قد تحاصرك اللغة، تطيح بك وتعصف، تحيلك إلى الزوايا الخلفية من ذاتك، إنها فعل وجود وتفسير وجود في نفس الوقت، إنها النافذة التي تطل منها على ذاتك، والقصيدة المعاصرة تكثفت وتعقدت بتعقد مناحي الحياة سواء منها الذاتي الخاصة بالشاعر والموضوعي المرتبط بالواقع المعيشي الذي تنصهر فيه الذات وتتعلل بأسباب ارتهانها بكينونتها، فالشعر ينفتح على الحياة لأنه منها والحياة تتفرع فيه وتتحلل لأنها التربة التي تنبت فيها ذاتنا وتينع، ومن هنا أصبح من الواجب علينا أن نتسلح بمجموعة من المفاهيم لمعالجة بعض القصائد، كمفهوم التمثل والانفتاح ومفهوم التقابل ومفهوم التكثيف ومفهوم الصورة المشبعة أو المتحللة، أوما أسميه بالظل، ففيما يخص الانفتاح فهناك مساحة تائهة عالقة في اللغة لا يمكن فهمها إلا من خلال الرسالة المغفلة، التائهة ما بين انسياب الدال والمدلول، فاللغة تدغدغ المشاعر، والواقع يتحلل متهاديا أمام عيني الشاعر، فتصبح الذات والواقع كينونة واحدة، وجود منفتح على الذات ويمارس طقوسه في مساحة مشتركة، وهذا ما نلمسه في قول الشاعر، لوعة اشتياق إذا بدت لك النجوم فمن خلال معالجة الدلالات اللغوية، نلاحظ أن هناكة تقابل بين شطرين، لوع اشتياق/إذا بدت لك النجوم فهناك تكثيف لغوي، كلام يمكن إدراجه، لكن الشاعر يضعنا أمم صور مشبعة أو صور منعكسة متحللة في اللغة، يمكن مشاهدته ذلك كالتالي: وأنا مستلق في ليلة هادئة وصافية أشعرتني النجوم بالشوق، وهذا ما أسميته بالظل، فهناك صورة واقعية متحللة في اللغة، ظِل شخص واقف يترصد النجوم يعتصره الشوق والألم الحسي، أقول الحسي لأن هناك تكثيف نفهمه من قول الشاعر أيها التّيه النؤوم/ يَلفّها حنينُ الغيوم فكلمة نؤوم تختصر ما هو لغوي هو التيه الممتد في ذات الشاعر أو المساحة الضاغطة التي تدفعك إلى الشعور بالشوق، لكنه شوق نؤوم وهنا يبدو لنا ما هو حسي وظاهر، فنؤوم تعني الغصة أو الألم، أي صرخة ألم مبحوحة أو ما نسميه غصة بكاء نحاول إخفاءه، هنا تكتمل الصورة و تتوضح، فالشاعر في فضاء متسع سكون الليل والنجوم تشعره بالشوق والألم، وتبعا لمفهوم الانفتاح يدعوك الشاعر لفهم المشكل: فاسأل قلبا معلقا هناك أصابه ألم الوجد السَّؤوم. وتبعا لمفهوم التكثيف فهناك صورة مرتهنة متحللة في اللغة، هناك ظل تائه، نفهمه من الدلالة اللغوية “السؤوم” فهي تخفي مدلول أو ما نسميه الصور الفكرية المكثفة، هي شخص في وضعية سأم وضجر، فالسأم وضعية وجودية تصيغ الانسان صياغة فلسفية في مواجهة وجوده وكينونته، فهناك وضعية محايتة، مرتهنة لوعي شقي يطيح بالشاعر، وهناك ليل كزمن ومساحة غائبة مضلل بوجوده يراقب نجوم تشعره بشوق مضني، يشعره بغصة ألم وإحساس بالسأم يأبى العودة رغم الاشتياق سكنَه وجعُ البُعد وطولُ الفراق فهذا السديم والصورة المتراكمة تصنع الإنسان الرافض، الثائر على وضعه، فمن سأمه وألمه يصنع رفضه وثورته على موضوع رغبته، وبهذا الرفض تصطبغ حروفه وكلماته وقصائده
عصى الحرفُ العابر عبر الرياح
ركوبَ موجٍ مثقل بالرماح
لا شيء يرضيه
غير صفح عيون
تكسّرت من كثرة التودّد
للوعة اللقاء زمن الفراق
فهو لا يصطنع إنسانيته، التودد لا يرضيه و لا يعالج الجراح المثخنة، ومن هنا نفهم أن العشق هو مفهوم عام وليس خاصا، فهو عشق الذات كما هو عشق الآخر، إنه حب الأرض حب الوطن حب الأسرة حب كلي وشمولي، فالعشق غسيل العمر، سيظل منشورا على حبل الاخطاء المرتكبة في زمن كان بالإمكان أن تعيش عفويا رخاء اللقاء في أحضان المحبة الصادقة، فمن عمق الدوائر المشلولة المتوقفة على تلال الفجيعة سيطالك لا محالة الحنين الى اللحظات القليلة الموزعة بين الأمل والاستماتة، ستعود بالتأكيد الى النقط التي سجلت فيها هواجسك المشبعة بالتردد، قبل أن تغادر أزقة الحضور، لتستعيد آخر مفردات الانتشاء بطيف اللقاء الاخير.
الناقد سعيد المولودي / المغرب
لوعة اشتياق
إذا بدت لك النجوم
أيها التّيه النؤوم
يَلفّها حنينُ الغيوم
فاسأل قلبا معلقا هناك
أصابه ألم الوجد السَّؤوم
يأبى العودة رغم الاشتياق
سكنَه وجعُ البُعد وطولُ الفراق
عصى الحرفُ العابر عبر الرياح
ركوبَ موجٍ مثقل بالرمال
لا شيء يرضيه
غير صفح عيون
تكسّرت من كثرة التودّد
للوعة اللقاء زمن الفراق