الصخب والصمت (قصة قصيرة) / بقلم: ذ. محمد الكروي / المغرب


على الوسادة الفقيرة، في شقيها المرتفع والمنخفض، كنف غرفة طينية، طلاء أصفر شاحبا.
تمدد الصخب والصمت، همسات ومناجاة، عمل من خلالها الصمت، مع تدافع حلقات الزمن، على التخلص من كل ما لا يروق في الصخب.
كالحد من هدره المقلق أحيانا، ومرحه الذي يوقظ غفوة تصفيق خفيف، على سند من طقطقة كأس شاي، تدعمهما أغرودة صافية محتشمة مراعاة لحرمة الجوار… ومزاح يواكبه الأخذ والرد والانسحاب زوبعة ترتكن الانزواء تحت غمامة قد تستحيل ليلا دامسا، ان لم يفرمل لحظة التنبيه.
وتعاونه وإقباله على بريق الحداثة وأوامر ونصائح وتحفيز مرتعه خلال العقدين الأولين من الرحلة…
اطمأن الصمت، وهو يلمس، ما آل اليه عمله المفضي إلى ذوبان الصخب في هواه، كالملح في الماء، تلبية مرام واحلام أظهرا نجابة الصخب، في استيعاب دفء همس الوسادة، وقد ترجمت واقعا نفض يده من عادات الأمس، وهو ما أكد إرادة وعزم الصمت في مزيد من التفتق والابداع، إلا أن هذا التغير من حالة الى ضدها، اثار الدهشة والاستغراب الى جانب اسئلة العيون والافواه:
-اين ذلك الصخب، اين، اين؟
قلق الصمت وتوتر وازداد منسوب غيضه، وبات لا يولي أي اهتمام لما يقال، بينما الصخب وضجر السؤال يقرع اذنه في استفسار يقول وعيناه لا تستقران على شيء.
-هذا كلام خاو… وفي نرفزة تود نهاية الكلام يغمغم دعوني وشأني، توحي بطفل مخنوق يجول المكان بعينين محمرتين.
غبارا داكنا، صال وجال، فرس الصمت تحذوه نظرة عميقة، قليلة الابتسامة، نادرة الضحكة، وردة الخدين، ترخيمة منى الروح، اليها تتطلع الاسارير، ارتخاء شعاع خاطف، يروي المحيا، والاذن وكل الجوارح المغمومة، الراقدة في هدوء، لا يكدر صفوه الا مرح وشغب براعم تدب الفضاء لعبا وتوترا فخصاما، يتم حسمه في الحين.
ذات يوم، أصغي الصمت الى ثناياه، والفاها تناجيه استكثار متاعه، حامت الومضة خياله، انكسار بريق خاطف، ثم مرحت فكره لحظات مختلفة، ليدعها ترددا ونزاعا داخليا شرسا، وإبر القلق وخز مؤلم، الى ان تفتقت العلبة السوداء عن انتقاص من خيط ماء الجديول، النحيف والذي يكاد يلتقط الأنفاس، لولا تدبير ارتأى مرغما جمع الاجمة، لري مبرقع خضير التوى من شدة العطش…
تفرقعت الرمانة اشلاء حامضة على وجه الصمت، بعد ان بث له وهمه شريط الحلم الوردي، رقصة متمايلة بين شذا الازهار وتغريدات البلابل، خيمة ظلال منعشة، فلا اشواك ولا عثرات، وكل ما هناك حائط قصير، من السهل تخطيه، وقطع الخيط الرفيع، مرادف نهاية الصداع… الا ان تراكم احداث الامس والمدونة اولا بأول كشفت عن تجرد قوي، قام بسرد الحكاية من الفها الى يائها، اضافت اليها تسليات الأعاشي وفقاعات الصابون تندرا، له يتغنى في انسياب عذب ماء الجديول بللا عبقا…

ذ. محمد الكروي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *