الشاعرة سوار غازي في النص الشعري (الذئاب): موت القيم الإنسانية في مجتمع ذكوري / بقلم: ذ. مجد الدين سعودي / المغرب



استهلال
تعترف الشاعرة سوار غازي بعشقها للكتابة، اذ تجد فيها الملاذ والأمان معا،
تقول سوار: (الكتابة فكري، ومكمن سري، وصدى هواجسي..)
تقول سوار كذلك: (الكتابة صهيل ذات في مدار اللغة…
هي همس الصوت المكسور بداخلنا..
هي أيضا صرخة روح مشروخة مكلومة، وامنيات وأحلام..
هي نبض الاحاسيس نكتب معانيها، نحملها بين شغاف الوتين وأخرى تولد قسرا حولنا..).
وفي إهداء بهي، تهتف: (إلى عزيزتي التي هي أنا..
أود أن أشكرك على صمودك الدائم، وشجاعتك في مواجهة كل تلك الأزمات..
شكراً على كل يوم لم تستسلمي فيه للحزن، وكل يوم لم تسمحي فيه لليأس أن يتملكك، أود إخبارك أنكِ رائعة وقوية..
وعليكِ أن تستمري في دَرب السعي حتى وإن بدا لك طويلا وشاقا.. واصلي رحلة الكتابة بثقة ومثابرة.. والغد أجمل بإذن الله تعالى..
ثم السلام لك وعليك..).

1- في العنوان(الذئاب)
جاء العنوان واضحا فاضحا، فهي تخاطب كل من أصبح قلبه قاسيا ويتخذ المرأة سلعة ومطية لتلبية غرائزه عبر فكر شرقي ذكوري أناني يعتبر الفحولة والقوة من شيم الرجل وبالمقابل يعتبر الضعف والاستسلام لنزواته من شيم المرأة.
الذئب هو رمز الخيانة والكذب والمكر، وهي صفات الغدر وتدني القيم الإنسانية.
وعن قساوة الليل والغربة والشتات، يقول محمود درويش: (الليل يا أماه ذئب جائع سفاح يطارد الغريب أينما مضى).
وقد صدق الشاعر المصري نجيب سرور، وهو ينشد:

(أنا لست أخشى الذئب ذئبا، انما أخشاه في جلد الحمل،
رعبى عدو لا أراه..
أو لا أراه، إلا إذا فات الأوان!
وأنا كأهل الشعر معلول البصر،
خمن.. أطول أم قصر؟!
الأمر فى الحالين ضعف فى النظر!
ماذا إذا كان الذئاب هم الرعاة؟)

2- مميزات (ذئاب) سوار
بلغة شفافة فائقة العناية وقوية الوصف، تنشد سوار غازي واصفة ذئاب الشرق:

(فُحول هَمجية
تسربلتْ برجولةٍ زائفَة
رضعتْ مِنْ ثدِي العُهْرِ
مزَّقتْ لحْمَ الفضِيلَة
ارتشفتْ دمَ العذَارَى
بِكؤوسِ الخسَّةِ والنَّذَالَة
اغتصَبتْ طفولةَ أحلَامٍ ورْدِيَّة
اغتَالتْ في الأملُ إنبلاجُ الفجِر
استباحَتْ قلادةَ الطهرِ)

هي إذن ذئاب بشرية فاقدة الشهامة والرجولة شعارها العهر والخسة والنذالة، وتواصل بلغة الكشف والفضح:

(ذئابٌ بشريَّةٌ عابثَةٌ
تُختَالُ خلفَ أسجَافِ الخبث
كشفتْ عنْ ساقِ الأمِ.. الأختُ..
الزوجةُ والابنةُ …
دقتْ أوتاد الصمتِ بالحَلْقِ
دسَّتْ في مسَامِهِا ألفَ عارٍ
نسفتْ أمَاني العُمرِ)

فالرجولة كما يقول الطبيب والأديب المصري محمد المخزنجي: (الرجولة هي التي تصون للأنوثة عِزَّتها)، ولهذا تهتف الكاتبة ريم آقبيق: (لا تحدثني عن الرجولة.. دعني أراها).

3- مقابل الذئاب
مقابل الذئاب البشرية، نجد البراءة المدافعة عن نفسها وعن القيم الإنسانية الحقيقية:

(على رصِيفِ الخطَايا
رَصدَتْ طهرَ البرَاءةِ
راودتْهَا عن نفسِهِا….)

فالبراءة كما يقول جبران خليل جبران: (البراءة هي عين الطفولة، وما أجملها من عين.)، ولهذا اعتبر غاندي البراءة هي مفتاح كل شيء: (البراءة هي طريق النجاح في الحياة، والنزاهة هي مفتاح السعادة الحقيقية).

4- تمرد الذات الشاعرة ومواجهتها للذئاب
تمتاز سوار غازي بروح التمرد ومناصرة قضايا المرأة واقفة في وجه كل أشكال الظلم، ولهذا يأتي خطابا متمردا وقويا ومستفزا:

(فمهلًا …
مهلًا…. جِياعِ الشَّهوة
قَدْ صلبتُمُ الحقيقةَ
على مفاصِلِ الزيفِ
كيفَ لمْ تدْرُوا باحتدامِ
الآلامُ في جوفِ نُفوسٍ
بللهَا نزيفَ جُرْمِكُم
وكبَّلهَا قيدُ فحشِكُم)

ولهذا فتأتي كلماتها مزلزلة واضحة:

(تبًّا لكُم ….
اكبحُوا جماحَ رغباِتكُم
واعقِلُوها بحبالِ الخُلق
لا تكسِرُوا قلوبًا حَالمَة
بالخضابِ
لا تهتِكُوا جسدَ الأزهارِ
لا تصبغوا …
وجهُ غدِهَا بلونِ السوادِ
اتركوا …
ضفائرُهَا مدَّثَرَةٌ بشرائطِ
الساتانِ
واحترسوا التوَّغَلَ في باحةٍ
أرواحُهَا برِيئةُ)

5- خطابات النص
استعملت الشاعرة خطابين مختلفتين، فعندما تحدثت عن الذئاب، وصفتهم ب: (فُحول هَمجية، رجولةٍ زائفَة، العُهْرِ، الخسَّةِ والنَّذَالَة، ذئابٌ بشريَّةٌ عابثَةٌ، أسجَافِ الخبث، الخطايا، جِياعِ الشَّهوة، صلبتُمُ الحقيقة، مفاصِلِ الزيفِ، نزيفَ جُرْمِكُم، قيدُ فحشِكُم، جماحَ رغباِتكُم، لونِ السوادِ).
وعندما تحدثت عن الزهور استعملت التعابير التالية: (الفضِيلَة، ا دمَ العذَارَى، طفولةَ أحلَامٍ ورْدِيَّة، الأملُ إنبلاجُ الفجِر، قلادةَ الطهرِ، الأمِ، الأختُ، الزوجةُ، الابنةُ … أمَاني العُمرِ، طهرَ البرَاءةِ، الحقيقة، قلوبًا حَالمَة، جسدَ الأزهارِ، أرواحُهَا برِيئةُ).
يقول أرسطو: (المرأة طائر جميل تقتله الأقفاص)، فالحرية نعمة تفيد المرأة للتعبير عن نفسها وأحلامها وواقعها ومستقبلها، لأن المرأة كما يقول شيكسبير: (المرأة كوكب يستنير به الرجل، ومن غيرها يبيت الرجل في الظلام).

وباختصار نقول مع فولتير: (خلقت المرأة لتشعرنا بمعنى الحياة، فهي مثال الرقة والكمال).

6- لغة النص الشعري (الذئاب)
هي لغة صادمة وقوية تفوقت الشاعرة في إعطاء كل ذي حق حقه، حيث كشفت الشاعرة سوار غازي عن المستور وأوضحت معاناة المرأة بسبب نظرة الرجل الشرقي الدونية للمرأة، لهذا جاءت قصيدتها بطعم الصراحة والوضوح والمصداقية.

خاتمة
قصيدة (الذئاب)، اخترناها من ديوان الشاعرة سوار غازي الذي اختارت له العنوان التالي: (أثداء الكرز)، وهو ديوان يعري الواقع ويفضح ممارسات الرجل الشرقي وعقليته المتوحشة.
قصيدة (الذئاب)، اسم على مسمى، فكم من ذئب يتخفى خلف الشعارات والقيم الإنسانية، لكنه في أعماقه ذئب حقيقي يخفي غرائزه وتوحشه لينقض على أول فريسة يلقاها بدون شفقة ولا رحمة.

ذ. مجد الدين سعودي / المغرب


النص الشعري (الذئاب) للشاعرة سوار غازي

(فُحول هَمجية
تسربلتْ برجولةٍ زائفَة
رضعتْ مِنْ ثدِي العُهْرِ
مزَّقتْ لحْمَ الفضِيلَة
ارتشفتْ دمَ العذَارَى
بِكؤوسِ الخسَّةِ والنَّذَالَة
اغتصَبتْ طفولةَ أحلَامٍ ورْدِيَّة
اغتَالتْ في الأملُ إنبلاجُ الفجِر
استباحَتْ قلادةَ الطهرِ
ذئابٌ بشريَّةٌ عابثَةٌ
تُختَالُ خلفَ أسجَافِ الخبث
كشفتْ عنْ ساقِ الأمِ.. الأختُ..
الزوجةُ والابنةُ …
دقتْ أوتادُ الصمتِ بالحَلْقِ
دسَّتْ في مسَامِهِا ألفَ عارٍ
نسفتْ أمَاني العُمرِ ….
على رصِيفِ الخطَايا
رَصدَتْ طهرَ البرَاءةِ
راودتْهَا عن نفسِهِا ….
فمهلًا …
مهلًا…. جِياعِ الشَّهوة
قَدْ صلبتُمُ الحقيقةَ
على مفاصِلِ الزيفِ
كيفَ لمْ تدْرُوا باحتدامِ
الآلامُ في جوفِ نُفوسٍ
بللهَا نزيفَ جُرْمِكُم
وكبَّلهَا قيدُ فحشِكُم
تبًّا لكُم ….
اكبحُوا جماحَ رغباِتكُم
واعقِلُوها بحبالِ الخُلق
لا تكسِرُوا قلوبًا حَالمَة
بالخضابِ
لا تهتِكُوا جسدَ الأزهارِ
لا تصبغوا …
وجه غدِهَا بلونِ السوادِ
اتركوا …
ضفائرُهَا مدَّثَرَةٌ بشرائطِ
الساتانِ
واحترسوا التوَّغَلَ في باحةٍ
أرواحُهَا برِيئةُ)

سوار غازي من ديوان (أثداء الكرز)



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *