شَبَّت الفاتنة الخمرية في غفلة من الزمان، عودها كغصن البان نضج واستقام في خفة كريشة نعامة ماجنة، ودلال كظبية مدللة في مراعي الحب، عيناها السوداوان تحكيان حكايا عمر طفولتها السعيدة، وصباها الرشيد، وفتنة شبابها الْفَتَّان، وجنتاها كتفاح فاحت منه روائح العشق والغرام، وشفتاها كرز تَلَوَّنَت به حُمْرَة الشفق، هامت بها قلوب الفوارس، ومالت لهواها عضلات الشباب الفتية، كانت إذا سُمِعَ صوتها امطرت السماء غيثا من الزغاريد، وتوارت البلابل في شقوق الجبال، مزجت القوة بالعذوبة ودلال الحياء في صوت واحد، تَعَلَّمْت منها الْحِسَان لغة العيون وصوت الجمال، قول لا يعيبه عيب، وشدو لا تعرفه مزامير العازفين، وخطوات كجداول المياه، وعطر فردوسي تَعَطَّرَت به بساتين النعيم، كبرت وصديقتها في درب واحد تقاسمتا معا أرغفة السعادة وأكواب الارتواء في جلسة تربعتا كملكتين على عرش الزمن، وقبل إتمام نضجهما تفرقتا في رحلة بعيدة في زمن النسيان، لكن ظلت صديقتها على عهد تعليمها، بذلت من الكد والجهد وليل السهر على كتب ودراسات، والفاتنة تتبختر في أزقة العاشقين تختال بجمالها وتطرب لطرق نعلها على طريق دأبت على السير فيه كل صباح، فهو طريق أمجادها وقصص حبها مع أبطال الهوى في تاريخ الغرام، وتمضي السنون وقد شاخت الفاتنة وَتَبَدَّل جمالها الخارجي؛ فقد امتلأ جسدها من شحم الطعام وهموم الأيام، وذبلت عيناها وبات السواد أسفلهما بدلا من هالات الهيام، واكتست قسمات وجهها بتجاعيد تحكي أعمارا قضتها في رعاية الأطفال، وتشققت شفتاها من كؤوس المُرِ التي تجرعتها في الحياة، وقد لملمت ما تبقى من خصلاتها المنسدلة على كتفها العريض بمشبك للشعر ابتاعته من جارة فقيرة كانت تقطن جوارها، ثقلت حركتها وتحشرج صوتها الصارخ دائما في أولاد لا يعرفوا سوى التمرد والعصيان، وبنات لا تعرفن سوى النوم طيلة اليوم أو ارتداء ملابس كانت تراها عارية ولا تناسب البيت الذي تربين فيه والأم التي ربت، بل إنها كانت تحادثهن بالساعات عن جمالها الموؤود وتاريخ هذا الجمال في زمن لا يعرف إلا العقوق، والبنات ناقمات على هذا الحديث الممل، والصبيان ساخرون غير مصدقين أساطير امهم المزعومة والمتكررة، وقد اتهموها بالهذيان وأن أمراض الشيخوخة قد أصابتها، خاصة وانها لا تملك ما يدل على تلك الأساطير سوى بعض الصور الباهتة، لأشخاص مجهولين تقول انهم عشاقها وأنها هي صاحبة كل هذا الجمال، وبعد أن أنهى الأبناء دراستهم عزم كل منهم على السفر لعمل يدر عليه المال وحين كانت تستعطفهم ليبقوا معها كانوا يسخرون منها قائلين بعضهم لبعض: دعوها تستمتع بجمالها!
رحل من رحل وهرب من هرب حتى اشتد بها الحال سوء ومرض احد أبنائها وأصبحت غير قادرة على علاجه ما جعل إحدى بناتها تذهب إلى إحدى الملاهي الليلية لتعمل وتكمل ليلتها كفتاة ليل تبيع ما تبقى لها من جمال لسكير لا يراها بل يتذوق لذته من عريها، والابنة الكبرى تبكي على الحال الذي وصلوا له، مات ابنها قبل أن تأتي شقيقته بدواء دفعت ثمنه من شرفها، والأم الفاتنة باتت عجوزا غير قادرة حتى على البكاء، عاد ابنها الأكبر في طائرة خاصة دفعت له ثمنها صديقة والدته الفاتنة، القى بحفنة دولارات أمام عينيها وتركها تكابد أمواج مجهول وهي تنظر إلى صورها متسائلة: هل ستعود أيامي؟