جردت المكان من عزلته (سرد تعبيري) / بقلم: ذة. سامية خليفة / لبنان


جردت المكان من عزلته. هنا، أسمعُ تكسّراتٍ لجناحيْن مهيضين شوقا، هنا أشهدُ تلعثمَ لسانِ الزّمنِ بعدما تساقطت أوراقُ لياليَهُ خيباتٍ، هنا أمام عيونِ الرَّقابةِ يُعادُ بوقاحةٍ شريطُ تعرّي تمثالَ الحريَّةِ حين يكشفُ بلا حياءٍ عن سوءتِه كما لو أضحتِ الحريَّةُ تمثالًا بلا مشعلٍ، هنا أتلمّسُ بمسامات الارتعاشةِ تقرَّحاتِ عينَيِ الوجدِ المتورِّمتينِ بكاءً على رحيلِ السّرابِ، هنا تشدُّني إرهاصاتٌ آتيةٌ من جحيمِ كوارثَ اقشعرَّ بدنُها وهي ترى الخذلانَ بعيونٍ تدمغ انتصار الشر على الخير وبيدٍ تلوّحُ بأصابعِ اليقينِ أنَّ الوهمَ اتَّخذ من الضّياعِ خليلةً، هنا يغطي الضَّبابُ الحقيقةَ بمناديلِ الخديعةِ، وبين هنا وهناك المسافةُ تتّسعُ وهي تقدِّمُ تبريراتٍ لأعذارٍ أقبَحَ من الذّنبِ وهي تنصرُ الرّذيلةَ على النّقاءِ، لكنَّ اليقينَ يذعنُ أن الغبشَ المكتنفَ عيونَ الكونِ لن يمحوَ من الصُّورِ القدسيَّةِ رهافةَ البصيرةِ، هنا أجد آثارًا للكثيرِ من الأقدامِ العابرةِ كالقطعانِ نحو الوديانِ السَّحيقةِ بلا وعيٍ أو إدراكٍ تقع بلا صراخ أو اعتراض، هنا الأقدامُ المتشبِّثةُ بالمكانِ المنزَّهِ، التي بقيت رهينةً لتوقُّف عقاربِ الزَّمنِ عن الدَّوران، ها أنني أقتبسُ منها آلةً تتحكَّمُ بخطواتي رغم أنَّ إحساسا عارِمًا بالرّهبةِ يتملَّكُ أطرافَ المكانِ، رغم أنّ الساعةَ تُشلُّ والحائط يحطّمُهُ النّزق، فالإيمانُ بالنّقاءِ يدعمُ  القلبَ مهما اشتدَّت فيه خفقاتُ الإخفاقِ، هناك تبقى استحالةٌ لمضخَّتِهِ العظمى في أن تكبحَ جماحَ ثورةِ الشُّعورِ الهادرِ في أرجائِهِ، إباءً وعزَّةً.

ذة. سامية خليفة / لبنان