ارتسامات مطلة على قصيدة تحت الضوء “ليالٍ سلوبٌ” للشاعرة السورية سميرة المرادني / بقلم: ذ. سعيد محتال / المغرب


عنوان يوحي بطبيعة الحالة النفسية التي تمر بها الشاعرة، حالة من التوتر والانفعال، اجتماع كلمتين نكرتين بصيغة الجمع ليزيد في امتداد فعل انتظار النهار.. الأمل..
النكرة هي كلُّ ما يدل على شيء غير معين، او مخصص، أي على معنى مطلق.
وأرادت الشاعرة بالتنكير التكثير مع وجود قرينة تدل على ذلك باستعماله صيغة المبالغة “فعول” “سلوب “.
القصيدة نسجت على إيقاع البحر الطويل ليتناسب والجو العام للقصيدة،
والقصيدة من خلال النظرة الأولى يتبين أنه يمكن تقسيمها إلى مقاطع كل مقطع له فكرته الخاصة وله دلالاته العامة، وان كانت بنية النص متكاملة، إلا أن هذا التقسيم لا يعني أن النص لا يتمتع بوحدة الموضوع، بل غايتنا هو تسهيل الأمر على القارئ لفهم مضامينه بكل يسر دون أي عناء

المقطع الأول/ من 1الى 4:
ولَيـــلٍ عَلــى ذَاتِ المسَـافـةِ يبــعُدُ
ينَـامُ وطَـرفِـــي فــي دُجَـاه مُسَهَّدُ
تنيــرُ دروبَ الــتّائهــينَ نجـــومُــه
فتَـهوي بجُــنحِ الوَجدِ وهـوَ معَربِدُ
إذا مَـــا بكَى ليـلُ الشّـــقاءِ بمُهـجةٍ
أُتِيتَ بفَجــرِ اليُسرِ ترضَــى وتسعدُ
فيَالــكَ مِــن لــيلٍ تُبيــحُ صــبَابَتي
وبَعضـــي على نَارِ الفظَاظةِ يجمُدُ

وكأن هذا المقطع عبارة عن توضيح وتفسير للعنوان، الأبيات بالكامل تتكلم عن الليالي السلوب،
تتكرر كلمة ليل نكرة بكل بيت وكأنها مجموع الليالي التي تود الشاعرة الإفصاح عنها، خصص كل بيت شعري بليلة خاصة وحالة خاصة

1- ليل طويل مع قليل من النوم
2- ليل مظلم رغم سطوع نجومه
3- ليل الشقاء وجرح القلب
4- ليل محرق بنار الشوق

مقطع غني بالانزياحات القوية والتقابلات الضدية:
النوم/ السهاد
ليل/ فجر
بكى/ يسعد
ماض/ حاضر
شقاء/ شوق/ وجد
يبعد/ يقرب
نار/ يجمد

تقابلات تجعل القارئ لا يستوعب بعض التعابير التي توحي بالتناقض
كنار الشوق التي تُجمد الدم الذي يسري في بعض الشاعرة والبعض قد يكون عائدا الى القلب..
فرمزية الليل توحي فيما يحتويه الليل من ظلام ووحشة للتعبير عن الحزن والأسى، وفي نفس الوقت هو لحظة تأمل وخلو بالنفس لنسيان الأوجاع والآلام..

المقطع الثاني/ من 5 الى 8:
مَشيتُ علَى سَـــفحِ التّنائيَ غُـدوةً
وروحِـي على جَــذو التّغرّبِ تصعَدُ
فعزّيـتُ نَفسِــي بالأمَــانِ ونفـحِــه
وأسكتُّ شَــجوا ما ظنــنتُه يخـمدُ
دَخلــتُ وكـانَ العـــزمُ ربّانَ مَركبي
فكيـفَ بسَـيفِ اليأسِ عَزما يبدِّدُ!!؟
أجُــولُ بفِكـرٍي والعـــيونُ معَاجـمٌ
فما غابَ عَــن ثغــري وظــلَّ يُردّدُ

مقطع غلبت عليه افعال الماضي في الافتتاح والانتهاء بالمضارع،
تقابل زمني
الماضي/ الحاضر
مشيت/ تصعد
عزيت/ يخمد
دخلت/ يبدد
غاب/ يردد

أصبح الزمن يحمل دلالة الاستمرارية والامتداد عبر الحاضر:
فما غابَ عَــن ثغــري وظــلَّ يُردّدُ
وكل هذا حاصل في لحظة ترقب وتفكر:
أجُــولُ بفِكـرٍي والعـــيونُ معَاجـمٌ
ففي الوقت
الذي كانت فيه الشاعرة تتحدث عن لحظات الشوق والليالي التي لا تكاد تنتهي وقائعها، نجدها في هذا المقطع تبدد كل المخاوف التي كنا نظن أنها تسببت لها في الجراح والتدمر، بل نرى عزيمتها تقوت، وسيف اليأس تلاشى امام عزمها وإصرارها ركوب سفينة العزم..


المقطع الثالث/ من 9الى 12:
وكم سَــاءَني صبحٌ حَسبتُه صُبحَنا
وليــــسَ بـــه طــيرٌ جمــيلٌ يغــرّدُ
يسَاهرُ نَجـــمي دارةَ الوجـــدِ كـلّما
غُرابٌ علــى أنثَى الحــمَائمِ يَعــقدُ
شَدوتُ بلَحنٍ كَم تشرَّدَ فــي المدَى
عسـاي بــمـا أشــــدُو بـــه أتجَــدّدُ
ولــم يبــقَ لـي إلّا الخــيَالُ ومَأمـلٌ
أمنّــي بــه قلبـــي فقَــد يبسمُ الغدُ

بعد فترة من الزمن، وبعد انقضاء الليل تتفاجأ الشاعرة بما أفرزه صباح كانت تنتظر منه الكثير، هل هي خيبة أمل ووقوع في شط غير الشط الذي كانت تنتظره وتتوقعه، أين غابت عزيمتها، وما الذي جعل صبحها يسوء…!؟ لا طائر يطير او يغرد، لم تعد ترى سوى الغربان المنتشرة في كل مكان.. التي تشاركها سهرة نجمها الغارق في نار الشوق..
وما الذي جعل الشاعرة تعدل عن ضمير المتكلم المفرد الذي كان مهيمنا طوال النص لتلتفت الى ضمير الجمع، هل الأمر يتعلق بموطنها ام وطنها الجريح أم حال الناس الذي يسوء يوما بعد يوم،
حتى أصبح املها الوحيد الذي تطمع في ان يعيد للحياة توازنها هو شعرها الذي لا يفارقها، فلم يبق امامها سوى الاستئناس به وبخيالها الذي قد يبشرها بيوم غد سعيد ينسيها وجع الليالي التي لم تستطع نسيانها


“ليالٍ سلوبٌ “
ولَيـــلٍ عَلــى ذَاتِ المسَـافـةِ يبــعُدُ
ينَـامُ وطَـرفِـــي فــي دُجَـاه مُسَهَّدُ
تنيــرُ دروبَ الــتّائهــينَ نجـــومُــه
فتَـهوي بجُــنحِ الوَجدِ وهـوَ معَربِدُ
إذا مَـــا بكَى ليـلُ الشّـــقاءِ بمُهـجةٍ
أُتِيتَ بفَجــرِ اليُسرِ ترضَــى وتسعدُ
فيَالــكَ مِــن لــيلٍ تُبيــحُ صــبَابَتي
وبَعضـــي على نَارِ الفظَاظةِ يجمُدُ
مَشيتُ علَى سَـــفحِ التّنائيَ غُـدوةً
وروحِـي على جَــذو التّغرّبِ تصعَدُ
فعزّيـتُ نَفسِــي بالأمَــانِ ونفـحِــه
وأسكتُّ شَــجوا ما ظنــنتُه يخـمدُ
دَخلــتُ وكـانَ العـــزمُ ربّانَ مَركبي
فكيـفَ بسَـيفِ اليأسِ عَزما يبدِّدُ!!؟
أجُــولُ بفِكـرٍي والعـــيونُ معَاجـمٌ
فما غابَ عَــن ثغــري وظــلَّ يُردّدُ
وكم سَــاءَني صبحٌ حَسبتُه صُبحَنا
وليــــسَ بـــه طــيرٌ جمــيلٌ يغــرّدُ
يسَاهرُ نَجـــمي دارةَ الوجـــدِ كـلّما
غُرابٌ علــى أنثَى الحــمَائمِ يَعــقدُ
شَدوتُ بلَحنٍ كَم تشرَّدَ فــي المدَى
عسـاي بــمـا أشــــدُو بـــه أتجَــدّدُ
ولــم يبــقَ لـي إلّا الخــيَالُ ومَأمـلٌ
أمنّــي بــه قلبـــي فقَــد يبسمُ الغدُ

الشاعرة سميرة المرادني / سوريا

ذ. سعيد محتال / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *