الديوان الزجلي (ضحكت القصيدة) للزجال بوعزة صنعاوي: ضحك حد البكاء / بقلم: ذ. مجد الدين سعودي / المغرب



القسم الأول

استهلال
يطل علينا الدكتور أبو القاسم رادفر جامعة آزاد الإسلامية جيرفت قائلا: (تعتبر السخرية طريقا خاصا للتعبير عن القضايا التي تدعو الى الانتقاد في المجتمعات بلغة ساخرة ملؤها الضحك والمزاح)..
هو الشاعر المسافر بزجله العميق المعطر بطعم المحاكمة والمحاسبة، يحمل دوما مصباح البحث عن الحقيقة التي لن يغطيها غربال التهميش واللامبالاة…

بوعزة صنعاوي، هو زجال ساخر، يلتقط المشاهد اليومية والمعيشية والصور الاجتماعية والسياسية والفكرية، يلتقط الفقر والقهر، ويحولها الى لقطات سينمائية بلغة الزجل، فتتراءى أمامك المشاهد والصور الساخرة، بعفوية وبديناميكية، يتراءى أمامك كما قال ذات بوح الزجال الكبير احميدة بلبالي: (يتراءى أمامك شارلي شابلن المغربي والزجلي.. ولهذا تقول الدكتورة سناء الشعلان: (وفي الأدب الحديث تولد عندنا مفهوم الفكاهة السوداء ليدل على ذلك الأداء الإبداعي الذي يصنع من البكاء ضحكا، أو يؤدي البكاء في صورة الضحك).
في كل الكتابات الزجلية للشاعر بوعزة صنعاوي، تطل علينا السخرية السوداء، يعانقها وتعانقه، يكتبها فتكتبه، تسبقه ابتسامته، تسبقه سخريته، فيجعل المتلقي منتشيا ومتفاعلا معه…
مع بوعزة صنعاوي نقول: (ان شر البلية ما يضحك…)
ولهذا تقول الناقدة مجيدة السباعي: (هو ذ بوعزة الصنعاوي رمز باذخ من رموز القصيدة الزجلية، زجال مثقف ضليع، يقبض على جمرة الإبداع بقلم تنوير وتحسيس، اختط لنفسه مسارا ثقافيا ناجحا.
يعانق الحياة حد الهوس، لكن ير فض ألوانها الرمادية، فينشر البهجة ويضمد الألم برحيق الجرأة ومتعة الإدهاش وشموخ الحضور.)1
بينما يؤكد نورالدين بوصباع: (والزجال بوعزة الصنعاوي حسب متابعتي واهتماماتي بالساحة الزجلية هو أحد الرواد الكبار والمؤسسين الأوائل لهذه الحركية الزجلية الرائجة اليوم وهو في نفس الوقت الصوت المتفرد الذي استطاع أن يخلق لنفسه أسلوبا خاصا في الساحة الزجلية وأن يثبت جدارته فيه وهو أسلوب السخرية، في قراءة ديوانه “ضحكت القصيدة” تطالعنا كثير من الصور الساخرة والتي توزعت بين صور تسخر من الواقع وصور تسخر من الكينونة الإنسانية وأخرى تسخر من القدر الوجودي.)2

في السيرة الذاتية
(بوعزة صنعاوي هو الأستاذ والشاعر الزجال الجريء الخفيف الروح… بوعزة صنعاوي من مواليد مدينة الرماني، تابع تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بمسقط رأسه، ويعمل به حاليا أستاذ اللغة العربية بالثانوية التأهيلية عبد الرحمان زكي. بدأ كتابة الشعر بالدارجة في مستوى الابتدائي، كبر وكبر الزجل معه، حتى أضحى هو والزجل سيان. إنه شاعر مهووس باللهجة الزعرية ومتقن لها وباحث فيها، ويكتب بها الزجل بامتياز نادر… يهتم كثيرا بالواقع المعاش، ويعيد إنتاجه وفق نسق زجلي كوميدي ساخر، يعطي للحرف والكلمة حقهما، يطرب عندما يلقي قصائده وهو يتفاعل معها… يرجع البعض شهرته في الملتقيات والأمسيات الشعرية إلى طريقته العجيبة والرائعة في الإلقاء… وأيضا حسب بعض النقاد، أن شهرة شاعرنا تعود إلى اللهجة الزعرية التي يتكلم بها ويتفنن في التعبير بها… شارك الشاعر الزجال بوعزة صنعاوي في العديد من الأمسيات والملتقيات الشعرية الزجلية على المستوي المحلي والوطني، وحصد خلالها العديد من الجوائز… قريبا سيصدر له ديوانه الزجلي الأول وقرصا مدمجا…)
“عن موقع زعير24 الالكتروني”

في العنوان: (ضحكت القصيدة)
يقول الأستاذ رضوان بونوار: (إن ديوان المبدع بوعزة صنعاوي الزجلي الموسوم ب “ضحكت القصيدة” يعلن منذ البدء ومن خلال العنوان انزياحه عن المألوف، حيث عمد الشاعر إلى توظيف أسلوب التشخيص من خلال إسقاط خاصية الضحك التي ترتبط بشخص الإنسان ليضفيها على قصائده الحبلى بالمعاني والمتدفقة بالدلالات العميقة في قالب فني ساخر.
ويؤطر صنعاوي منذ الوهلة الأولى نصّه ضمن جنس أدبي معين يتعلق الأمر بالقصيدة الزجلية الساخرة، وهو ما يجعل القارئ يعد عدته ويجهز ذخيرته اللغوية المرتبطة بهكذا نصوص لخوض غمارها وسبر أغوارها.)2
بينما نجد مجيدة السباعي تقول: (عنوان شاعري مثير جذاب رغم بساطته عميق الإيحاء، يمنح المتن الشعري هويته وبعد رمزيته، صيغ قصدا بالدارجة للدلالة على اللغة المختارة، جاء عبارة عن جملة فعلية، حيث أنسن الفعل فضحكت القصيدة، وليس لها فم ليضحك، وعادة إن الإنسان من يضحك.
لا شك أن فعل الإضحاك محور أساسي ومقصد رئيسي، فنحن على موعد مع الإضحاك في أسمى تجلياته وأبعد مراميه، إلا أنه إضحاك غير بريء..
يبدو جليا أن المبدع اشتغل بحذق على العنوان.)1

في الغلاف
وعن الغلاف يقول مع الأستاذ رضوان: (وأما الغلاف الذي بين أيدينا فإنه يحتوي في طياته على أشكال هندسية وصور كرتونية.
على المستوى الأيقوني نجد الغلاف يتوسطه مربع هندسي بلون يميل إلى الزرقة، وهو تحيين للحظات الاستقرار والثبات، وداخل هذا المربع تظهر صورة زيتية لفرقة موسيقية تضم ثلاثة فنانين يعزفون على آلات من اليمين: عود وطعريجة وكمان، وتتوسطهم راقصة تبدو عليها ملامح السعادة والانشراح، إنها تعيش اللحظة، ولهذه الصورة دلالات عدة لعل أبرزها تجسيدها للطابع البدوي المتمثل في العيطة خاصة الزعرية منها.
والمتمعن جيدا في اللون الأزرق الداكن الذي يغلب هذه الصورة يدرك أنه يرمز إلى القتامة التي يعيشها المجتمع الزعري خاصة، قتامة الواقع المعيش المرير والحالك. وينازع اللون الأزرق مكانته اللون الشمسي الذي يوحي بانفتاح أفق القصيدة وإشعاعيتها.
هذا فيما يتعلق بالمستوى الأيقوني، أما فيما يخص الجانب اللغوي أو الإرسالية اللغوية التي يحتويها الغلاف، فهو يتكون من مجموعة من الكلمات والجمل والتي ما هي إلا علامات ترتبط بالدال والمدلول، وأول هذه المشيرات اللغوية “بوعزة صنعاوي” وهو اسم صاحب الديوان الشعري الزجلي، وقد خط في أقصى جهة اليسار، بلون أحمر وبخط متوسط مقارنة مع العنوان “ضحكت القصيدة” التي كتب بنفس اللون لكن بخط عريض نظرا لأهميته الموقعية باعتباره عنوانا لهذا النص، والعنوان -كما أشرنا- بمثابة عتبة ومفتاح للخطاب الشعري، كما يشكل علامة إخبارية وإقناعية ترتبط بإثارة اهتمام المتلقي وتحريضه على فعل Acte القراءة.)2
وتواصل مجيدة السباعي :(تصميم الغلاف متناغم ودلالة العنوان تتوسط أرضيته الوردية لوحة تشكيلية بديعة، ازدانت بلونها الأزرق اللافت، تستجدي الطرب والإضحاك والحبور، بمشهد مطربين عازفين على آلات عربية، ترقص بينهم امرأة على أنغام تبدو شعبية لما توحي به طريقة العزف، يبدو جليا أنها امرأة مسنة تتخلص من أوجاع الحياة في رقص مجنون، لا يبدو لوجهها ملامح، وكأنها ترمز لتجاعيد الزمن، ترقص كما يرقص الطائر المذبوح.
وفق زجالنا باختيار اللون الأزرق، فما اللون إلا دلالة مثيرة وصورة جمالية من صور الحياة، وتعبير عن انفعالات المبدع ومدى تأثره النفسي بمواقف معينة تؤرقه، فالأزرق رمز الصفاء والسكينة والإشراق، لون مثير يخفف الهموم، ينفس عن اللواعج الدفينة، يهدئ من حدة الغضب، يشحذ بالطاقة الإيجابية، يثري المواقف الشعورية، ويعد بآمال عريضة.)1

القسم الثاني

الفصل الأول: قصيدة (روضة النصارى)
عن (روضة النصارى) يقول الناقد حسن بنموسى: (عنوان النص الزجلي… يوحي لنا بسرية سوسيولوجية الموت في عمقنا النفسي الداخلي كما تصورها حينها عند الآخر… كما يحيلنا على مضمون مشرق بالعفوية في السرد لسيرته الذاتية التي تبعث عبق الطفولة وشقاوتها….).
يعتمد بوعزة صنعاوي على السرد، فتأتي زجلياته عبر لعبة الحكي والتشويق.. الحكاية هي جزء من مشروع زجالنا الساخر..
يظهر في قصيدة (روضة النصارى) جليا التفاوت الطبقي بين قبور المسلمين والنصارى، فالنصارى يحترمون موتاهم…

(كانتْ انْقى من الدَّوارْ
قُول امْفَنَّة.. قول خَوَارْ
الَقبور امْسَتْـفَة..
ومْزَوْقَة بالنوَّارْ.
وشْوَاهد الرخام عْريضَة
مكتوبة بحروف غليضَة)
ويواصل وصف مقبرة النصارى:
(قلت: الروضَة جَردة
شَتْ قبر جديد
محطوطة عليه وردة
والرحمة بالَقبر حاطتْ
دمعة تَمَّا شاطتْ)
وليستمتع الطفل الراوي بورد النصارى:
(وعيني ف الروضة جالتْ
يِدِي عَ القبر مالتْ
اخْطَفْت الوردة
وقلت: اجْرِ
واجرِ يا مَا تجْرِ
اجر يا ما تجر
اجر يا ما تجر.)
ومميزات وردة بوعزة صنعاوي المخطوفة:
(كانت الوردة جديدة
باقَة تَبْرِي
وصَلْتْ للبرَّاكة
قول:
نَ
قَّـ
زْ
تْ
الدْري
وجبَدتْ الوردة من كُمِّي
بَالزَّربَة اهديتها لامِّي.)
والأم فرحة بهدية ولدها (الوردة) المخطوفة:
(وامِّي..
ضَحكت حتَّى بانو السْنانْ
عنقتنِي بحُب وُحنانْ
وانسات البُرمَة
وانسات الكسْكاس
وشدَّت لَوْريدة
حطَّتْها ف الكاس
الله الله
حْتى احْنا عُدنا بْحال الناس
عَدْنا وريدة وعَدْنا كاس.)
هذه الفرحة تموت بمجرد حضور السيد الأب:
(جَا ابَّا..
ناري…. ملي تيْجي ابَّا
تقول عْجاجة
ديما ابَّا فروج
وامِّي قدامو دجاجة
وابَّا خازن ف قلبو
ف قلبو خازن حاجَة
قُدّامْنا
أرمي الوردة ودفَّـق الما
وقدَّامنا هرس الْكاس
ابَّا كان شوِ قاصح
قول بزَّاف معكاس
اتْفُوووووو
غَا كون خَلَّـى لوريدة
عايشَة معانا ف الكاسْ.)
يقول نورالدين بوصباع: (وفي تشبيه ذكي ولكن بشكل مفارق مبطن يعقد الزجال مقارنة بين الواقع الذي نحياه بالتقسيط وبين مقبرة النصارى حيث للموت هيبته وكرامته، يقول الزجال بوعزة الصنعاوي:
كانت انقى من الدوار
قول امفنة.. قول خوار
القبور امستفة..
ومزوقة بالنوار.
وشواهد الرخام عريضة
مكتوبة بحروف غليظة
وكل قبر تقول يا محلاه
حيث بنمرتو وسميت مولاه (14)
الملاحظ هنا أن الدوار هنا هو إحالة رمزية للوطن البائس الذي لا يساوي مقدار مقبرة من حيث إنسانية الإنسان بين حدي الحياة والموت).

تحت مجهر (روضة النصارى)
تتميز كتابات بوعزة صنعاوي الساخرة والهادفة بوجود الشيء وضده في نفس الوقت، يقول الناقد حسن بنموسى: (ونراه يأتي بكلمات مثل (أنقى من الدوار) فيجعل من خلالها مقبرة النصارى أعلى نظافة من الدوار في ايحاء ازاحي الى التراتبية بين الشرقي والغربي بين الموتى والأحياء… حيث يجعل محيط موتى النصارى في مرقدهم في محيط أفضل وأنقى من محيط أحيائنا في دوارهم ثم يتابع بقوله (مفننة.. قول خوار) مما يعني أنها مليئة بالازهار والأشجار… ثم يردف (مزوقة بالنوار.. شواهد الرخام… ما أحلاه). كما يحكي أن الروضة نظيفة ويحيط بها سور ولها باب وحارس وتحفها الأشجار من كل جانب…).

خاتمة الفصل الأول
يقول الناقد حسن بنموسى في مقال بعنوان: (ان الشاعر ربما أراه قد استخدم شعر السخرية السوداء في هذا النص لأنه ذهب لأبعد حد حين جعل المقارنة في التفضيل بين الميت الذي مكانه منظم ونقي ومهتم به ومؤثث بالأزهار والورود والأشجار والرخام والحراسة… وبين الحي ومكان عيشه في الدوار وسط الأتربة بلا أزهار ولا ورود ولا كهرباء ولا ماء ولا… ومعاناته داخل أسرة تتسم بالتوتر والكد والمعاناة…)3
ويصل الناقد حسن بنموسى الى الخلاصة التالية: (من هذا المنطلق أرى هذا النص يؤسس لرؤية عميقة في وجدان الشاعر.. تؤثث للحياة من خلال نظرته للموت، بحيث تؤسس للواقع… للمشاعر… وتسائل قناعاتنا المتوارية في دواخلنا للبوح من الذاكرة خارج السائد وخارج النمطية بلا محاكاة نموذج ما ولا مجاراة رؤية شعرية شكلية – هندسية… بل لتأسيس صورة شعرية تقترب أكثر من القارئ بعيدا عن صدى لتجارب سابقة باعتماد رؤية جديدة للشكل… للموضوع… للتركيب… للفضاء… للزمان.)3

الفصل الثاني: قصيدة (الكركوز): وحكايات خيوط اللعبة المقيتة

حكاية تهم الجميع
بطريقته النقدية المتميزة يفحص الناقد المغربي سعيد فرحاوي قصيدة (الكركوز)، فيقول: (شاعر بين ضحكه وبكائه يؤسس فضول البحث عن المنطلق في دوامة رؤيته… في الأول هي حكاية، وجوديا تتحقق في متاهة ضحكه وبكائه… طبعا يبتدئ بذاته، (حكاية فيها انا)، على أساس انه هو الذي يمثل جزء مهما من تواجدنا فيه، بعدها ينتقل ليزداد تمطط هذا المكان الصغير، فيستحضرنا بإرادته القوية لنشاركه لعبته…)4
(بِين ضحكي وبْكايَا
حُرت مْنين نبدا القصة..
وُكيف انُّج لَك لَحكايَة.
حكاية فيها أنا
فيها انتِ..
حكاية فيها حثى انتَايَا.)

بداية الحكاية
يقول الناقد سعيد فرحاوي: (شاعر يتحول بسرعة متحدثا عن الكلمة أو البوح الذي سيصبح مجالا لفضح أراده الشاعر موضوعا لحكايته، هو كذلك رتب بيته كلاما وحروفا فانطلق بقوته القاهرة ليقول محددا بدايته)4
(فالاول بْديتْ …
اجمعت شِي احريفات وعديتْ
كَان الَقلم ونيس..
وكانت الورقة عَزبَة حْدايَا.
قلت من حُرقتي نَبدا..
قلت..
عْلاشْ من حُرقتكم
ما تكونش لَبدايَا؟)

وجع الحكاية والرقيب
(ما تكونش لَبدايَا؟
ااااااحَيْ..
منين نبدا لكم هاد لَحكايَة.
غير البارح قلت نبدا انْبَتْ الرقيب حدايَا.
شَتْ الروس مقطوعة والدم امحقَن حْدايَا.
قلت نَهدا.. نبدا
نبدا.. نهدا نهدا.. نهدا
نبدا.. نبدا
نبدا
نبدا
نْدير غُرزَة نْدير نَفْدَة
ونْعاود تاني من تاني
انُّج ونبدا
ووجع لكتابة يطول
يطـــــــــــــــــــول
ونرجع تاني ونقول
اااااحَيْ
منين نبدا لحكاية؟)

وخلاصة الحكاية
(هْي حكاية خيط من الشعَا..
واتلاح فجوف لمرايا.
هي حكاية حفنة امْبَّرعَة..
هي حكاية قومان عْرايا.
هي حكاية وَطن تلَّفْ انسان..)
ولهذا يقول الناقد سعيد فرحاوي: (هنا شاعرنا امتلك القدرة على رسم وشم ضحكه، وتعرية ابتسامة بكائه، فورطنا جميعا في وطن حكاية ليتخلص من كل شيء ويعود الى عالم الكتابة والقلم فيخرج منا، يعيش بعيدا عنا، فيتركنا أولا ثم يعلو ويختلف عن سراب تشظينا في رؤيته، أو يتعالى ويصبح هو السيد الذي يرتب مسراتنا بكاء وويقلنا ضحكا بإلزامية جد مهمة. نفهم مما سبق، في لعبته المكرية داخل قصيدته، يحركنا عندما يشاء، يجعلنا طرفا قويا في لعبته، ثم يتركنا ويتخلص من كل حمقنا فيعلو بسمو ثابت ليصبح هو مالك الحياة باغتراب لا يعنينا. نحن طرفا فيه، اننا بقوته، شئنا ام ابينا، نمثل ورطة في اختياراته بالصيغة الملائمة لدوامة بناء وطن ضحكه، وجغرافية بكائه، ليرسم معالم وطن لذات في عالم بلا خرائط.). 4

الفصل الثالث: قصيدة (واحنا جوج جوج)

يعتمد الشاعر بوعزة الصنعاوي على الفلاش باك ليعيدنا الى الماضي قصد ملامسته مستعملا كعادته السخرية:
(واحنا جوج جوج
علمونا انشدوا الصف
الشتا ساحيا
والرعد يقصف
الثلج طاح
الثلج ذاب
العين ولدت دمعة
والقلب رارا بعذاب
عذاب الولد.. عذاب البنت
عذاب ذاك لجالس فالقنت)

التهميش والبطالة
وهذا ما يعبر عنه شاعرنا الساخر قائلا:
(عذاب ذاك لجالس فالقنت)
(غار لذاك الساهي فالقنت)
(نهار لذوك القاريين فالقنت)

الاستغلال
(واحد منا ابنا النشبة
وواحد علم الفار
والفار خف م الرمشة فلظفار
احفر مسرب وغار
غار للولد… غار للبنت
غار لذاك الساهي فالقنت)

فئة قليلة مهيمنة:
(واحد يدي ويلم
واحد بالفجر يحلم
امفرش ورقة امعنق لقلم)

القسم الثالث

خصائص الكتابة عند بوعزة صنعاوي
تلخص لنا الأستاذة مجيدة السباعي زجل بوعزة صنعاوي قائلة: (اتخذ زجلياته مطية للبوح الهادف، وسبيلا ناجعا لنقد مجتمعه، لا يكف يجوب دروب اليومي، ويتوسل سراديب الواقع بما يضج به من قبح وبشاعة وقرف أحيانا، ليؤكد أن الزجل موقف مسؤول من الحياة ورؤى عتيدة، تبدد كل عتمة لاذعة.. بحق ما كان الحرف إلا رسول الوجع.
بموضوعاته المتفردة وخطابه المذهل ظفر بسمعة جريئة إيجابية، نعم بحب جمهور عريض، تميز بأسلوب استثنائي يثير الفضول الجميل، وعين ثالثة كاشفة تسبر أغوار الذات بحرفية وتمرس.)1
وتواصل كذلك:
(أسلوب واع ومغامرة داخل اللغة، تمزج بين الجدية والسخرية بعيدا عن الانفعال الحاد أو الاستسلام السلبي العاثر، حيث تدعو إلى اكتساب القيم والحياة الكريمة المنشودة.)1
سنعود للابحار في كتابات بوعزة صنعاوي لاحقا…

خاتمة
يقول الأستاذ رضوان بونوار: (لنخلص في الأخير إلى حكم مفاده أن الشاعر الزجّال بوعزة صنعاوي حُقّ له أن يحمل لواء الشعر الزجلي ويكون خير سفير لهذا النموذج الفني الساخر، وما استدعاؤه من لدن العديد من الدول العربية ومشاركته في عديد اللقاءات الوطنية التي تحتفي بالشعر والشعراء إلا دليلا قاطعا على تميز تجربة هذا الفنّان المبدع المتميز.).

ذ. مجد الدين سعودي / المغرب


احالات

1- مجيدة السباعي في دراسة لديوان ضحكت القصيدة
2- نورالدين بوصباع في دراستة نقدية بعنوان (بلاغة السخرية في ديوان “ضحكت القصيدة”)
للزجال بوعزة الصنعاوي
3- حسن بنموسى في مقال بعنوان ((قراءة نقدية في القصيدة الزجلية (روضة النصارى) للشاعر بوعزة صنعاوي))
4- سعيد فرحاوي في دراسة نقدية لقصيدة (الكركوز)



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *