استهلال
يقول الأستاذ إبراهيم الديب: (تحمل نصوص شفيق الإدريسي دائما الكثير من العبق والكثير من الثقوب والثغرات… الثقوب المفتوحة على الربيع والضوء والريح والبحر والجروح والندوب والعتمات…. ثقوب تضعنا وسط اللجة تماما حيث الطرق تحيط بنا من كل جانب…)(1)
في كتاباته الشعرية انفتاح على الوجود وعزلة روحية تمليها ضرورة إبداعية.
في انعزاله شجاعة وحكمة.
لهذا يكتب بحكمة:
(بقدر ما يكتسب المرء قدرا عاليا مِن المعرفة،بِقـدر ما ينعـزلُ عن المجتمـع)
شفيق الادريسي يشبه الخريف الذي يأتي بعده شتاء ومطر ثم ولادة ربيع مزهر:
(أنِّـي مِثْل الْخَرِيـف،
أرسُـم وَجْهِـي
عَلَى مِرْآة رماديَـة
لعَلِيّ أُولَـد مِنْ جَدِيـدٍ.)
وحتى في صمته الجميل، يعم جمال الروح ومتعة الابداع والامتاع:
(صمتِـي…
موسيقَى خافتَـة
كقُبلة نهـر
على سفح الجَبَل…)
1- مدن في القلب
قلت لشفيق الادريسي: تسكنك أصيلة وتسكن أنت أصيلة.
وأجاب بعشق نادر:
(في أصيلة…
أخرجتُ الزمَـان من جَيبِـي.)
2- أجمل ما قرأت
قلت له: باختصار ما هو أجمل ما قرأت؟
فتح شفيق الادريسي رواية (الكهف للروائي البرتغالي جوزيه ساراماجو وقرأ:
(هنالك من يقضي حياته كلها في القراءة دون أن يمضي إلى ماهو أبعد من القراءة. هؤلاء يبقون ملتصقين بالصفحات، لا يدركون أن الكلمات ليست سوى أحجار مصفوفة تعترض تيار النهر، وإذا كانت هناك فإنها موجودة لكي نتمكن من الوصول إلى الضفة الاخرى، الضفة الأخرى هي المهمة).
3- الليل
الليل عند شفيق الادريسي نوافذ لإنعاش الذاكرة وهدير ابداع وتأمل.
لهذا يسافر في طقوس ليلية بطعم البهاء فيقول:
(اللَّيْل…
حانَة مَفْتُوحَة
عَلَى الفوانيس المعتمة
فَقَط ذَاكِرَة مَثْقُوبَة
بالكوابيس الْبَارِدَة،
تُطِل مِن نَوَافِذ،
طاعنة فِي السِّنِّ…)
ويواصل بمتعة:
(مُنْتَصَف اللَّيْلِ،
لَا أَكُف عَنِ الْهَديـر
لَحْظَة شُحُوب الْقَمـر…)
4- شعر حكمة
قلت لشفيق الادريسي: نشتاق لشعرك بطعم الحكمة؟
فأنشد بكل حكمة:
(الشَّمْسُ خجولة هَذَا الصَّبَّاح
وَالْمَطَـرُ بِالكَـاد…
يَنْتَفِضُ مِنْ جَفَائِه
وَذِهْنِيّ…
يَتشتتُ يَمِينًا وَ شِمَالًا
خَلْف نُدُوب الزَّمَان.
مَنْ يَغْسِلُ أَوْرَاق ذاكرتي
أَنَا المُترنـحُ
مِن أَنْيَاب الزَّمَـان
أتهاوَى بِكاملي
عَلَى صُخُور الْبَحْر
مِثْل سَقْف السَّفِينَة الْمَجْرُوحَة
أيتُهَا السَّمَاء الرمَادية
لِمَاذَا جَعَلْتنِي…
أتمَـدد عَارِيًّا
مِنْ زُجَاجٍ نَافِذَتِي
أَحْمِـلُ…
آثَار خُدُوشٌ النهارات الْبَارِدَة.)
5– أحمد المجاطي وفروسية الزمن الجميل
قلت لشفيق الادريسي، وأحمد المجاطي صاحب الفروسية، هلا تمتعنا بقليل من شعره؟
فقرأ شفيق الادريسي لأحمد المجاطي:
(أخْرجُ مِنْ دَائِرَةِ الرفضِ
وَمن دَائِرَة السُّؤَال
تَجِفّ فِي الطَّوِيَّة الْإِمَارَة
تُسعفني الكَأْس وَلَا تسعفني الْعِبَارَة.)
-أحمد المجاطي-
6- بياض الشعر بياض القلب
للبياض لغة شاعرية لا يفهمها الا شاعر صقلته السنين وعيا وكتابة .
ها هو شاعرنا شفيق الادريسي يهتف:
(الموج الابيض…
الشَّعْر الْأَبْيَض…
هل البيَاض مفاجأة…)
7- الحياة
قلت لشفيق الادريسي: والحياة؟
وأجاب بجنون الحكمة:
(الحياة روايـة،
يكتبها المجانيـن…)
8- البحر
قلت لشفيق الادريسي: ما حكاياتك مع البحر؟
فأنشد:
(الْبَحْرُ حِكَايَةُ…
صوت أَبْيَض،
نوارس تَرْقُص
عَلَى مُوسِيقَى
الْأَمْوَاج الْبَيْضَاء.
غَيْم حَزِينٌ…
ظِلِّي…
يَخْتَفِي عَلَى مِرْآة رمادية)
أصيلة: 02/11/2021
خاتمة
الحديث الإبداعي مع شفيق الادريسي ممتع وبهي، والشعر بالنسبة اليه حياة وقيم ولهذا كتب ذات بهاء وشعر: (الشعر هو ما لا يمكن التعبير عن دواخلنا إلا به).
وكل شعر بهي وأنتم بألف بهاء.
ذ. مجد الدين سعودي / المغرب
احالات
(1) إبراهيم الديب: شعرية الحدود في قصيدة شفيق الإدريسي “أمشي على ظللي”.