــراً وساما
وما التّحصيلُ إلاّ بذلُ جُهدٍ *** بمـــــعرفة تكــــــــونُ لنا لجاما


علينا أن نثور على الغباء *** ببحــــــــث في العلوم عن الدّواء
فعرقلة التّعلّم في بلادي *** سترمي بالعـــــــــــقول إلى الهُراء
وعندئذ سنحصدُ ما زرعنا *** وحصدُ الزرع يحْرُمُ في الشّتاء
وإنّ الجدّ في التّدريس فرضٌ *** لترقية التّعـــــــــــــلّم بالذّكاء
وأمّا إن تركنا الجدّ عــــمداً *** سنبقى كالبهــــــائم في الوراء

ذ. محمد الدبلي الفاطمي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *