مقدمة ديوان “سفر أيوب” للشاعر المغربي ذ. بياض أحمد / بقلم: ذة. نجلاء المزي / تونس



كان لي شرف التنقيب في قصائده الشاااامخة وملامسة حروفه الباسقة والانصات لبوح تراتيله، أقاسمكم هذه اللذة الغامرة.

إنً المُطًلِع على ديوان “سفر أيوب” للأستاذ “أحمد بيًاض” سيشعر حتما بأنًه يعيش لحظة فارقة في تاريخ قصيدة النًثر العربي. إذ هو يستظلً بقامة شامخة لشاعر نحت لغته بمعين فيه من الجدًة والفرادة ما يرفعه إلى مرتبة سامقة. ذاك ما خبِرته وأنا أقرأ قصائد الدًيوان أوًل مرة. ولمًا طلب منِي الأستاذ أحمد بياض تحليلها -فقد سبق وحلًلت قصيدته الرائعة: “عزف على أوتار الليل”- تنازعتني مشاعر الرًهبة و الرًغبة. ولكنً خوض مغامرة التًنقيب في خبايا النًصوص انتصرت على مخاوفي من هذا الغموض الشًفيف الذي يكتنف نصوصه.

* وديوان: “سفر أيوب” هو الدًيوان الخامس للشًاعر المغربي الأستاذ أحمد بيـًاض. هذا الشًاعر الذي سيبهرك بسعة إطًلاعه. فهو ملمً بما جاء في الكتب السًماوية حِرصا على النًهل من المعين الأوًل. كما هو مطًلع على الشًعر العربي قديمه وحديثه. أضِف إلى ذلك اطًلاعه على الشًعر الغربي والفلسفة الإغريقية. فما ترك من منهل إلا واغترف منه. وهذا ما ستستشفه وأنت تقرأ نصوصه المزدحمة المضغوطة المتفجرة بالمعاني.

* يستوقفك الدًيوان من العنوان: “سفر أيوب”. والذي يمثًل الثًقل الدًلالي في النًص لما يبوح به من دلالات تختزل مسافات المتن لتتعدد القراءات. فيحضر التًناص مع سِفر من أسفار التوراة يحمل نفس العنوان. والتًناص مع ديوان للسًياب الذي يحضر صراحة في قصيدة “لغة المطر” من الباب الثًاني.

كما يحضر معنى السًفر و ينتشر في ثنايا الدًيوان لتنفتح القراءات في كلً الاتجاهات.

* يتكوًن الدًيوان من ثلاثة أبواب. ويضمً إحدى عشرة قصيدة. وهي قصائد نثر ثائرة على الأغلال معنى ومبنى. فشاعرنا صاحب مشروع غايته تحرير الشًعر وتجديده. فكلً قصيدة مكتملة بذاتها. تقول كلً شيء في تمنع يدفع القاريء إلى البحث لفهم هذه اللًغة الكثيفة الموجزة في بلاغة. وهذا ما أقرًه الشًاعر في القصيدة الأولى: “غيث السواقي”. أقول الشعر:

 بندرة الألفاظ

 وجفاف السًواقي.

* هذه القصائد التًي نهلت من كلً المشارب: من قصص ديني، وفلسفة، وتصوًف، وأساطير، ورموز… تذهلك وتحبس أنفاسك إذ تطلً عليك العنقاء وسيزيف وكهف أفلاطون…. جنبا إلى جنب مع وصايا لقمان، وقصًة صبر أيًوب، وهدهد سليمان، والسًامري ونوح…..

كل ذلك بأسلوب فريد مختلف. إذ يسلك شاعرنا المبدع الفذً دربا جديدا

يعكس نرجسيته وهذا الزًخم الذي يحمل من المعارف. يعرض كلً ذلك بلغة: تفكًر وتتفلسف تبوح وتتمًنع. فتبدو القصائد كأحجية فكً رموزها يورثك متعة غامرة.

هذا السعي إلى التجديد لم ينس الشًاعر شواغل أمته: من وصف للمهمشين، وللموت العبثي للاًلجئين في قوارب الموت، والقضية الفلسطينية ومشاغل وجودية بحثا في الذًات وعلاقتها بالآخر وآثار العولمة….

هذه القصائد تتحدًاك وتلحً عليك. فإذا ما دُعيت لسبر أغوارها فأنت بين متعة وإغراء متعة تصيبها مع كلً صورة شعرية تقف عندها. فتخرج بذلك من مجرًد متقبًل سلبي إلى منتج للنًص مع كل قراءة جديدة. وإغراء للاستزادة من هذا الفيض المتدفًق كالشًهد المُصًفى.

* ختاما إنً قصيدة النًثر لانفتاحها على كلً روافد المعرفة باتت تخاطب قارئا واعيا. وبقدر إطًلاعه تنفتح أمامه معانيها. ولا شكً أنً هذا يشرًع وجود القراءات النًقدية التي من شأنها تقريب هذه النصوص من القرًاء. وما قدًمته في تحليلي للدًيوان هو غيض من فيض ممًا يزخر به من المعاني. وإنًما هي دعوة لخوض مغامرة القراءة. وهي لعمري متعة لا تضاهيها متعة.

ذة. نجلاء المزي / تونس



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *