علال حبيبي في ديوانه الشعري (أي صخب يطارده صمتي!!): شاعر التجلي والجمال والأمل / بقلم: ذ. مجد الدين سعودي / المغرب



استهلال
صدر عن (دار بصمة للنشر والتوزيع)، الطبعة الأولى 2024، ديوان شعر بعنوان (أي صخب يطارده صمتي) للشاعر علال حبيبي، يضم 30 قصيدة، ويتكون من 158 صفحة من تقديم الناقد الذرائعي الكبير (عبد الرحمان الصوفي).

القسم الأول

1- في الرحيل
يتخذ الرحيل عند الشاعر علال حبيبي طابع النوستالجيا ومساءلة الذات:

(وأنا أتشمّمُ ندى الغمام
وقد تَشَرَّبَتْهُ الصَّقيعه
كان هائما على أسنمة التلال
المغمورة تعباً
الحبلى صخباً
منحدراً
كبصري حسيراً)[1]

فيبحر في بحر الجمال مستحضرا الزيتون وزهرات الدفلى:

(من رِفعة المُحالْ،
من شَهْقة الجمالْ
إلى هامات الزيتون الرطيبه
وزهيراتِ الدّفلى
يبللها رُضابُ الندى سَعَابِيبا،
يدغدغها
يراقصها المدى
يترامى النور محتشما
على حافات الكُدى)[1]

ولا ينسى، الشاهد الرئيسي، الوادي الصامت:

(وها الوادي
ضاربُ في تيه الالتواءْ…
عابرا فَتْقَ الجفاءْ
ماخِراً عَبَّ الفناءْ
لا غديرَ
لا هديرَ
ولا خريرْ
يتسلل
في غمرات الصمت
يماهيه الخواءْ)[1]

فيحضر الغمام ليتم إعلان الرحيل:

(هناك كان للغمام همهمات
تنعي صمت الرحيل
يَعَابيبُ نسيمٍ
أتاحتِ التّواري…. تَمْرُقُ التّلافيفَ
رحل الغمامْ)[1]

2- تيه
الأرق والسهاد وجهان لعملة واحدة هي التيه:

(حين يبتزُّني أَرَقي
وسُهادي
ألْتَحِفُ الصّبرَ قَدَراً
ضاغوطاً
وَرَتيباً)[2]

فيتخذ هذا التيه شكل الارتياب:

(أرْحَلُ مِنِّي إلَيَّ
يَرهَنُني ثوقي
يغشاني
يغمرُني اٌرتِيابْ
يَهُزُّني
يَؤُزُّني
وأرتَوِي نُفوراً
وعِنادْ
يسكنني عتابُ
وأنا أطاردُ الضوءَ
أشَيِّعُهُ
يستبطِئُني
يُنهي استباقي
يُشَرْنِقُ سِتْرَ الإيضاحِ
فلَيْلي هناك باقٍ)[2]

لهذا يلتجئ للضياء بحثا عن ضوء هارب ومنفلت:

(يتوارى الضياءُ
مُنساباً مُرتاباً
يمخُرُ الأُفولَ
بلا ظِلالْ
يراود دامسا
هامِساً دَسّاساً)[2]

تلتجئ الذات الشاعرة الى البوح لإيصال صوت أبي يعتمد على الخيال:

(يتقلّصُ الكونُ هنا
في بيتي وبَياتي
وفي صدري
لهيبا ونحيبا
وصبيبا من خيالْ
يهتزُّ بالون صمتي
مُرَهَّلاً
وينفجر حروفا
من خَبْلٍ وخَبَالْ
وفي انتظارِ فجري
أخشى انجلاءَ أمري
وعُمري
صريمُ ليلٍ
ولَيْلاءُ لَيَالْ)[2]

فتجري الذات الشاعرة مقارنة قوية بين الضوء واللاضوء:

(وبين الضوء واللاضوء
خيوطُ نَفْرٍ وَتَماهٍ
ومُباحُ تيهٍ وَنَواهٍ
وبين الخيطين
يقظانُ قلبٍ وَوَسْنانْ
لُبْسُ كَرًى وتيهانْ
جدائلُ أهدابٍ
من نَكَدٍ وَسِنَتْ
وجداولُ خواءٍ
ونُكْرانْ)[2]

3- كرب
الذات الشاعرة تعيش التشظي بكل أبعاده، فهي ذات حساسة تلتقط كل انشطار باحثة عن بوصلة ترمم الذات:

(وِجْهاتي فَلاتي
لا أربعةُ
توحدت
بانشطار ذاتي
وحِبرِ دَواتي
كيف أجمَعُ شتاتَ بوصلةٍ
أَنْهَكَها الصَّدْعُ
لا تَقْبَلُ التَّرميم)[3]

ولهذا تلتجئ هذه الذات للحلم والتمني:

(ليتني هجرتُ هذا الظَّمَأ
واكتفيتُ
بِزَخِّ رُضابٍ
يُنعشُ لَهَفَ الحنين
وهذا التَّلَفُ
الَّلهَفُ
يهواني
دَثَّرَني على الدَّوام
كم لَفَّني
وزَفَّني
الى مُقامي
وهُيامي
أنيناً يُلجِمُني
يُتْخِمُني
غَمْراً من مَلامٍ
عَصْفَ حَميم)[3]

وهذه الذات الشاعرة تلتجئ للصمت لتجد فيه ضالتها:

(في سُكون لَيْلٍ
في ذاتِ غمْراتٍ
لاهباتٍ
تنشطِرُ الوحدةُ
جُزَيْئاتٍ
شظايا أوْهامٍ وأحلامٍ
مُنتهِياتٍ
يُلهمك الصمتُ)[4]

هي ذات واعية عاقلة ومفكرة تقاوم الإحباط والخيبات:

(تصَدَّعَتْ ناطِحاتُ المُنَى
شَظَايا إِحْباطٍ
تَحَوّرَتْ رُكَامَ اٌشْتِيَاطٍ
رُدُودَ خَيْبَاتٍ
هَنَاتٍ
حَنيناً
دَبِيبَ أنّاتٍ)[4]

وفي بوح حقيقي، تعترف هذه الذات الشاعرة قائلة:

(وأوراقي صفراءُ على رَفِّ أقداري
أيْنَعَت على تُخومِ بأسٍ ومعارج يأس
وألْغَتْ مواسمَ الرحيل
وها الماردُ
يَهُزُّني يَهُدُّني…يَؤُزُّ وجداني
ها قد رماني
كمُنصَهر بُركانٍ
وأحيى مراسيم الُأُفول)[5]

القسم الثاني: خصائص الكتابة عند الشاعر علال حبيبي

يقول الشاعر علال حبيبي: (المبدع… وعليه فتجربتي لم تختلف في عمومها عن الآخر، اللهم في خصوصيتها وهي تترجم محتويات نصوصها بما طبع النفسية والذات والرؤيا والمعالجة… ولعل عنوان ديواني “أي صخب يطارده صمتي!!” يختزل كل تفاصيل وحيثيات وذبذبات ما استطعت قوله وما عجزت عن إفلاته إلى مخارج لغتي.. فما أراه وأحسه وما يقابل ذلك من انعكاسات لضوء الذات، وما سمحت القدرة على ترجمته والبوح بمكامنه، وما كان من تدبيره حسب إيقاعات المعاناة وتفريغها عبر إيقاعات تعبيرية تجس نبض الحياة، هو ما احتواه العنوان من انتهاج لخطوط تسطر فلسفة الصخب المحيط والمختلج في دهاليز الذات، والصمت المدوي في متاهات النفس، المتفرج على متناقضات وارتدادات كينونة عصية على الاحتواء.. جعلت من زمن الليل تدبرا وتدبيرا لرتابة المعيش، بعيدا عن صخب الحضور والغياب والممكن والمستحيل في غياهب النفس.. وهو ما يمكن تحصيله وتحقيق مناولته عبر منظومة التعبير في كليتها الإبداعية)

عنوان الديوان (أي صخب يطارده صمتي) حسب الأديب عبد العزيز برعود: (يحمل دلالات فلسفية عميقة ويستجيب لمسوغات المتن الشعري الحداثي المعاصر)، ويقول عن هذا الديوان، هو: (عبارة عن فسحة حياة مكتظة بالأمل والتأمل والحكمة، مفعمة بالحب والهواجس الصاخبة، ستساهم حتما في إثراء التجربة الشعرية المغربية، لما تتميز به من من انزياحات ورموز، وجمالية اللغة والاسلوب، وعمق المعاني وتجديد في بنية النسق الشعري..)

بينما تقول الشاعرة نعيمة معاوية: (الشاعر علال حبيبي شاعر يغترف من بحر وينحت حرفه من صخر وكأني به أبو تمام زمانه بليغ البوح بعميق المعاني والصور ذات البعد الفلسفي يطرز حرفه وبعناية فائقة نغوص معه بمجرات من بهاء متفرد وراقي فنستقي منه شهد الكلم وجواهر البوح الهادف والمسؤول).

وبلغة النقد الحقيقي، يقول الناقد الذرائعي الكبير عبد الرحمان الصوفي عن الشاعر علال حبيبي: (امتلاك الشاعر للمادة الخام اللغوية للقصيدة الحداثية… الاعتماد على اللغة الهامسة والبسيطة في تراكيبها، والجميلة في صورها الشعرية… التي تضفي على الاحتمالات المتحركة في المضمون سحرا خاصا يتوزع بين معاناة الانسان وتصوير حياته، والتعبير عن الذات، وتصوير ضيقها واتساعها وحراكها الوجودي غير المنفصل عن الواقع والانسان وصراعه، وعلاقاته، وهذا ما وفر له فنية القصيدة وجمالية الشعر…)[6]

كما يقول عبد الرحمان الصوفي كذلك: (من الملاحظ أن التعبير في اللغة الشعرية عند الشاعر تنوعت مظاهره، منها التحول من التقرير إلى التصوير، تحول ملفوظ في لغته الوجدانية والذاتية والموضوعية …
فالألفاظ والكلمات تعتبر المادة الأساسية الذي ترتكز عليها التجربة الشعرية للشاعر “علال حبيبي”، ومن خلالها يبني عوامله…
لا تخلو القصائد من مسحة اجتمع فيها الحزن والضنى، والأمل والرؤية التفاؤلية، والايمان الراسخ، والفهم للعالم والوجود والانسان… وهذا كله حقق الوجود الجمالي والفني للقصائد…
لذلك يتشكل الوعي الجمالي عنده من خلال التجاذب الثنائي فأصبح الوجود عنده: الحب والأمل والحياة …)) عبد الرحمان الصوفي[6]

خاتمة
ديوان (أي صخب يطارده صمتي)، ديوان جدير بالقراءة، لأنه قيمة مضافة للشعر المغربي تميزا ولغة سليمة وصور شعرية باذخة وانزياحات قوية… وكل قصيدة من قصائد الديوان، هي في حد ذاتها تمثل قوة شعرية حقيقية بعيدا عن الرتابة والتقليد وبلغة كثيفة وحمولة معرفية مهمة، لأن ديوان (أي صخب يطارده صمتي)، في الحقيقة قيمة مضافة للشعر المغربي.

ذ. مجد الدين سعودي / المغرب


احالات
[1] علال حبيبي: قصيدة (رحل الغمام)
[2] علال حبيبي: قصيدة (تيه بين الضوء واللاضوء)
[3] علال حبيبي: قصيدة (ليتني هجرت هذا الظمأ)
[4] علال حبيبي: قصيدة (تصدَّعت ناطحاتُ المُنَى)
[5] علال حبيبي: قصيدة (مغمور بطقوس البدء)
[6] عبد الرحمان الصوفي: تقديم ديوان ((أي صخب يطارده صمتي!!)



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *