فن كتابة البورتريه / بقلم: ذ. مجد الدين سعودي / المغرب


استهلال
لكتابة البورتريه عدة شروط وأسس ومقومات أساسية، على كاتب البورتريه التسلح بها، لتكون كتابته موضوعية وحيادية ومجردة من كل ذاتية أو منفعة خاصة. فالبورتريه يكتب خصيصا عن شخصية معطاءة مشهورة تركت بصماتها بشكل واضح في حقل معين. فيتم تناول حياته ومنجزاته وأعماله بشكل حيادي وبلغة دالة تنم عن الشفافية والموضوعية.
يقول جميل حمداوي: (ويعد البورتريه من أجناس التحرير الصحفي وفنونه البارزة. ويقصد به تقديم ريبورتاج كامل وشامل حول شخصية بارزة أو نافذة في المجتمع، بالتركيز على سيرة الشخصية في مسارها التعاقبي، واستعراض منجزات الشخص، وأهم أعماله البارزة، وتبيان خصائص الشخصية من النواحي الجسدية والنفسية، والتركيز على نمط عيشها، ورصد الحياة البيوغرافية، وذكر تصريحاتها، والتوقف عند مختلف آرائها الصريحة وغير المعلنة).[1]
فالبورتريه يكتب عن كل شخصية بارزة فاعلة ومؤثرة، قدمت خدمات جليلة لحقل من حقول المعرفة والسياسة والرياضة وغيرها، ولهذا تجد كاتب البورتريه قليل الكتابة، لأنه لا يكتب الا عمن تتوفر فيهم تلك الصفات وهم بطبيعة الحال قلة وليس كثرة.
ولهذا يؤكد مرة أخرى جميل حمداوي، فيقول: (ويعني هذا أن البورتريه الصحفي استطلاع حول شخص نافذ أو بارز أو مشهور في ميدان من ميادين الحياة العامة)[1]

ان فن البورتريه فن صعب، يحتاج من كاتبه ثقافة عامة وحمولة معرفية واختيار استشهاداته بعناية فائقة.

1ـ مفهوم البورتريه الصحفي
يقول جميل حمداوي: (يعد البورتريه أو البروفايل الصحفي (Portrait/Profile) من أهم أجناس الكتابة الصحفية، ومن أهم فنون التحرير الصحفي إلى جانب التحقيق، والخبر، والتقرير، والاستطلاع، والمقال، والمقابلة، والافتتاحية، والعمود الصحفي. وهو أداة إعلامية مهمة لتعريف القراء بمجموعة من الشخصيات النافذة والمشهورة والمرموقة في المجتمع كالسياسيين والرياضيين، والنجوم، والفنانين، والأدباء، والعلماء، ورجال الدين، ورجال المال، إلخ…)[1]
لقد جاء تعريف الدكتور جميل حمداوي واضحا لا لبس فيه، فهو يركز على الشخصية المشهورة والتي تترك أثرا كبيرا في المجتمع بعطاءاتها وأعمالها ودخولها التاريخ من باب العمل والجد والعطاء.
وهذا ما أكده الإعلامي المغربي عبد الوهاب الرامي قائلا:
(ان تقرير عرض الشخصية أو “البورتريه” يُنجز لضرورات متعلقة بتأثير أشخاص معيّنين في الأحداث الجارية، أو المرّشحين للتأثير في الأحداث.)[2]
ويواصل عبد الوهاب الرامي قائلا: (“البروفايل” يعمد إلى تقريب القارئ من شخص ما عبر إبراز ما يميّزه وينفرد به.)[2]
وقد أجمع عدة باحثين على تناول البورتريه لشخصية نافذة ومعطاءة، وفي هذا الصدد يقول محمد أبو دون: (“البورتريه”. وهو نمطٌ صحفي يندرج ضمن فن التقرير، يسعى لرسم ملامح شخصية معينة تؤثر في بعض الأحداث، ويتضمن معلومات توضح أهم المحطات والتفاصيل التي قادت الشخصية إلى المكانة التي وصلت إليها).[3]
لنتمعن في مقولة لوغارديت مارتان: (البورتريه، مقال يرسم شخصية فرد ما معروف أو غير معروف عبر خصائصها: سيرتها الذاتية، وأنشطتها، وتصريحاتها، وطريقة عيشها، ومظهرها الخارجي.)[2]

2ـ خصائص البورتريه الصحفي
كتابة البورتريه تحتاج الى عمل جبار متواصل يتطلب أياما وأياما، فعملية جمع المعلومات والوثائق والأقوال تتطلب التمحيص والتدقيق وعملا شاقا، ثم تأتي مرحلة الفرز ووضع تصميم للبورتريه وعنونة كل مراحل البورتريه كما سنلاحظ فيما بعد.
يقول جميل حمداوي: (ويحتاج البورتريه إلى دراسة دقيقة ومستفيضة، تتمثل في جمع المعلومات الكافية حول الشخصية، وجمع الوثائق والبيانات وأقوال الشهود وتصريحاتهم، وإعداد خطة قبل كتابة البورتريه من أجل الوصول إلى الهدف المنشود بنجاح كبير. لذا، على الصحفي أن يختار الشخصية المناسبة، وينتقيها بشكل جيد، ويحدد معها الموعد لمقابلتها بغية اجراء حوار، أو جمع معلومات مستفيضة حولها لكتابة بورتريه صحفي شامل…)[1]
لهذا فكتابة البورتريه يوازي رسم لوحة فنية، فلا مجال لتلويثها بكثرة الألوان أو إضافة توابل عليها قصد تلميعها، فتصبح سيئة ومشوهة.
لهذا نصحنا رسام شهير قائلا: (انتبه.. فأنت حين تكتب البورتريه ترسم لوحة.. وحذار من زيادة اللون.)
ونعود مرة أخرى لجميل حمداوي الذي يقول: (وغالبا، ما ينصب البورتريه الصحفي على شخصية بارزة ونافذة ومشهورة في المجتمع. بمعنى أنها قد أعطت الكثير للمجتمع في مختلف الميادين والمجالات. ولا ينبغي أن تكون شخصية عادية كباقي الناس، بل لابد أن تكون شخصية مثمرة ومنتجة قد ساهمت في بناء الوطن والأمة على حد سواء. )[1]
لنتأمل المثل الإيطالي القائل: (نستطيع رسم زهرة، لكن من أين نأتي بالرائحة؟). نعم يستطيع الكل كتابة بورتريهات تطغى فيها الذاتية، ولكن؟ من أين تعطيها قيمتها الأدبية والفنية؟
وقد انتبه جميل حمداوي لبعض الكتابات الانطباعية والعاطفية، فقال: (أن يكون البورتريه الصحفي اخبارا صحفيا، وليس مقالا ذاتيا وانطباعيا وعاطفيا، وعليه أن يتأسس على الكتابة الموضوعية الرصينة والمحايدة.)[1]
يقول محمد أبو دون: (وتبرز عطا الله أنّ الصحفيين في البورتريه يبحثون عن شخص ذي قصة مثيرة للاهتمام ليعرضوا جانبًا مختلفًا من خلال التوغل في عالمه عبر أسلوب رشيق يتسم بالصياغة الوصفية المحكمة، مشيرةً إلى أنّ كتابة البروفايل تتطلب مجموعة من المهارات المتوازنة التي تحقق انسجامًا بين حواس الصحافي الخمسة، ليكون قادرًا على استشعار كلّ التفاصيل المحيطة بمادته.)[3]

3ـ أنواع البورتريه
هي كثيرة ومتعددة، فهناك البورتريه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والفني والأدبي والصحفي وغيره.
وسننقل للأمانة العلمية ما كتبه الدكتور جميل حمداوي في هذا الصدد: (يمكن الحديث عن أنواع عدة من البورتريه الصحفي، ويمكن حصر تلك الأنواع والأشكال فيما يلي:
أولا، البورتريه السياسي: يركز هذا النوع من البورتريه الصحفي على الشخصيات السياسية والحزبية والنقابية ذات التوجه السياسي، أو الشخصيات التي تنتمي إلى السلطة التنفيذية كالوزير مثلا، أو على النخب السياسية ذات الوزن الثقيل في الحياة السياسية الوطنية.
ثانيا، البورتريه المجتمعي: يهتم هذا النوع من البورتريه الصحفي بالشخصيات النافذة مجتمعيا كالشخصيات التي تنتمي إلى المجتمع المدني من أجل خدمة الصالح العام.
ثالثا، البورتريه الاقتصادي: يهتم هذا البورتريه الصحفي بالشخصيات النافذة في عالم الأموال كالمستثمرين، ورجال الأعمال، والمقاولين الكبار، وأصحاب الشركات والمشاريع الكبرى، وأرباب العمل، والمصدرين، والمستوردين، والشخصيات الغنية التي لها قوة نافذة في مجال المال والأعمال والاقتصاد السياسي.
رابعا، البورتريه العلمي: يعنى هذا البورتريه الصحفي بالشخصيات العلمية النافذة كالمثقفين، والعلماء، والأطباء، والتقنيين، ورجال العلم، والخبراء، والمهندسين، وغيرهم…
خامسا، البورتريه الأدبي: يهتم هذا البورتريه الصحفي بالأدباء من شعراء، وكتاب، ومبدعين، وقصاصين، وروائيين، بذكر سيرهم، والتعريف بمنتجاتهم الأدبية في مختلف الأجناس المعروفة.
سادسا، البورتريه الفني: وهنا، يركز البورتريه الصحفي على الشخصيات الفنية النافذة والبارزة والمشهورة في عالم الفن كالمسرحيين، والسينمائيين، والتشكيليين، والمغنين، والراقصين، إلخ…
سابعا، البورتريه الرياضي: يهتم البورتريه الصحفي بالشخصيات الرياضية والكروية التي لها شهرة كبيرة جدا في مجال الرياضة.
ثامنا، البورتريه الصحفي: يهتم البورتريه الصحفي، بفئة الصحفيين والإعلاميين والمذيعين والمحررين والمسؤولين عن الصحف والجرائد والمجلات العلمية، بذكر منجزاتهم، والتعريف بما قدموه من مشاريع وأنشطة من أجل تطوير الإعلام بصفة عامة، والصحافة بصفة خاصة).[1]

4ـ مميزات كاتب البورتريه
كاتب البورتريه يشبه كاميرا حية، فهو ينقل لنا المعلومات بحيادية وواقعية دون وضع رتوشات على كتابته، هو كما يقول جميل حمداوي: (ينبغي أن يتصف كاتب البورتريه الصحفي بالحرفية والمهنية في مجال الصحافة. أي: يكتب البورتريه الصحفي من زاوية صحفية، و، وليس من زاوية أدبية إنشائية محضة، حيث يكتب سيرة ذاتية تزخر بالصور الأدبية والبلاغية، باستعمال المجاز، وأسلوب الخيال المجرد والمجنح في التأملات، والمبالغة في التوصيف والثناء، والمبالغة في الشكر، والتعظيم، والتقدير.)[1]

5ـ تقنيات كتابة البورتريه الصحفي
لا بد لكاتب البورتريه من وضع مقدمة مناسبة لبورتريه ثم جسد البورتريه أو موضوعه ثم خاتمة ينهي بها بورتريه.
وهذا ما يفصله لنا جميل حمداوي قائلا: (يتحدد البورتريه الصحفي بكتابة المقدمة، والجسد، والخاتمة. وبعد ذلك، يبدأ الصحفي برسم سيرة الشخص، بذكر الاسم الشخصي والعائلي، والإشارة إلى لقبه أو درجته العلمية، بتحديد وظيفته الاجتماعية والمهنية، والتلميح إلى المناسبة أو السبب الموضوعي الذي دفع الصحفي إلى كتابة البورتريه. .. وبعد ذلك، يعرف بالشخص انطلاقا من وظيفته الاجتماعية والمهنية، وفي ضوء حياته الخاصة والعامة، والتوقف عند حياته الأسرية والعائلية. ومن هنا، يحدد الصحفي بعض الملامح التي تميز هذه الشخصية وتفردها عن باقي الشخصيات النافذة في المجتمع…
وبعد ذلك، يكتب الصحفي تقريره في شكل فقرات متسلسلة متعالقة موضوعيا وعضويا، ومتسقة ومنسجمة؛ حيث تترابط كل فقرة بحدث أو ظرف أو واقعة ما، دون ذكر كل شيء عن حياة الشخصية، بالدخول في تفاصيل ومتاهات دون تسلسل، أو تركيز، أو انتقاء).[1]
ان كتابة بورتريه متكامل يتطلب عنونة الفقرات لتحديد هذه الفقرات وتقسيم البورتريه، بعبارة واضحة لا بد من عنونة أقسام موضوع البورتريه، لكيلا يختلط الحابل بالنابل، فالكتابة بدون عناوين مجرد تيه ودوران والتفاف.
العناوين الفرعية هي بوصلة الكاتب لإخبارنا بأقسام بورتريه، وعندما تغيب العناوين يغيب النسق الفكري والصحفي.
في هذا الصدد يقول جميل حمداوي: (ولابد من المزج بين جميع مكونات البورتريه الذهنية والنفسية والحركية والقيمية لخلق حيوية ديناميكية في الفقرات النصية والصحفية. وهنا، لابد من عنونة الفقرات، وطبعها بشكل بارز. فضلا عن الاسترشاد بالمؤشرات الزمنية والمكانية، ووضع العناوين الموضوعاتية، والعودة من حين لآخر إلى السيرة العلمية للشخصية.)[1]
ثم يؤكد مرة أخرى: (ولابد من استعمال العناوين الإخبارية التي تلخص الأحداث والوقائع الجارية، وتحويلها إلى رسائل هادفة وصائبة. ومن ثم، يرفق البورتريه الصحفي بالصور والوثائق وصورة شخصية حديثة، باستعمال عناوين ثانوية وفرعية تلخص وقائع الفقرات المتسلسلة. علاوة على الاعتناء بصفحة البورتريه، والتمهيد للأحداث المفصلة حتى ينتهي البورتريه بتقويم نقدي، أو بإدلاء آراء شخصية في حق الشخصية المستهدفة، أوترك المجال للمتلقي ليدلي بدلوه)[1]

خاتمة
فن كتابة البورتريه فن صعب ونبيل لا يجيد كتابته الا قلة، وهناك متطفلون على هذا الفن الراقي لتحويله الى سلعة، كما يقول خالد أبو الخير: (يمكن لأي أحد أن يغني، ما دام يعجبه صوته في الحمام؟ ويمكن بالتالي لأي كان أن يكتب البورتريه.. الذي بات مهنة من لا مهنة له، وباب «رزق» لمن يحسن المدح ووضع مكياج النفاق والتجميل.)[4]
ان الأهداف السامية تجعل من فن البورتريه فنا نبيلا وقضية، ولهذا قال رسام الكاريكاتور ناجي العلي: (أرسم لأصل فلسطين)، فهو يرسم من أجل قضية وعن مبدأ وقناعة.
ذات بهاء قال بلوتارخ: (الرسم شعر صامت، والشعر رسم متكلم.)، وأضيف قائلا: البورتريه شعر صامت ورسم متكلم معا.
ونعتز بكتاب البورتريه القلائل الذين يبصمون حياتنا بالبهاء والعطاء الذين يشتغلون في صمت.

ذ. مجد الدين سعودي / المغرب


احالات
[1] جميل حمداوي: البورتريه أو البروفايل الصحفي.
[2] عبد الوهاب الرامي: الأجناس الصحفية: مفتاح الاعلام المهني.
[3] محمد أبو دون: البروفايل الصحفي.. السهل الممتنع.
[4] خالد أبو الخير: كيف تكتب البورتريه؟



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *