مُبَارَاة النهائي / بقلم: ذ. مدحت ثروت / مصر


خَلْف صباحات مُؤَجَّلَة مِنْ لَيْلَةِ الْبَارِحَة الْمُظْلِمَة، بَاتَ عَلَى جِدَارِ الْقَلْب شُعُور رابض يَسِنُ أَنْيَابَه الْحَادَّة لافتراسه، جَالَت بِصَدْرِه النبضات خَافته متباطئة، وأتون الْأَلَم يُلْقِي شظاياه عَلَى ضلوعِهِ الوهِنة، مَا عَسَاهُ هَذَا اللَّيْلِ؟ إلَّا تنقشع غَمَّتْه وَتَزُول سَطْوَتُه، هَمَس صَامَتَا بِعَقْل يَكَاد يشت، فَرك عَيْنَيْه الْبَاقِيَتَيْن مُنْذ لَيْلِهَا وَحَتَّى الصَّبَّاح يَقَظَة فَانْشَقّ وَادٍ فِي مَآقي السَّهَر، سَنَدَ ظَهْرَه وَرَأْسَهُ عَلَى خَذَل تَوَسَّدَه سَنَوَاتٍ طَوِيلَة، نُور الصَّبَّاح يُداعِب نَافِذَتَه الزُّجاجِيَّة الصَّغِيرَة، يَنْظُرُ إلَيْهَا شَاخِصًا وَعَلَى وَجْهِهِ اِبْتِسَامَةٌ أَمَل مُحْتَضِر، يُعَاوِد النَّظَرَ إلَى سَقْفِ الْغرْفَةِ الَّتِي قَضَى لَيْلَةً يتأمله حَتَّى إنَّهُ قَدْ حَفِظَ عَدَد ومواضيع الثُّقُوب الْبَيْضَاء بِه، هَمَس بِعَيْنَيْه هَا هُوَ يَوْمُ آخَرَ كَسَابِقَة لَيْسَ فِي الْأَمْرِ جَدِيد، سيذهبون ويتركونني وَحْدِي، أُقَاسِي أَلَم الْعَجْز وأصارع حُسَام الْمَوْت، وَأَدَار رَأْسَه قُبَالَة الْحَائِط ليلقي تَحِيَّة الصّبَاحِ عَلَى وَالِدِهِ وَوَالِدَتِهِ فِي صُورَةِ زفافهما ذَات البرْواز الخشبي يَعْلُوهَا شَرِيط أَسْوَد عَرِيضٌ، شقشقة عَصَافِير الصّبَاحِ عَلَى الشَّجَرَةِ الْمُجَاوَرَة للنافذة تَقْطَعُ هَذَا الصَّمْت، فيعاوده الْأَمَل الْبَائِس مَع أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الدافئة الَّتِي مَلَأَتْ الغُرْفَة فَاعْتَدَل فِي جلْسَتِهِ وَأَمْسَك هاتفه الجوال لِيَرَى كَمْ مَضَى مِنْ وَقْتٍ، إنَّهَا الثَّامِنَة، أَصْوَات بَعْض الْبَاعَة الجائلين تَمْلَأ الشَّارِع الْهَادِي بصخب مُبَكِّر، الْوَقْتِ لَيْسَ مُتَأَخِّرًا، أَمَامِي مُتَّسِعٌ كَبِيرٌ مِنْ الْوَقْتِ قَبْلَ الذَّهَابِ لِلتَّدْرِيب بالنادي، مُبَارَاة كُرَةِ القَدَمِ النِّهَائِيَّة بَعْدَ أُسْبُوعٍ، يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ اتغذى بِشَكْل جَيِّد وأتدرب بِانْتِظَام؛ فالنادي يَعْتَمِدُ عَلَى قدراتي ومهاراتي لِتَحْقِيق فَوْزِي وفوزه السنوي، يَهمّ بِالْجُلُوسِ عَلَى سَرِيرِهِ مُحَاوِلا الْإِمْسَاك بكرسيه الْمُتَحَرِّك.

ذ. مدحت ثروت / مصر



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *