قراءة فى شعر “الهايكو” / بقلم: ذ. مفتاح الشاعري / ليبيا


الهايكو صنف شعري ياباني و أصل التسمية هي (هائيكو) ويعتمد الهايكو فى نظمه على اللفظ المنتقى الهادف للمعنى وصولا الى الذاتية التى تظل فى خصوصية معينة للشاعر لكنه ايضا يصنف على أنه “النص القصير جدا” و يمكن القول بان الهايكو فى منظوره ظل يهتم بخصوصية اختيار المفردة والبناء والمضمون ونقرأ:
((عادة ما يأتي شعر الهايكو الياباني مكونا من سبعة عشر مقطعا صوتيا وتكتب عادة في ثلاثة أسطر بتوزيع لديهم وفقا للاتي: خمسة/ سبعة/ ثم خمسة))
ولقد انبثق الهايكو من صنف شعري اقدم كان يسمى “الرينغا” وهو فن شعري استمدت أصوله من الاقوال المأثورة والحكم المتوارثة وتوظيفها فى وصف الحياة المحسوسة وما يكتنفها من متغيرات.. لكن الهايكو كان قد ازدهر على يد الشاعر “باشو” المولود عام 1644 ومن بعده جاء الشاعر “بوسون” المولود عام 1716 وما تجدر الإشارة اليه حقيقة ان الشعراء اليابانيبن الرواد كانوا فى اتصال بالطبيعة حولهم فاهتموا بمظاهرها وتقلباتها وتعاقبها وتأثيرها على الجماد والمتحرك فصاغوا فى وصف تلك المظاهر فى كلمات ومفردات ارتقت الى مهارة جاورت الفلسفة المصاغة ومع هذا لم يكفوا عن فعل اختيار الكلمة واختزال الجمل فى محاولة للوصول الى توظيف واقعي ومقبول بهدف خلق اواصر بالوجود بمشتملاته من زمان ومكان فكان لهم ما ابتغوا وفى انسياب طبيعى يحاكي الحياة بكل وجوهها والتفاعلات الداخلية والخارجية على حد سواء وتظل هذه الرحلة المليئة بالتجريب والاستنطاق والاستنباط للهايكو موسومة بالدهشة حين نعلم ان هذا الهايكو كان يعنى فى اللغة اليابانية المبكرة اسم (طفل الرماد) وأنه نتاج من جانب فلسفي كان بدرجة كبيرة من التركيز العقلي و فى تفاصيل مستمرة بمسألة الجمال بواقعيته ومتخيله و بمفهوم سريالي واسع ويقول احد الكتاب فى هذا الشأن:
(الهايكو فرضه تصور فلسفي وجمالي انطلق مع رائد الهايكو باشو، واستمر مع آخرين كديمومة الزمان متنقلا بين الشعراء القدامى والمحدثين مستجيبا للظروف السوسيوثقافية لكل شاعر هايكو على حدة)
وهذا النوع من الشعر يذكر عنه أنه وظف السريالية التعبيرية التجريدية فى المفهوم الشعرى كما هو موجود من الرمزية بالاضافة الى اعتماده على الجمل الناقصة عبر الكثير من مقاطعه فى تماثل لواقع الحياة التى لا تعطى كل أسرارها.. أيضا على الجمل الإسمية اليابانية وبالمقابل قل اعتماده الجمل الفعلية.
وفى محاولة اثراء هذا الموضوع سنضيف نظرة هامة قالت “أن اللغة الشعرية للهايكو هى اداة البناء والوصف والوعاء الزمني بنية رسم لوحة شعرية فى قالب شعري بنكهة السرد المختصر وفى قدرة على بعث فعل الحركة”.. حركة الذهن والمشاعر نتيجة بناء شراكة مستباحة لوظيفة عقلية وحسيه للوصول بالمتلقى المتخصص الى دائرة ربما ستكون فى احايين كثيرة مستفزة بتطلع الى سبل التفاعل فى زمن قد لا يتعدى زمن الاستغراق فى قراءة النص ذلك ان غالبية شعر الهايكو فى حالة من الجوار المحاور للمكان والزمن والصورة والمفردة بنتيجة مرتقبة لحالة استنباطية تكتشف حالات من الخصوصية للقصيدة تدركها العقول وتتحسسها المدارك..
ان الهايكو استجلب الحواس من لمس وذوق وسمع وشم وبصر للدلالة على الادراك المادي للمحيط الذي قد لا يخلو من جانب استدعاء مقنن كالفصول على مدار السنة وارتباطها بمدارك ومشاعر الانسان او جانب الرمزية لتحفيز ذهن المتلقى للاستنباط المتجدد وروح مغامرة الاكتشاف ومن رواد هذا الشعر الياباني رواد من الشعراء فى البلد الأم اليابان يذكر منهم الشاعر “ريو يوتسويا” و الشاعر “باشو وبوسون يوسا” والشاعر “شيكي ماساوكا والشاعر” كيوشي تكاهاما ” والشاعر “ايبيرو نكتسوكا” والشاعر “سيكيتي هارا” والشاعر “هيساجو سوجيتا” والشاعر “سوجو تاكانو” والشاعر”كياكيو توميز” ونورد هنا بعض مقاطع الهايكو للشاعر اليابانى غوشيكو:

الليلة الطويلة
صوت الماء
يقول ما افكر به.


النجوم على البركة؛
مرة اخرى مطر الشتاء
يقلقل الماء.


على غصن شجرة متداع
حط غراب،
مساء يوم خريفي.


مع نسيم المساء
يقفز الماء على
ساقَي مالك الحزين.


ونورد هنا نموذج منه:

المحنة
العصرُ الذي أبدع السكاكينَ
نسي الخيوط ..
جرحٌ فاغرٌ فاه ..


يصفق بابتهاج
يحسبُ الرصاصَ في الظلام عناقيد فرح
طفلُ الحرب.


تكذبُ على الجميع..
عاتبوها ،فصمتتْ.
الوسادة ..


قالوا للظلمة،
إن الشجرَ يورقُ فيكِ
فصدقتْ


السيارة التي دهستني
ليلةَ أمس
كانت بيضاءَ جدا


بلابلُ دجلة
تطلقُ صراخا في الفجر
المخاض


نسيم الشام في مهب الريح
ياسمينةٌ تتلفت
طيرٌ مذبوح



ونذكر هنا شاعرين للهايكو:

ايضا يذكر فى هذا المقام الشعراء العرب مثل الشاعر الفلسطيني / عزالدين المناصرة
نذكر منهم الشاعر الليبي د. جمعة الفاخري ونقرأ له:

مِنْ قَفَصِهِ الصَّغِيرِ ..
مُعَلَقٌّ بَصَرُ العُصْفُورِ ..
بِبَوَّابَةِ القَصْرِ الْبَعِيدَةِ..!


يَنْحَنِيَانِ عَلَى سَمَكَةِ صَغِيرَةٍ ..
خَيْطُ السِّنَّارَةِ ..
وَنَظَرُ الصِّيَّادِ الْعَجُوزِ..!


يَصْفَعُنِي مُهَلِّلاً :
يَالَكَ مِنْ مَجْنُونٍ..!!
نَزِيلُ الْمَصَحَّةِ..!


يَتَوَسَّدُ بُرْتُقَالَتَهُ ..
شَمْسٌ تُشْرِقُ تَحْتَ خَدِّهِ ..
صَغِيرِي الشَّقِيِّ..!


بِبُرْتُقَالَتِهِ الشَّمْسِ
يُقْنِعُنِي صَغِيرِي ..
يُوَاجِهُنِي بِالمَجَازِ..!


تَجِئُ ..
عَقْرَبَا السَّاعَةِ ..
ذِرَاعَانِ يَنْفَغِرَانِ لِعِنَاقِي..!


تُمَارِسُ سِحْرَهَا ..
فِي طَرْدِ الحِسَانِ
لِحْيَتُهُ البَيْضَاءُ..!!


وَحْدَهُ فِي طَرَفِ الحَقْلِ ..
يَنْتَفِضُ طَارِدًا الطُّيُورَ ..
ثَوْبُ الْفَلاَّحِ الْفَقِيدِ..!


بَيْنَ أَلْفِ زِنْزَانَةٍ ..
وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ طَلِيقٌ
السِّجَّانُ الغَبِيُّ..!


إِلَى سَرِيرِهَا الْخَاوِي ..
يَقُودُنِي عِطْرُهَا ..
عَلَى مَخَدِّتِهَا ..
يَسْمُقُ وَجْهُهَا بَاسِمًا..!


أَتْلُوهَا ..
فَأَتَلَمَّظُ رِضَابًا..
رَسَالَتَهَا الأَخِيرَة..َ!!


كَائِنٌ خُرَافِيٌّ يَتَغَاوَى دَاخِلَهُ ..
المُرَاهِقُ النَّزِقُ ..
يُخْلَقُ مِنَ الشَّبَقِ أَرْبَعُونَ..!!


أَخَافُ سُكَّرِيَّ العِشْقِ ..
في فِنْجَانِ قَهْوَتي ..
يَسْبَحُ وَجْهُهَا أَبَدًا..!؟


أَحْتَسيهِ حُلْوًا ..
فِي كُلِّ فِنْجَانِ قَهْوَةٍ..
وَجْهَ حَبِيبَتِي..!


أَسْتَغْنِي عَنْ سُكَّرِ قَهْوَتِي ..
عَلَى الفِنْجَانِ ..
أَتَخَيَّلُ شَفَتَيْهَا..!


مُخَبَّأٌ فِي الْمَرَايَا ..
سَاطِعٌ فِي قَلْبِي ..
وَجْهُ حَبِيبَتِي الغَائِبَةِ..!


أَتَنَاسَاهُ ..
لا تَغْفَلُ عَنْهُ الْمَرَايَا ..
وَجْهُ غَائِبَتِي الْغَالِيَة..ِ!


تَنْطِقُ الْمِرْآةُ بِهِ ..
كُلَّمَا صَمَتَتْ أَشْوَاقِي
وَجْهُ حَبِيبَتِي الأَحْلَى..!


عَلَى الفيس بوك ..
بَعْضُ الإِعْجَابِ
نِفَاقٌ بِاللَّمْسِ..!؟


عَلَى تَقَيُّؤاتِهِ
عَلَى الفَيْس بوك ..
تُعْلِنُ ذُبَابَةٌ إِعْجَابَهَا..!

ان شعر الهايكو وخلال تسعينات القرن الماضي جاء الى العربية عبر الترجمه من اليابانية الى الانجليزية ثم فى مرحلة تالية جاء عن طريق الترجمة من اللغة اليابانية الام الى العربية مباشرة ومنها هذا الانتشار الذي نجده ومن امثلة الهايكو العربي نقرأ للشاعر العراقي “عبد الستار البدرانى”:

يقفزُ مثلَ جدْجدٍ،
أرعبهُ ضجيجُ السياراتِ العابرةِ ،
لرُؤْيَاكِ قلْبِي..!؟


ايضا نقرأ للشاعر الليبي د. جمعة الفاخري:


سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ ..
فَغَطَّتْ عَوْرَةَ الأَرْضِ..
وَرَقَةُ تُوتٍ..!


مُؤَامَرَةٌ عَمْيَاءُ ..
عَلَى قَصِيدَتِهِ..
العُمُرُ وَالعَتَمَةُ .. وَنَظَّارَتَاهُ..!


عَلَى كُرْسِيٍّ وَاسِعٍ ..
عِنَاقًا ..
يَزْدَحِمُ عَاشَقَانِ..!


مُفْشِيًا عِطْرَ القَصِيدَةِ
مُحَذِّرًا مِنَ الدَّنَاءَاتِ..
يُشْهِرُ الشَّاعِرُ حُلُمَهُ ..


يَنْفُخُ رَمَادًا عَنْ قَلْبِهِ ..
يَسْخَرُ مِنْ رَمَادِ صِدْغَيْهِ ..
شَاعِرٌ فِي عِيدِ مِيلادِهِ..!


تَقْصُفُ عَصَافِيرَ القَصِائِدِ ..
تَقْضُمُ تُفَّاحَةَ الْحُلُمِ ..
الْمُدُنُ الأَقْفَاصُ..!!


عَلَى حَبْلِ الغَسِيلِ ..
تَنْشُجُ بِصَمْتٍ..
المَلابِسُ المَغْسُولَةُ..!!


يُرْبِكُ طَلَّةَ القَمَرِ..
وَجْهُهَا ..
مُلْتَصِقًا بِالنَّافِذَةِ..!!


عَلَى الغُرَفِ المُتَأَوِّهَةِ ..
يَتَلَصَّصُ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ ..
قَمَرٌ مُرَاهِقٌ..!!


يَحْرُسُ نوافِذَ العَاشِقِينِ..
وَيَنَامُ فِي السَّمَاءِ..
قَمَرٌ عَجُوزٌ..!


ضَوؤهُ يَخْدَعُ العُشَّاقَ..
يَنْقُلُ لِلسَّمَاءِ سِرَّهُمْ ..
القَمَرُ النَّمَّامُ..!

ذ. مفتاح الشاعري / ليبيا



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *