ارتسامات مطلة على قصيدة زهور امرأة شرقية للشاعرة العراقية إيمان الخلاني / بقلم: ذ. سعيد محتال / المغرب



دأب الشعر المُعاصر على تتبع الجمال الكامن في الاشياء المحيطة بالشاعرة، يحاول ملامسة جوهر المعنى المناسب من الالفاظ ورمزيّة تركيبها ودلالاتها لتحقيق البعد الجمالي النصي المقتبس من الطبيعة وما يحيط بالإنسان من أزهار وأشجار وغيرها من الكائنات..
والحديث عن الزهور حديث عن الاشتعال والإضاءة والصفاء والتلوّن، وعن البدايات الجديدة..
وتعتبر لغة الزهور من أرقى لغات التواصل التي تحمل من المشاعر الإنسانية ما يوحي بالكثير،
وقد وجدت الشاعرة ضالتها في الحديث عن الزهور، والتي اتخذتها كعنوان لقصيدتها “زهور امرأة شرقية” لتمرير انطباعات خاصة عن وقائع معينة.
فعن أي زهور تتحدث الشاعرة؟
وما علاقة امرأة شرقية بالشاعرة.!؟
سرعان ما نجد الجواب عن السؤال الثاني مع بداية انطلاق النص حيث تستحضر الشاعرة ذاتها مباشرة من خلال استعمال ضمير المتكلم “أنا”
مضافا إلى امرأة شرقية “أنا امرأة شرقية”..
والحديث عن المرأة الشرقية حديث عن هموم وطموح كل امرأة شرقية تود تحقيق أحلامها زمن الضجيج والحروب التي ملأت البقعة الشرقية بالظلام..:

أنا امرأة شرقية تود قطف النجوم
لتملأ في سمائها الأنوارا…

رغبة منها المساهمة في ملء الأرض نورا وتقديرا بدل الجور والظلم، وهنا نجد تلميحا لمعنى الزهور التي تود الحديث عنها، فاسندت فعل القطف للنجوم رغم بعد المساحة واستحالة حصول الفعل، مما يوحي بصعوبة الوضع والاحداث التي تمر بها المنطقة التي تقطنها الشاعرة (بغداد) الى حدود فلسطين، وما تمر به غزة حاليا من تدمير وتقتيل، بل نجد طموح الشاعرة ورغباتها تمتد إلى أقصى الحدود (العالم)..؛
بل الأهم والأسمى في نظرها هو صفاء القلب وطهارته، وهذا ما يساعد على انتشار ثقافة الاحترام والوقار بين سكان العالم، الذين تجدرت فيهم مؤخرا ثقافة حب الذات والانانية:

تبث زهو الربيع في الفؤاد
ليزداد العالم حسنا ووقارا…

لكن الزمن لا يرحم وطول الانتظار من شأنه أن يزيد الجرح ألما، فلا بد من فعل ما من شأنه حد لسعات عقارب الوقت:

تلسعني عقارب الوقت
كلما أطلتُ الوقوف انتظارا..

وهذا يتطلب اقتناص أهم اللحظات التي من شأنها تحسين حالة المكان الحالك والمتعطش لنور الحرية والازدهار:

أقتنص الغيم المعتق من فوقي
ومن فوقِ الندى سرا وجهارا..

لجأت الشاعرة الى توظيف فعل اقتناص الغيم لإعطاء النص بعدا فنيا وجماليا يتناسب مع طول الانتظار الذي يسبب الانكسار، والحديث عن غيم معتق يجرنا الى توضيح المقصود من المعتق، هل هي المعتَق أم المعتِق أو المعتّق بالشدة!؟
الأول معناه المحرّر
اما الثاني فهي من فعل عتّق، نقول:
عَتَّقَ الثَّوْبَ: صَيَّرَهُ عَتِيقاً
عَتَّقَ الخمرَ: تركها لِتَقْدَمَ وتطيب،
والسياق يوحي بأن المقصود هو المعنى الاول، فالشاعرة تترقب من يعتِق البلاد والعباد من قحط القلوب وكساد العقول، مما نتج عن ذلك سوء التصرف والمبالغة في الدمار.. فأملها كبير أن يساهم الغيم والندى في إنماء الزهور التي تترقبها بكل شغف..، لذا نجد الشاعرة تحاول جاهدة أن تسمع صوتها كي تخرج نفسها من رفات الصمت الذي أصاب الديار:

ألملم روحي من بين الرفات
وأصرخ ملئ صوتي أين الديارا..

وتبقى أشعارها وممارسة فعل الكتابة خير وسيلة لإحياء ما اختفى من جمال عن انظارها وما أصاب القلوب من جراح.. والشعر الجميل في نظر الشاعرة من شأنه أن يحيي شوق القلوب إلى الجمال، لأن الشوق خير محفز لإحياء المشاعر النبيلة وإبرازها إلى حيز الوجود، كما يرفع الضيق عن القلوب.
صور شعرية تناسب الجو العام للقصيدة: “ارتوي أجمل ابيات الشعر” ، “سر العشق الشوق”، تقارب في الاصوات وتقابل بين الحروف والكلمات:

وارتوي جميلِ الشعر ابياته لأن
الشوق يجعل القلوب بالعشق سكارى..

فاللجوء الى الشعر قراءة وكتابة من شأنه أن ينسيك تكدس الأحداث وتقلب احوالها، بل يجعلك تخرج من آفاتها، ويساعدك للخروج من ازماتها، وأن تزهر الحياة من جديد:

مل الأحداث تتكدس حولي
وما هي سوى أطياف تضمُّ الحيارى..

نص مشحون بالحديث عن المشاعر الوجدانية، وإن كان هدفه التطرق إلى قضايا وطنية وإنسانية مما جعل السرد يهيمن على القصيدة نتيجة انفعالات ذاتية مع وقائع عاينتها الشاعرة، وهذا ما جعل ضمير المتكلم يهيمن على كافة زوايا النص، حضور قوي وطبيعي للذات الشاعرة مادامت فضلت التطرق لهمومها كامرأة شرقية عانت وما زالت تعاني من نزيف داخلي وتصدعات مجتمعية، وهذا يؤكده حضور افعال المضارعة بكثرة، ولا يكاد يخلو منها اي سطر، الأحداث الحاضرة اثرت بشكل ملحوظ على نفسية كل مواطن غيور، فكيف بالشعراء الذين همهم مضاعف، ومسؤوليتهم اكبر ..
وتبقى الكتابة خير وسيلة للدفاع عن مثل هذه القضايا، والتطرق اليها من مختلف الزوايا.
وهذا لم يمنع ان يحضى النص بأساليب بلاغية بديعة وصور شعرية بليغة تصور حالة نفسية بشكل دقيق، زد على ذلك التنوع الصوتي والتقارب الدلالي أعطيا للنص انطباعا تشعر من خلاله وكأنك وسط بيئة طبيعية متنوعة القطوف محاطة بغيوم تحن عليها من وجع الاطياف التي تلم بهم فترويها ندى بعطر اجواءها وينسيها أوجاعا ما كانت تؤثر في نفسية الشاعرة لولا تزاحمها المتكرر..، فكانت زهور الشاعرة بمثابة صور بصرية استخدمتها للتعبير عن مشاعرها وأفكارها، وحول ما يجول بخاطرها من صور حياتية تتمنى عودتها، كما تحاول إثارة فضول القارئ العاطفية وترك انطباع حسي لديه، من خلال تناغم الاصوات والألفاظ التي اختارتها بعناية.. تناغم الزهور المتعددة الألوان والاشكال، وكتعبير عن نعومة الحياة والرغبة في نضجها، وعن هدوء الشاعرة وسلامها الداخلي..


زهور امرأة شرقية…

أنا امرأة شرقية تود قطف النجوم
لتملأ في سمائها الأنوارا…

تبث زهو الربيع في الفؤاد
ليزداد العالم حسنا ووقارا…

تلسعني عقارب الوقت
كلما أطلتُ الوقوف انتظارا..

أقتنص الغيم المعتق من فوقي
ومن فوقِ الندى سرا وجهارا..

ألملم روحي من بين الرفات
وأصرخ ملئ صوتي أين الديارا..

وارتوي من جميلِ الشعر ابياته
لأن الشوق يجعل القلوب بالعشق سكارى..

مل الأحداث تتكدس حولي
وما هي سوى أطياف تضمُّ الحيارى..

ذة. إيمان الخلاني / العراق

ذ. سعيد محتال / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *