وجار الذئاب / بقلم: ذ. عز الدين الزريويل / المغرب


بعد كل ما فعله من أجلها رأت فيه مجرد صعلوك لا يصلح ليكون رفيقها في الطريق… سارعت لاستئذان قائد القافلة المتجهة إلى تمبوكتو بأن ترافقه في طريقه، رفض في البداية لكن غنجها دفعه إلى إعادة التفكير ملياً في الأمر قبل أن يسألها إن كانت تتقن الرقص وغناء الموشحات وإلقاء القصائد العربية… تبسمت في وجهه وردت عليه كيف لحسناء مثلها أن تخرج في سفرها وحيدة دون أن تكون راقصة ومغنية وشاعرة، وهي على يقين أن الصحراء قادرة على أن تنبت من رمالها في كل خطوة رجلاً

تململ فوق صهوة جواده الأصيل أصالة الصحراء العربية، ثم تذكر قصة الصعلوك الذي كان يرافقها، فتراجع إلى الخلف قليلاً ولوح بيده الخشنة إلى ذيل القافلة وقال: هل يبدو ضحية من ضحايا رقصك؟ قالت له: الرقص لقطاع الطرق، وباعة الوهم عشاق رائحة الجحيم… بينما هي تحدثه كان الصعلوك يطارد ظله على حبات الرمل الساخنة، ويكز قصبته آمراً إياها بالتحرك صوب طواحين الهواء الدنكوشيتية، هل فعلاَ كان يعتقد أن العدو يسابقه لسرقة حبيبته الخائنة، أم أن جنونه صور له قائد القافلة شبحاً يلتهم النساء ويصنع من شعورهن حبال الوهم.
كانت القافلة بالكاد تتحرك تحت شمس حارقة، يجر فيها بعض العبيد أكواماً سوداء وخيوط مشوكة، وفي مقدمتها تتحرك مجموعة من الفتيات ترقصن على أنغام أغنية عرس الذئب. وبينهما أحمال من ذهب وفضة وعروس حسناء تلوح بيدها البيضاء لأشعة الشمس وعشاق الغواية
كانت بين القافلة ذئاب جائعة تتحين الفرص لاصطياد ضحاياها… كلما حل الظلام بجيوشه تبرق عيونها وتتحسس خطوات المسافرين، ومع انبلاج كل صبح تتعالى الأصوات والآهات وتشخص الأبصار، وتتقاطر الشكاوى على قائد القافلة، غالبا ماكان يشهر سيفه في وجه العدم معلناً أنه سيقطع دابر اللصوص المندسين بين المسافرين، بطبيعة الحال كانت القافلة تثق في كلام قائدها الحاج التمبوكتي بيد أن راقصة الرمل تعرف حقيقة ذئاب الصحراء وتخفي ريبتها برقصة غجرية تثير بها صيحات السكارى وباعة الماء المتأبطين لقرب من فخار أحمر صقلته نار أفران فاس المغربية. في محطة استراحة للقوافل بحاسي مسعود يقف الذئب الأرقم يندس في مقدمة الحشد محاولاً تثبيت نظارتين طبيتين وضعتا عرضاً على أرنبة أنفه، يضع يده على أذنه فيرفع صوته بالآذان الله أكبر… الله أكبر… فتتسابق الذئاب إلى قرب الماء تسكبها بعنجهية على أطرافها. تقف القافلة ويصرخ الصعلوك رافعاً قصبته في الهواء هيا إلى صلاة الثعالب، ضعو أيديكم على أكياس النقود… تترصده عيون المسافرين، ويرميه البعض ببقايا نواة التمر الجزائري… ينتدب الصعلوك مكان قصيا عن القافلة، يتكئ على صخرة رملية ويتابع رحلة النجوم في الفضاء. يهمس لنفسه تعجبني النجمة القطبية على الأقل تصرح بحقيقة طريقها، يعود ببصره إلى الرمال المنتشية بضوء القمر ويقول: هل سيدرك الإنسان حقيقة الأرض ومن عليها… تنهي الذئاب صلاتها تتغامز بينها، فيختفي الذئب الأرقم قبل أن يظهر بالقرب من بئر حاسي مسعود حاملاً قربة مطاطية، يملأها خفية ويعود إلى وجاره قرب القافلة. ينام المسافرون فيخرج ذئب بلحية ماعزية نبتت عشوائياً على وجهه الأحمر كطين مراكش المغربية، يجول بين النائمين مفتشاً بين أحمالهم عن خبز الشعير ولبن الإبل ليملأ بطنه التي استعاض بها عن قربة طينية. تستفيق القافلة على العويل والصراخ، مرة أخرى يدركون أنهم تعرضوا للسرقة من أشباح اللصوص. يشتكون للحاج التمبوكتي الذي يظهر حيرته من الأمر فيعلن في البداية عن قراره بتفتيش القافلة، يقف الذئب الأرقم وبصوت رخيم يشرع في الدعاء على اللصوص بالهلاك، ويدعو إلى التسليم بإرادة الله وأن للصحراء أسرارها التي يجب أن تبقى مدفونة. ينبري الصعلوك للقافلة ويصرخ فيهم أن في القافلة وجار ملئ ظلماً، ويصر على مقاطعة صلاة الثعالب. لا أحد كان يبالي لكلام الصعلوك الذي تنهال عليه الذئاب بأحذيتها النحاسية

ذ. عز الدين الزريويل / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *